كما يبدو لم تنجح الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن في تكييف الموقف السوري مع خططها الجديدة في منطقة الشرق الأوسط، ذلك رغم أنها عبرت في غير مرة عن رضاها من سلوك النظام السوري في الفترة الأخيرة على الساحة اللبنانية، خاصة في عدم تدخله بالانتخابات الأخيرة لصالح حلفائه في لبنان.
وقد توقعت أمريكا أن تلعب سورية دورًا أكبر في العراق ليس فقط على مستوى التنسيق الأمني ومراقبة الحدود العراقية السورية، وإنما ايضًا إلى درجة تسليم رموز المعارضة العراقية المقيمين في دمشق، نزولاً عند مطالب المالكي والأمريكان.
ولا يقل أهمية عن ذلك، فقد توخت الولايات المتحدة تقويض الأسس الإستراتيجية للتحالف السوري الإيراني كمسعى رئيسي في الإستراتيجية الأمريكية من اجل عزل إيران نهائيًا وضرب حركات المقاومة في المنطقة وبشكل خاص المقاومة اللبنانية والفلسطينية، ومن ثم تمهيد الطريق أمام المشاريع التسووية المستندة للرؤية الأمريكية- الإسرائيلية.
وعلى الرغم من تزايد القناعة لدى الكثيرين بأنّ الولايات المتحدة ماضية في طريق إبرام حلول شاملة في منطقة الشرق الأوسط، الا انه من الواضح ان الأمور تسير باتجاه تجزيء هذه الحلول إلى صفقات منفصلة: صفقة فلسطينية إسرائيلية واخرى لبنانية إسرائيلية وسورية إسرائيلية. ومن الواضح ان هذه الصفقات لا تسير بالتوازي من الناحية الزمنية.
وفق الخطة الأمريكية على أرض الواقع فإنّ الصفقة الإسرائيلية الفلسطينية سيتم انجازها حتى صيف 2011، وهذا ما ورد أيضًا فيما بات يعرف بخطة سلام فياض لبناء مؤسسات الدولة العتيدة، هذه الخطة التي قال عنها المحللون أنه لا علاقة لها بالقضايا الرئيسية للقضية الفلسطينية مثل حق العودة والقدس وحدود الدولة والسيادة.
أما الصفقة اللبنانية الإسرائيلية فلن ترى النور قبل انجاز تقدم على المسار السوري والقضاء على المقاومة اللبنانية.
فيما يتعلق بسوريا، فإنّ إسرائيل في ظل الحكومة الحالية ترفض الوساطات من أي نوع كان وترفض الانسحاب من الأراضي السورية المحتلة، وتدعو إلى سلام مقابل سلام مع سورية.
المعضلة الرئيسية في الإستراتيجية السورية أنها وكما يبدو لأسباب داخلية سياسية واقتصادية، تغلب النشاط الدبلوماسي المكثف لتحسين صورتها ولن تتورع عن مقايضة بعض الملفات الهامة في المستقبل من أجل كسب ود الدول الكبرى والخروج من العزلة الاقتصادية والسياسية وخاصة الاقتصادية، كون الاقتصاد السوري يعاني تدهورًا خطيرًا يكاد يفتقر إلى المخارج. وهذا بالتالي يترتب عليه نتائج خطيرة أهمها عدم قدرة النظام السوري على وضع إستراتيجية تحرير واضحة للجولان المحتل، وإنما يقتصر خطابه على أهمية الإستراتيجية الدفاعية أمام أي عدوان إسرائيلي جديد!! وعلى الرغم من ذلك لم تتحرك، وقد تكون تعطلت، الدفاعات الصاروخية السورية أثناء غارة إسرائيل على «دير الزور»، وأثناء تحليق الطيران الإسرائيلي فوق قصر الرئاسة في دمشق قبل ذلك.
لا أحد يشكك بالموقف السوري الداعم للمقاومة في لبنان والحاضن لفصائل الممانعة والمقاومة الفلسطينية، ومن البيّن ان التحالف الإستراتيجي مع إيران ليس في حسابات المقايضة السورية. الا ان ما لم تعه القيادة السورية حتى الآن هو ان الانتهازية السياسية غير مجدية ولا تصمد امام الإستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة في المنطقة، واكبر دليل على ذلك الأزمة العراقية السورية الأخيرة التي يشير أكثر من مصدر مطلّع إلى ضلوع الولايات المتحدة فيها، فهي التي تحرك أدواتها في العراق من اجل مفاقمة هذه الأزمة وهي التي توجه المالكي للتلويح بمحكمة دولية جديدة تكون فيها سورية في قفص الاتهام، وبالتالي حثها على تقديم مزيد من التنازلات السياسية في الملفات الإقليمية المختلفة، بما يشمل الملف العراقي والفلسطيني على السواء، علاوة على ما قدمته حتى الآن في الملف اللبناني.
من المؤسف ان موضوع الخيارات الإستراتيجية غير مرتبط بالنوايا الحسنة. وكما تشير الوقائع على الأرض فليس ملحوظًا في المدى القريب نزوعًا سوريًا نحو خيارات جديدة من شأنها تغيير وجه المنطقة، لا بل يبدو أنها ستبقى مسقوفة بسقفها الحالي.
التعليقات