04/09/2009 - 13:59

الشاباك والإعلام العبري: وجهان لعملة واحدة../ زهير اندراوس

الشاباك والإعلام العبري: وجهان لعملة واحدة../ زهير اندراوس
فلنبدأ الحكاية من النهاية:
أولاً: تبيّن لنا هذا الأسبوع عن طريق الصدفة، والصدفة خير من ألف ميعاد، أنّ جهاز الأمن العام (الشاباك الإسرائيلي) لا يعمل في مجال التعذيب والترهيب والوعيد وتلفيق الاتهامات وتضخيم القضايا المتعلقة بالعرب الفلسطينيين في مناطق الـ48 فقط، بل يقوم بتفعيل قسمٍ خاصٍ لتصوير المتهمين العرب بقضايا أمنية (!) وتوزيع صورهم على وسائل الإعلام العبرية، فصورة الشاب راوي فؤاد سلطاني، الذي تتهمه السلطات الإسرائيلية بالتخابر مع حزب الله، تمّ توزيعها على صحافة البلاط التي تتشدق بحرية التعبير، بواسطة الشاباك، ونفترض أنّ هذا الجهاز، الذي فشل في ترويض وتدجين عرب الداخل على الرغم من كل محاولاته، كما جاء في كتاب د. هيلل كوهين (العرب الجيّدون)، يعرف أنّ الصورة في الصحافة تساوي ألف كلمة. ولكن التخابر والتعاون بين الشاباك وبين ما يُسمى بالإعلام العبري فاق كل التوقعات، وبحذرٍ شديدٍ يمكننا الجزم بأنّ الواقع فاق الخيال في هذه القضية العينية.

ثانياً: سلطاني، المنتمي للتجمع الوطني الديمقراطي، ما زال وفق القانون الإسرائيلي "بريئاً حتى تثبت المحكمة غير ذلك"، ولكنّ الصحافة العبرية على مختلف مشاربها، كشرّت عن أنيابها وقامت بعملية „اغتيال ممركز” لهذا الشاب، وأجرت له محاكمة صورية، تمّ من خلالها إدانته بالتهم الموجهة إليه، من خلال عملية غسيل دماغ للإسرائيليين، الذين يعشقون هذا النوع من القصص: شاب عربي فلسطيني، التجمع الوطني الديمقراطي، الذي كان وما زال وسيبقى شوكة في حلق المؤسسة الصهيونية وبعض المستعربين من أبناء جلدتنا، وعددٍ من الأقزام وأشباه الصحافيين الذين يستغلون منابرهم الإعلامية للتطاول على العمالقة بغير وجه حق، حزب الله، رئيس هيئة الأركان العامة، الجنرال غابي اشكنازي، النائب السابق د. عزمي بشارة، الذي تمّ تلفيق تهمة له بعد أن عجزت المؤسسة السياسية والفكرية في الدولة العبرية من مواجهة طروحاته الفكرية، كل هذه العوامل مجتمعةً شكلّت تفاصيل الـ”محاكمة” لهذا الشاب، الذي لم يخف انتماؤه بعزة وكرامة وكبرياء للتجمع، وعلى كرسي الاتهام كان أيضاً حاضراً وبكل قوةٍ حزب التجمع، الذي يتعرض في الفترة الأخيرة إلى هجمة شرسة من قبل المؤسسة الحاكمة، ليس لسبب، أنّما لأنّه، كما قال الناطق غير الرسمي باسم المخابرات الإسرائيلية، روني دانئيل، المعلق العسكري في القناة الثانية، إنّه يعمل على إقناع „عرب إسرائيل” بالانفصال عن إسرائيل. مضافاً إلى ذلك، فإنّ الهجمة الشرسة من الإعلام الإسرائيلي على كوادر وقيادة التجمع كانت عمليةً مخططةً ومبرمجةً حتى البند الأخير، بلطفٍ من الشاباك والصحافة التي تعمل بإمرته، فالشاباك هو عملياً رئيس تحرير جميع وسائل الإعلام العبرية.

ثالثًا: لا أخفي على أحدٍ أننّي شعرت بحالة من الغثيان عندما تابعت نشرة الأخبار في القناة الثانية التجارية في التلفزيون الإسرائيلي، التي ركزّت بشكلٍ لافتٍ على قضية الشاب سلطاني من جميع النواحي السلبية، أو بكلمات أخرى خًصصت للتحريض الأرعن والسافر على المتهم وعلى التجمع. فعلى سبيل الذكر لا الحصر، جلس في الأستوديو المراسل لشؤون الشرطة، موشيه نوسنباوم، وقال جازماً إنّ العديد من الشباب العرب الذي ينتمتون للتجمع يتواجدون الآن تحت مراقبة الشاباك، وأنّه من غير المستبعد، كما لقّمه الشاباك، أن يقوم هذا الجهاز باعتقال العديد منهم بتهمٍ أمنيةٍ. وهذا المراسل المتطوع تناسى عن سبق الإصرار والترصد أن يُبلغ المشاهدين بأنّ الشاباك قام في الفترة الأخيرة بملاحقة كوادر عديدة من شبيبة التجمع، وبعد التحقيق معهم، تمّ إطلاق سراحهم بدون توجيه تهمٍ ضدهم، الأمر الذي يقطع الشك باليقين أنّ هذه الاعتقالات هي جزء لا يتجزأ من الحملة المسعورة ضدّ التجمع.

رابعًا: الربط بين الشاب سلطاني والمفكر عزمي بشارة، هدفه المعلن وغير المعلن أنّ زعيم الحزب السابق متهم هو الأخر بالتخابر مع حزب الله، ومع أنّ بشارة لم يُحاكم في الدولة العبرية، فإنّ الإسرائيليين أدانوه. ما أراد التلفزيون الإسرائيلي من وراء هذا الربط بين سلطاني وبشارة هو التأكيد على أنّ التجمع من رئيسه السابق وحتى أخر كادر من كوادره يتعاون مع حزب الله للمس بأمن الدولة العبرية، والأدهى من ذلك هو الدخول إلى (الفيس بوك) التابع لهذا الشاب، وإبلاغ المشاهدين أنّه يحتفظ بصورة عزمي بشارة، حتى صورة بشارة ما زالت تقض مضاجع الإسرائيليين بعد مرور أكثر من سنتين ونيّف على مغادرته وطنه قسرياً، مع أننّا ضد تقديس الشخصيات، فما العار في تعليق صورة بشارة في البيت، ما العار في تعليق صورة الرئيس المصري الراحل، طيّب الذكر، جمال عبد الناصر، الذي قال عنه منظر القومية العربية، ساطع الحصري إنّه رجل اتّسعت همّته لآمال همته، بكلمات أخرى أراد التلفزيون الإسرائيلي أن يقول للإسرائيليين إنّ العديد من كوادر التجمع يحذون حذو موديل بشارة، إذا جاز التعبير، ويتعاونون من ألدّ أعداء الدولة العبرية، حزب الله، الذي كنس الاحتلال في العام 2000 وتمكن من صد العدوان الإسرائيلي البربري في صيف العام 2006 على الرغم من عدم التكافؤ في القوة بين الطرفين.

خامسًا: لا نكشف سراً إذا قلنا إنّ الإعلام العبري يقوم بتحويل التجمع الوطني الديمقراطي إلى خبر رئيسي عندما يتعلق الأمر بقضايا سلبية، هذا الإعلام الذي لم يفحص ما هي الأسباب التي تدفع المخابرات الإسرائيلية إلى الهجوم على الحزب وكوادره. ولنسأل بشكل واضحٍ وصريحٍ للغاية: لو كان الشاب سلطاني، غير منتمٍ للتجمع الوطني الديمقراطي، هل كان الإعلام العبري يخصص الدقائق الثمينة والصفحات الأولى لهذه القضية؟ الجواب باعتقادنا المتواضع جداً لا، سلطاني استغل من قبل الإعلام كرافعةٍ للهجوم على الحزب الذي ينتمي إليه.

سادسًا: هذه الحملة المسعورة جداً ضد التجمع ليست الأولى وباعتقادنا ليست الأخيرة، محاولات المؤسسة الإسرائيلية للتخلص من هذا الحزب ستتواصل ربّما بوتيرةٍ أعلى، لأنّ هذا الحزب غيّر المفاهيم، ووضع التحديات الجسام أمام الحركة الصهيونية، وبات عبئاً على المؤسسة الظلامية، وإذا كان هذا أو ذاك أو تلك، يعتقدون أنّ عمليات الترهيب ستُضعف هذا الحزب وقاعدته الشعبية المتينة، فهم على خطأ، فالذي اختار الانتماء إلى التيار الوطني والقومي في الداخل الفلسطيني سيبقى على العهد، ولن يتراجع قيد أنملة عن مواقفه وقناعاته، ولنًذّكرهم بأنّ محاولات شطب التجمع والمحاولات للإعلان عنه حركة غير قانونية باءت بالفشل، والتجمع اليوم أكثر من أي وقتٍ سابقٍ، حاضر وجاهز لصد هذه الهجمات المبيتة والخبيثة ضده.

سابعًا: يتهمون التجمع بأنّه يقوم بتنظيم المخيمات القومية في الداخل الفلسطيني وفي الدول العربية، ماذا تريدون أن يُنظم هذا الحزب القومي مخيمات „التعايش” غير الموجود، أتريدون أن ينظم المخيمات لتعلم كيفية إنشاد نشيدكم الوطني (هتكفا)؟ لا، يا سيداتي وسادتي، إنّ هذه المخيمات تُنظم من منطلق المسؤولية الوطنية ومن باب التصدي لحملة الأسرلة التي تحاول المؤسسة الإسرائيلية فرضها على العرب، نعم إنّ الشباب يتعلمون وينشدون موطني، إنّهم يتعلمون عن النكبة، عن الشعب الذي شُرد من وطنه في العام 1948، يدرسون عن القرى التي تمّ تدميرها خلال النكبة، بكلمات أخرى، إنّهم يتعلمون في المخيمات الرواية الفلسطينية الحقيقة الخالية من الرتوش لما حدث في الـ48، إنّ هذه المخيمات هدفها تعميق الوعي القومي لدى هؤلاء الشباب بدون لفٍ أو دوران، لكي يرفضوا الخدمة الوطنية أو المدنية التي تقوم المؤسسة الصهيونية بالترويج لها، فما العيب في ذلك؟ هل تريدون منّا أن ننسى التاريخ ونسير حسب تقويمكم المزّور من أولّه إلى آخره؟

ثامنًا: لقد آن الأوان أن يفهم أقطاب الدولة العبرية، وأن يذوت الإعلام الإسرائيلي إنّ التجمع الوطني الديمقراطي هو حزب سياسي يعمل ضمن الحيّز المتاح مما تبقى من شراذم ما يُسمى بالديمقراطية الإسرائيلية، كما نقترح عليهم أن تتم المواجهة بدون استعمال المخابرات، إنّما عن طريق النقاش، فمطالبة التجمع بدولة جميع مواطنيها، هي مطلب شرعي وواقعي، أما أن تطالبوننا بالاعتراف بأنّ الدولة العبرية هي دولة اليهود، فهذه قمة الوقاحة، ولا تنسوا، عفواً، أننّا هنا قبلكم، لسنا عابري سبيل في وطننا ولسنا ضيوفاً في هذا الوطن الذي نُقدّس فيه كل ذرة تراب.

التعليقات