03/11/2022 - 17:20

الكنيست ليست مربط خيل التجمع الذي أعرفه

خسارة التجمع لتمثيله في الكنيست ليست نهاية المطاف، خاصة بعد أن أثبت أنه يحظى بقاعدة والتفاف جماهيري، وبعد أن خاض معركة أعادته إلى ذاته وقوت أساساته وفتحت أمامه أبوابا لعمل جماهيري أكثر رحابة من الكنيست.

الكنيست ليست مربط خيل التجمع الذي أعرفه

("عرب 48")

نجح نتنياهو، أخيرا، وبعد خمس انتخابات جرت خلال أقل من أربع سنوات، في حسم النتيجة لصالحه وذلك بحصول معسكر اليمين الذي يقوده على أكثر من 61 عضو كنيست تمكنه من تشكيل ورئاسة الحكومة الإسرائيلية المقبلة.

وكانت الساحة الإسرائيلية قد انقسمت خلال السنوات الأخيرة، بشكل لافت، بين معسكر نتنياهو ومناصريه وبين المعسكر المناوئ له، بشكل حيد إلى حد بعيد التناقضات السياسية الأخرى، التي كانت في السابق تحتل أولوية الأجندة الإسرائيلية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

وإن كان الانقسام الإسرائيلي الذي تمحور حول شخص نتنياهو، ليس شخصيا مجردا بل يحمل أبعادا أيديولوجية وإثنية ترتبط بمسألة الدين والدولة وجوهر النظام السياسي الإسرائيلي، ويتمظهر فيه الصراع بين النخب الأشكنازية الليبرالية من جهة، والنخب الشرقية الدينية والحريدية الدينية الصاعدة من جهة أخرى، أو كما وصفه أحد المحللين الإسرائيليين بأنه "صراع بين الديمقراطية والديموغرافية"، التي يبدو أنها فرضت نفسها على الواقع الإسرائيلي من خلال ازدياد نسبة الشرقيين و"الحريديين" والمتدينين التقليديين، وغيرها من الفئات التي كانت مهمشة في "إسرائيل الأولى".

وبقطع النظر عن كون الليكود "حزب أشكنازي ليبرالي" أيضا، فإن تحالفه مع الشرقيين والحريديين مثّل تاريخيا تحالف المضطهدين والمهمشين سياسيا واجتماعيا داخل الحركة الصهيونية، في وجه هيمنة "النخبة الأشكنازية الليبرالية" وحزب "مباي" الذي قاده بن غوريون، وفي هذا السياق، يشير الباحث هيليل كوهين في كتابه "يكرهون - قصة حب" الذي يتناول علاقة الشرقيين اليهود بالعرب، يشير إلى أن الشبان اليهود الشرقيين حتى قبل قيام الدولة وجدوا ضالتهم في منظمتي "إيتسل" و"بيتار"، حيث استطاعوا الحفاظ على المظاهر الدينية وليس في منظمتي الـ"هاغاناة" والـ"بلماح".

لقد أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة تعاظم قوة التيارات الدينية اليهودية، حيث ارتفعت قوة الحريديين ممثلين بحركة "شاس" وكتلة "يهدوت هتوراه" إلى 17 مقعدا و"الحردليم" ممثلين بـ"الصهيونية الدينية" و"عوتسما يهوديت" إلى 14 مقعدا وباتوا يشكلون معا نحو ربع أعضاء الكنيست اليهود ونصف حكومة نتياهو المقبلة.

وفيما يتعلق بساحتنا المحلية فقد أحدث تحييد القضية الفلسطينية عن الأجندة الإسرائيلية، من جهة، وحالة التعادل المؤقتة التي سادت بين المعسكرين الإسرائيليين، حالة من الإرباك السياسي بين "أحزابنا العربية" التي توهمت خطأ أن قدرتها على ترجيح كفة أحد المعسكرين تجعلها شريكة متساوية في صنع القرار السياسي في الدولة اليهودية، وهو وهم بددته تجربة القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس في ائتلاف حكومة لبيد - بينيت - غانتس، بعد أن أسقط الاتفاق الائتلافي الموقع معها البعد الوطني المثمثل بالقضايا السياسية والإستراتيجية الهامة وقايضها بفتات الميزانيات اليومية، الأمر الذي ترجم بتصعيد هذه الحكومة لعدوانها على كل الجبهات العربية والفلسطينية في الضفة وغزة والقدس وحتى الداخل أيضا.

هذا الإرباك لم تكن نتيجته التنازل عن ثوابت تمثل أركانا أساسية في تعامل التجمع الفلسطيني الباقي داخل حدود الـ48 مع إسرائيل فقط، وفي مقدمتها التمسك بقضيتنا الوطنية وهويتنا الفلسطينية وعدم المساومة عليها أو مقايضتها بالقضايا المدنية، بل كانت النتيجة أيضا خسارة وحدة أحزابنا وتبعثر قائمتها المشتركة، وبالتالي انخفاض تمثيل هذه الأحزاب في الكنيست.

وقد أدى استمرار هذا الوهم وحلم البعض بأن يتحول لـ"بيضة القبان" التي ترجح كفة المعسكر، بعد أن بات عباس جزءا منه في الانتخابات الأخيرة، إلى إقصاء التجمع بعد أن أعلن أنه لن يكون جزءا من المعسكرات الصهيونية ولن يشارك في لعبة "التغيير والتأثير"، الأمر الذي أدى إلى تفكيك القائمة المشتركة وخسارة وانخفاض تمثيل أطرافها.

خسارة التجمع

محاصرة التجمع وتحجيم دوره هي سياسة مخابراتية سبق أن جرى استعمالها ضد حركات وطنية وإسلامية سابقة ولاحقة، وهي تندرج ضمن سياسة الضبط والسيطرة التي اتبعتها إسرائيل في التعامل مع الأقلية الفلسطينية المتبقية في وطنها بعد تشريد غالبية الشعب الفلسطيني وإقامة دولتها الاستعمارية على أنقاضه.

وقد شملت هذه السياسة كل مناحي الحياة الاقتصادية والثقافية والسياسية، في مسعى إلى إبقائنا تحت سقف الأسرلة وقمع كل محاولات الخروج عن سياقها، وقد تمثل ذلك سياسيا بمنع إقامة أي تنظيم سياسي أو نقابي عربي (فلسطيني) على مدى ما يقارب الـ40 عاما، وقد جرى في هذا السياق قمع حركة الأرض التي تشكلت في الستينيات تحت الحكم العسكري وإخراجها عن القانون.

وإذا استثنينا حركة أبناء البلد التي لم تسجل كحزب رسمي ولم تخض انتخابات الكنيست، فإن الحزب العربي الديمقراطي الذي أسسه عبد الوهاب دراوشة المنشق عن حزب العمل عام 1988 هو، للمفارقة، أول حزب عربي يُسمح بتسجيله في إسرائيل.

جمعت تجربة التجمع الذي كان، بخلاف أبناء البلد والحركة الإسلامية الشمالية التي جرى إخراجها عن القانون لاحقا، ممثلا بالكنيست، مما جعل ملاحقته تأخذ بعدا قانونيا أكثر وضوحا، يضاف إلى البعد الأمني المخابراتي الذي تُرجم بملاحقة مؤسسيه وكوادره ونوابه في الكنيست. وتمثل هذا البعد بتسليط سيف الشطب ضده ومحاولة منعه من خوض انتخابات الكنيست في كل دورة انتخابية جديدة، ودفعه إلى وضعية وصفتها رئيسة المحكمة الإسرائيلية العليا، إستير حيوت، في المداولات التي جرت لشطبه مؤخرا، بأنه "على حافة تجاوز القانون" لأن مشروع دولة المواطنين الذي يتبناه يعتبر محاولة لتقويض أساسات الدولة اليهودية.

التجمع تراجع وانحنى تحت وقع الضربات المخابراتية التي تلقاها في السنوات الأخيرة، وربما وجدت بعض قياداته سقف المشتركة المنخفض مظلة صالحة لحمايته، إلا أن هذه المظلة تسببت في حالة من التراخي والتفكك التنظيمي الداخلي وأسفرت عن خسارة كوادره النوعية وأنصاره وكثير من قاعدته الشعبية.

النافعة في ضارة التآمر على التجمع وإقصائه هو أن المعركة التي خاضها أعادت له كوادره وقواعده ومشروعه وعافيته الوطنية، وقدمته للناس بنسخة جديدة وقيادة جديدة متلائمة مع المرحلة وروح الشباب، دون التنازل عن أصله الثابت المتمثل ببرنامج "دولة كل مواطنيها" الذي صاغه مؤسسه عزمي بشارة والمتناقض جذريا مع جوهر الدولة اليهودية.

عليه، فإن خسارة التجمع لتمثيله في الكنيست ليست نهاية المطاف، خاصة بعد أن أثبت أنه يحظى بقاعدة والتفاف جماهيري لا يقلان عن الأحزاب الأخرى، وبعد أن خاض معركة أعادته إلى ذاته وقوت أساساته وفتحت أمامه أبوابا لعمل جماهيري وإعلامي وسياسي، أكثر رحابة من قوقعة الكنيست التي ضاقت مساحاتها الديمقراطية كثيرا بعد "قانون القومية".

هذا ناهيك عن أن الساحة الجماهيرية كانت دائما الميدان الحقيقي للعمل السياسي الوطني، خاصة من قبل القوى التي لا ترى في الكنيست مربط خيلنا، وأعتقد أن التجمع كذلك.

التعليقات