21/12/2023 - 16:57

في انتظار حرب استنزاف طويلة في غزّة

عمق الفشل أو "العفن" كما عبّر عنه المحلّل العسكريّ أمير أورن، انكشف عندما أدارت حماس مزلاج الباب فوجدته مفتوحًا، وتبيّن في السابع من أكتوبر أن يحيى السنوار يستعدّ لهذا السيناريو منذ سنوات طويلة، من يوم أن حرره نتنياهو...

في انتظار حرب استنزاف طويلة في غزّة

طائرة حربيّة إسرائيليّة تحلّق فوق غزّة (Getty)

بغضّ النظر عن النتيجة الّتي ستنتهي إليها هذه الحرب العدوانيّة على غزّة، فهي بالمحصّلة فشل كبير لإسرائيل بجيشها واستخباراتها ووكالات أمنها وقياداتها العسكريّة والسياسيّة، حيث أثبتت أن الإخفاق الّذي وقع في السابع من أكتوبر، والّذي قاد إلى انهيار خطّ الدفاع الإسرائيليّ أمام هجوم المقاومة الفلسطينيّة، هو حلقة في سلسلة إخفاقات ممتدّة تنبع من فشل بنيويّ كشف هشاشة الجيش الإسرائيليّ، وما زال يعيق تقدّمه في إنجاز مهمّاته العسكريّة، وذلك رغم القصف الجوّيّ وإلقاء آلاف الأطنان من القنابل وتدمير عشرات آلاف المباني والبيوت وتهجير مئات الآلاف من السكّان في إطار استراتيجية معلنة لا تتّخذ من التدمير والتهجير أهدافا لها فقط بل وسيلة، أيضًا، لتسهيل عمليّات الجيش الإسرائيليّ على الأرض.

ومع كلّ يوم جديد يمر على الحرب الدمويّة الّتي تدخل النصف الثاني من شهرها الثالث، يتكشّف فشل استخباريّ وعسكريّ جديد، مرّة بالعثور على نفق ضخم بطول 4 كم وعمق عشرات الأمتار يمتدّ من جباليا وحتّى معبر "إيرز" ويشكّل طريقًا تحت أرضي لعبور السيارات إلى المنطقة الحدوديّة، وتقع فتحته على مرمى أنظار أبراج المراقبة الإسرائيليّة، وعلى بعد 400 متر فقط من الجدار الحدودي.

وأخرى بالاكتشاف متأخّرًا أن قائد كتائب القسّام محمّد ضيف، العقل المدبّر لعمليّة السابع من أكتوبر، الّذي اعتقدوا أنه مشلول، ويسير على كرسيّ عجلات، هو واقف على قدميه وبصحّة جيّدة، ومرّة بالذهول من اكتشاف شبكة أنفاق تضمّ غرفًا ومقرّات قيادة وصالات واسعة في شمال غزّة، وأخرى بوجود رهائن إسرائيليّين أحياء قبل أن يقتلهم الجيش الإسرائيليّ فوق الأرض في حيّ الشجاعيّة في غزّة.

عمق الفشل أو "العفن" كما عبّر عنه المحلّل العسكريّ أمير أورن، انكشف عندما أدارت حماس مزلاج الباب فوجدته مفتوحًا، وتبيّن في السابع من أكتوبر أن يحيى السنوار يستعدّ لهذا السيناريو منذ سنوات طويلة، من يوم أن حرره نتنياهو مع ألف من رفاقه مقابل جلعاد شليط…

ويقول أورن، إن أيّ خطّة في أيّ جارور إسرائيليّ لم تتوقّع الوضع السائد بين شهري أكتوبر وديسمبر 23، بما يحويه من كمّ هائل من جنود احتياط في الخدمة العسكريّة الفعّالة لمدّة زمنيّة طويلة، وهذا العدد الكبير من المصابين الّذي يساوي تقريبًا عدد جنود الجيش النظاميّ، هذا إلى جانب وجود 150 ألف إنسان تمّ إجلاؤهم من بيوتهم في الجنوب والشمال يشكّلون أيضًا نوعاً من جنود الاحتياط.

أو كما وصفه حاييم ليفنسون في "هآرتس"، بالميل الإنسانيّ لاختيار الوضع الجيّد، وتفضيل الاستماع إلى عظمة سلاح الجوّ وطائراته النفّاثة، الذكاء الاصطناعيّ، خبراء السايبر، عباقرة 8200 وشجعان السرايا، والتنعّم بالتفكير بعملاء "الشاباك" الأذكياء الّذين ينطقون الحجر، ويشنّفون آذانهم بمحادثات يحيى السنوار، والحلم بالموساد الّذي ينجح في اغتيال مدير البرنامج النوويّ في قلب إيران، ومن الجيّد كذلك أن نستفيق على صوت محلّلين متفائلين عوضًا عن محلّلين ينذرون بالتصعيد القادم ويقولون، "إن الجيش ليس جاهزًا، وأننا لسنا أقوياء كما كنّا نريد، وأن قيادتنا متوسّطة، وقد تكون فاشلة…".

ويضيف لفينسون، أنه "كما عدنا تدريجيًّا إلى عادات ما قبل السابع من أكتوبر، كذلك في الدعاية الذاتيّة عدنا إلى النرجسيّة والعنجهيّة والتهديدات الفارغة، نتوعّد بإبادة بيروت وتفجير لبنان، وبأننا على بعد خطوة من تقويض حماس وإعادة الأسرى بفعل الضغط العسكريّ وأننا ننتصر، وربّما من الأفضل أن نقول، إننا ننتصر من القول إننا عالقون في عمليّة ركض موضعي في غزّة".

ومسألة التورّط في غزّة، حتّى لو جرى احتلالها هي الخيار الأرجح، حيث يتحدّث القادة العسكريون والسياسيّون عن حالة هي أشبه بحرب استنزاف طويلة تستمرّ لأشهر أو سنة على أقل تقدير، دون وجود خارطة طريق للخروج، في وقت تتضارب وجهات النظر الإسرائيليّة والأميركيّة بين الحديث عن سيطرة أمنية كاملة، وربّما تقطيع القطاع إلى مناطق على غرار الضفّة الغربيّة وإصرار على عدم عودة السلطة، للإبقاء على حلّة التجزئة السياسيّة والجغرافيّة، وبين تصوّر بايدن حول عدم العودة إلى احتلال غزّة ومقولة حلّ الدولتين بالمنظور الأميركيّ.

وكلّها سيناريوهات سابقة لأوانها؛ لأنّ المقاومة في غزّة ما زالت بعافيتها في الشمال والجنوب، صواريخها تسقط في تلّ أبيب، وتكبّد الجيش الإسرائيليّ خسائر كبيرة في مختلف محاور القتال، وإذا كان من حديث عن اليوم التالي، فهو ينسحب على إسرائيل أيضًا، الّتي فشلت على ما يبدو، رغم حربها الطويلة والمدمّرة، في استعادة هيبة جيشها الّتي كسرت واسترجاع توازنها النفسيّ المفقود، وستأتي بعد انتهاء الحرب بحساب عسير مع قياداتها السياسيّة والعسكريّة المسؤولة عن هذا الفشل.

التعليقات