23/10/2009 - 19:16

المرحلة الخامسة: نفاذ اسرائيل- ومرحلة اختمار الوعي القومي المقاوم/نديم البحر

المرحلة الخامسة: نفاذ اسرائيل- ومرحلة اختمار الوعي القومي المقاوم/نديم البحر
منذ أحداث سبتمبر 2001 دخل الصراع العربي الإسرائيلي الى مرحلته الخامسة وفقًا لتشخيص الاستاذ الكبير محمد حسنين هيكل، وهي مرحلة ابتعاد امريكا عن حلفائها العرب وتفتيش هؤلاء عنها على اعتبار ان المرحلة التي سبقتها كانت مرحلة الاعتقاد بأن 99% من أوراق الحل في أي قضية وفي أي ملف في الشرق الأوسط هي في يد أمريكا (وفقًا لتشخيص هيكل أيضًا).

ويضيف أن المرحلة الخامسة ممكن تسميتها مرحلة نفاذ اسرائيل في الدول العربية، حيث ان اسرائيل تقوم بالتوسط للدول العربية عند الولايات المتحدة عندما تعجز تلك الدول عن تسويق أي من ملفاتها أو مصالحها عند الإدارة الأمريكية، وهذه الملفات غير متعلقة بإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي، بل هي مصالح قطرية وتصب عادة في مصلحة النظام العربي المعني أو في مصلحة بعض شخوصه ومقربيه.

وبالطبع لا أحد يعترض على هذا التشخيص لأنه يستند الى معطيات ومعلومات وحقائق نعتقد أنها دامغة اذا صدرت عن مصدر وثيق ومطلّع مثل الصحفي محمد حسنين هيكل، فعندما يقول ان اسرائيل تتوسط للدول العربية تكون جعبته مليئة بالقصص والروايات التي لا غُبار على صحتها.

وتقسيم المراحل التي حددها هيكل لا يقف عند التفاصيل والأحداث الصغيرة، بل يمفصل تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وفقًا لعلامات وأحداث كبيرة فارقة:

1- مرحلة 1948 قيام دولة اسرائيل في ارض فلسطين في قلب الأمة العربية.

2- مرحلة سنة 1949 واحتلال منطقة ام الرشراش (ايلات) وإقامة ميناءها واقتسام العالم العربي الى قسمين من خلال الفصل بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.

3- المرحلة الثالثة وتمتد حتى 1973 وهي مرحلة العجز العربي والتفوق الإسرائيلي المُطلق المدعوم من أمريكا والغرب.

4- مرحلة 1973 وهي اكتشاف العرب انهم قادرون على مواجهة اسرائيل، وهذه المرحلة امتدت حتى 2001 (أحداث سبتمبر)، فيها ساد الاعتقاد أن اوراق الحل في يد امريكا، وتوقف الخيار العربي على الركض وراء امريكا والسعي لتحسين صورتهم عندها وتقديم الطاعة لها، فكانت علاقاتهم مع اوروبا والعالم ثانوية إن لم تكن على الهامش.

5- المرحلة الخامسة، معاقبة امريكا للعرب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، ونفاذ اسرائيل في الدول العربية، وفيها "هجر العرب التاريخ ولاذوا بالجغرافيا". هذا التوصيف صحيح فيما يتعلق بالنظام العربي الرسمي التابع لأمريكا والذي تقوده مصر والسعودية، ولكنه غير منصف فيما يتعلق بسورية التي على الأقل رفضت التبعية واحتضنت المقاومة، وفتشت عن حلفاء بديلين، فحافظت على علاقة متميزة مع روسيا وثبتت تحالفها الاستراتيجي مع ايران وحسنّت علاقاتها مع تركيا، وتحاول في السنوات الأخيرة خلق توازن منطقي تحافظ من خلاله على هذه العلاقات الاستراتيجية وإخراج نفسها من العزلة السياسية والاقتصادية التي فرضها الغرب بسبب "مشاكسة" النظام السوري وعدم خضوعه له.

إنّ أهم علامة فارقة على مستوى الشعوب العربية في "المرحلة الخامسة" هي باعتقادنا نشوء نموذج جديد للمقاومة برز في لبنان عام 2000 عندما انسحبت اسرائيل تحت ضرباته، واستمر بالتطور هناك حتى عام 2006، مُلحقًا الهزيمة بالجيش الذي لا يُقهَر، ومن أهم ميزات هذا النموذج انه ذو أثر كبير على الشعوب العربية من المحيط الى الخليج، والتأييد الشعبي له ولرموزه غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، إلى درجة انه بات يتحول الى ثقافة عامة هي ثقافة المقاومة والممانعة التي في صُلبها مناهضة المشروع الامبريالي وإسرائيل.

وإذا كانت هذه المرحلة هي مرحلة "نفاذ اسرائيل"، فإنها أيضًا مرحلة "اختمار الوعي القومي المقاوم"، وخميرتها كل الشعوب العربية...
من غير المنصف تاريخيًا (وليس من باب الرومانسية السياسية)، إغفال ذلك وكأنه على هامش المرحلة والتاريخ خاصة وأنّ ملامح الوعي القومي المقاوم باتت واضحة في كافة الساحات العربية، حيث أصبح بالإمكان الحديث عن انتشار وتغلغل ثقافة المقاومة في معظم المجتمعات العربية حتى في ظِل أكثر النظم قمعية. هذه حقيقة تميز المرحلة، وهي نتيجة طبيعية لكسر أسطورة الجيش الذي لا يُقهر وإلحاق الهزيمة بإسرائيل، ولا شك أنها متأثرة أيضًا إلى حدٍ بعيد بنموذج الجمهورية الإسلامية في إيران.

لا يمكننا بالتأكيد الحديث عن هيمنة ثقافة المقاومة والوصول الى حالة نوعية شاملة، وإنما من غير ريب توفرت حتى اللحظة المقدمات الضرورية لتأسيس هذه الحالة النوعية، والتي أهمها التأييد الشعبي العارم للمقاومة، والذي لا بُدّ وان يتحول إلى حراك شعبي اذا ما أحسن استثماره من قِبل الحركات والأحزاب المناهضة للظلم وللمشاريع الأمريكية والإمبريالية.

لا توجد مقاييس كمية للتعبير عن مدى تغلغل الوعي المقاوِم بين الجماهير، وإنما هناك دلالات معنوية تعبّر عنها النُخب والعامة على حدٍ سواء من خلال الأدبيات والمواقف والآراء وردود الفعل العفوية والمنظَمة والتي تحولت الى مظاهرات مليونية في بعض العواصم.

التعليقات