11/09/2009 - 15:59

إسرائيل في الملعب الموسكوفي../ خالد خليل

إسرائيل في الملعب الموسكوفي../ خالد خليل
إذا كان صحيحًا أنَّ الموساد الإسرائيلي ضالعٌ في عملية اختطاف السفينة الروسية «آركتيك سي» لشكوكه أنّها كانت تحمل صواريخ S-300 متطورة الصنع من أجل توصيلها سرًا إلى إيران أو سوريا، فإنّ الاستنتاج والتكهن حول زيارة نتانياهو ومستشاري أمنه القومي، هذا الأسبوع إلى موسكو هو الآخر صحيح ومنطقي، حيث من الطبيعي أن يخلف حدثًا من هذا النوع آثارًا خطيرةً تصل حد الأزمة التي ينبغي التداول بشأنها على أعلى المستويات بين البلدين.

وإذا كانت رواية الاختطاف صحيحة فإنه من الطبيعي أن تكون روسيا- الدولة العظمى – محرجة تمامًا أمام الرأي العام المحلي والدولي وأمام دوائر صنع القرار والاستخبار في العالم، ومن هذه الزاوية يمكن تفهّم النفي الروسي المتواصل للموضوع إعلاميًا على الأقل، الا أنَّ حصر أسباب النفي في دائرة الإحراج فقط يبقى تسطيحيًا ومجافيًا للحقيقة.

فالمتتبع لمسألة تطور العلاقات الروسية الإسرائيلية لا بدَّ له من الالتفات الى مدى عمق هذه العلاقات التي باتت متطورة في عددٍ كبيرٍ من المستويات الهامة وعلى رأسها: التعاون العلمي والتقني والمبتكرات ومشاريع النانوتكنولوجيا، فضلاً عن التعاون التجاري والاقتصادي بدءًا من تجارة السلاح ووصولاً الى تزويد إسرائيل بكميات هائلة من الغاز الطبيعي الروسي، مقابل إطلاق أقمار صناعية إسرائيلية بواسطة تقنيات روسية، والقائمة قد تطول في مجالات الطب والعلوم وغير ذلك من العلاقات البينية التي تعود بالفائدة على البلدين، خاصة في ظل تنامي الأزمة الاقتصادية والبحث عن حلول سريعة لها في روسيا على وجه التخصيص.

ولا تألو إسرائيل جهدًا في اختراق الساحة الروسية من خلال دراستها المستمرة لطبيعة الحكم وموازين القوى داخل أجهزة اتخاذ القرار واستخدامها بشكلٍ يدعم تحسين علاقاتها مع الرئيس الروسي مديفديف الذي تربطه علاقات جيدة بإسرائيل (علاوة على علاقة الدم كون جدته يهودية! أي انه من «عظم الرقبة» حسب المفاهيم العنصرية الإسرائيلية)، مقابل تيار آخر يترأسه بوتين الذي يغلب مصلحة روسيا كدولة عظمى على أية اعتبارات اخرى.

قد تتذرع روسيا بحقيقة وجود أكثر من مليون مهاجر روسي داخل إسرائيل لتبرير التقارب الروسي الإسرائيلي، لكن ما لا شك فيه أنّ التعاون الاقتصادي يبقى العامل الرئيسي وراء هذا التقارب، وهذا ما يتضح من تصريحات وزير الخارجية الروسي لافروف أثناء لقاءاته مع المسؤولين الإسرائيليين خلال محاولاتهم المتكررة لإقناع روسيا بإلغاء صفقات الأسلحة مع سوريا وبالتحديد صفقة «ميغ 31» وصفقة صواريخ S-300 المضادة للطيران، حيث أكدّ لافروف أنه من الصعب التخلي عن صفقات الأسلحة مع سوريا وإيران، خاصة في ظل الاوضاع الاقتصادية الصعبة، واذا رغبت إسرائيل في إلغاء صفقة الصواريخ عليها أن تقوم هي باقتنائها!

في هذا الزمن صار من الصعب التكهن باتجاهات رياح السياسة، وأبواب الاحتمالات مفتوحة على مصاريعها، حتى لو افترضنا أنّ روسيا ستحافظ على دورها كلاعبٍ أساسي في الساحة الدولية، مقابل الولايات المتحدة في مناطق النفوذ الروسي على الأقل.

وكما يبدو فإنّ إسرائيل تجاوزت في علاقاتها مع روسيا التعاون الاقتصادي والعلمي إلى التعاون السياسي أيضًا، واتضح ذلك جليًا في قضية تنسيق وزير خارجيتها – ليبرمان- مؤتمرًا دوليًا في موسكو، من أجل الحفاظ على دور روسي بارز في العملية السياسية في الشرق الأوسط، لا بل اكثر من ذلك من خلال التصريحات الإسرائيلية الروسية بصدد المصالح المشتركة في درء خطر «الحركات الإرهابية» و»التعصب الاسلامي»، الآخذ بالتزايد!

إلا أننا نريد أن نؤمن أن مصلحة روسيا الاستراتيجية تتناقض مع بيع إسرائيل حليفة امريكا والناتو تلك الصواريخ المتطورة (فهذا الأمر ليس بحجم صفقة تحديث الأسلحة الروسية القديمة مع إسرائيل وبيعها للهند)، ولن تتطور الأمور الى هذا الحد الخطير من التدهور الا اذا خانت القيادات الروسية وطنها ومصالح شعبها، قبل أن تخون تحالفاتها التاريخية مع إيران وسوريا.

والأهم من ذلك هل سيتحرك العرب والمسلمون من أجل تعطيل المشروع الإسرائيلي-الأمريكي في الساحة الروسية، من خلال تعزيز وتوطيد علاقاتهم مع موسكو على كافة المستويات بدون استثناء؟!
"فصل المقال"

التعليقات