18/12/2023 - 22:23

ما أثاره قتل الأسرى رغم الرَّاية البيضاء…

في الواقع أن عشرات وربما مئات الجرائم تجري بعيدا عن الكاميرات بحق من استسلموا وبعض المعتقلين، ناهيك عن القصف العشوائي، في القنابل العملاقة الغبية...

ما أثاره قتل الأسرى رغم الرَّاية البيضاء…

(Getty)

أثار قتل الرهائن الإسرائيليين الثّلاثة الذين حاولوا الهرب من الأسْر عاصفة من الغضب والانتقادات، فالثلاثة خرجوا رافعين راية بيضاء، وهذا يعني أنّهم مستسلمون وليسوا مقاتلين، ويفترض عدم إطلاق النّار عليهم، حتى في حروب العصور الغابرة، كانت السّلامة حقًا محفوظًا لمن يعلن استسلامه!

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

غضِبَ أهالي الأسرى والمحتجزين؛ لأنّهم شعروا بالخطر المحدق بأبنائهم، وهم يشعرون بأنّ الوقت صار يضيق أكثر فأكثر، وفرص إنقاذهم تقل يومًا بعد يوم، وبالنسبة لذويهم فهم يشكلون أولوية أولى، لكن يبدو أنَّ هناك من يعتقد غير ذلك، ولا يهمّه مصيرهم كثيرًا بقدر ما تهمه أجندته السّياسية والمحافظة على الأنوية والإيجو الشَّخصي!

بل أن وزير الأمن الداخلي اقترح قتل أسير كبير من أسرى حماس في المعتقلات الإسرائيلية، مقابل كل يوم يمرُّ من دون إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، في استهتار واضح بمصير الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين.

يبدو أن هؤلاء ينتظرون حدوث معجزة فيتحرّر الأسرى من غير ثمن ومع صورة النّصر المأمولة، وهذا ما تدحضه الوقائع، فالأسرى الذين وصلوا أحياء، ما كان ليصلوا إلا بفضل صفقات التبادل.

إضافة إلى غضب أهالي الأسرى المشروع، فقد أثارت حيثيات مقتلهم مطالب بالتحقيق مع مرتكبي هذه الجريمة التي اعتبرها البعض قتلا عمدًا؛ لأنَّ الأسرى كانوا قد رفعوا الراية البيضاء، وهي فضيحة أخلاقية تعكس مدى الوحشية والواقع الذي يمارس ضد الفلسطينيين.

وفي محاولة للتغطية على الجريمة النكراء، هناك من قال إنّ القتال يجري في ظروف معقّدة وصعبة، وقال آخرون إن مقاتلي حماس، يقومون بعمليات خداع للجنود، وينصبون لهم الكمائن والأفخاخ، وهذا يعني ضمنًا أن الجنود مارسوا أمرًا عاديًا تجاه فلسطينيين حتى ولو رفعوا الرّاية بيضاء.

وقال قيادي آخر في جيش الاحتلال"لم نتوقّع وجود أسرى يتجوّلون في شوارع قطاع غزة"!

هنالك شهادات كثيرة عن استهداف وقتل أناس بعد استسلامهم وبعد اعتقالهم، حتى أحد المسنين الذي ظهر للإعلام وكأنّ أحد الجنود يساعده ويتحدث معه ما لبث أن جرى قنصه على بعد أمتار وشوهدت جثته ملقاة على قارعة الطريق.

وفي محاولة لترميم الصورة البشعة التي أفصحت عن نفسها، أعلن رئيس الأركان أنّه يجب عدم إطلاق النار على من يرفع راية بيضاء من الفلسطينيين، لكن يبدو أن الواقع ليس ما يدّعيه رئيس الأركان.

في الواقع أن عشرات وربما مئات الجرائم تجري بعيدا عن الكاميرات بحق من استسلموا وبعض المعتقلين، ناهيك عن القصف العشوائي، في القنابل العملاقة الغبية.

ولكن لا يعلن إلا عن تلك التي يجري رصدها ونشرها صدفة من قبل الجنود أنفسهم، مثل ذلك الجندي الذي وثّق نفسه وهو يعبث بمحتويات متجر في غزة، وآخر وثّق نفسه وهو يفجّر بناية مأهولة كهدية لابنته بمناسبة ميلادها الثاني، وهناك من قصف مدرسة مكتظة بالنازحين كهدية لصديق له كان قد قُتل في الحرب! وجندي رُصد وهو يلقي قنبلة صوتية في مسجد أثناء بث أذان الفجر في إحدى قرى الضفة الغربية وآخر بث أغاني وصلوات عبرية من مكبر صوت أحد المساجد! وقد قرَّر الجيش إبعاده عن الخدمة! لأن هذا يسيء إلى سمعة الجيش.

محاولة قادة الجيش التبرُّؤ من هذه التجاوزات مخصّصة للإعلام الغربي الذي يعتبر نفسه محايدًا ويضطر للتساؤل نتيجة للأعداد الهائلة من الضحايا وما ينشره الناشطون في وسائل التواصل من فظائع.

القيادة السّياسية والعسكرية تنتقد الجنود الذين يتصرّفون "بغير مسؤولية"، علمًا أنّ هذه القيادة هي نفسها التي أطلقت العنان لأقصى درجات الحقد والعنصرية نزعت إنسانية الفلسطينيين ووصفتهم بالحيوانات البشرية ورفعوا شعار لا يوجد أبرياء في قطاع غزة، ومنح الإعلام الإسرائيلي في منصاته تنافسًا في التحريض على القتل لمجرد القتل وذلك من خلال بعض "المختصين" الذين ليس لديهم من اختصاص سوى التحريض على القتل والإبادة، وهو في الواقع ما يمارس على أرض قطاع غزة.

شهادات بعض المعتقلين من قطاع غزة والضفة الغربية تروي عن التعذيب والإذلال والتجويع والضرب، وحتى عن قتل بعض المعتقلين.

إضافة إلى استهداف الصحفيين وأسرهم وقتل مسعفين يحاولون الاقتراب من جرحى، كما حدث للشهيد المصوِّر الصحفي من الجزيرة سامر دقة الذي استهدفوه ثم منعوا إسعافه وأطلقوا النار على من يحاول إسعافه فقتلوا ثلاثة من قوات الإنقاذ.

حتى حلفاء إسرائيل وأكبر الداعمين لها، صاروا يناشدون الحكومة الإسرائيلية بالتخفيف من القتل العشوائي الذي يرتقي إلى مستوى جرائم الحرب.

لقد أمِنَ أصحاب القرار في إسرائيل من العقوبات الدولية، ويصرّون بهذا على أنّهم فوق القوانين الدولية بدعم الولايات المتحدة، التي تتدخل في حق الفيتو ضد أي قرار يحمل إدانة أو حتى انتقادًا لإسرائيل وممارساتها.

الشُّعور لدى القيادة في إسرائيل بأنّهم لن يحاسبوا في يوم من الأيام، ما دامت قيادة أميركا بأيديهم، علمًا أن جو بايدن بات يترنح شعبيًا، وهو مُشرف على الفشل في الانتخابات الرئاسية بسبب دعمه الأعمى للحرب وترديد كذب قادة الاحتلال، وقد بيّنت استبيانات جديدة تراجع شعبية إسرائيل في أميركا والعالم لصالح فلسطين، الأمر الذي يعني أنَّه لا يوجد ثوابت مؤبدة، وأنّ محرقة غزة رغم الآلام والجروح الملتهبة، قد تكون سببًا لتغييرات عميقة في المنطقة والعالم أقرب وأعمق مما نعتقد ونرى.

التعليقات