24/10/2009 - 11:39

عودة إلى الشاه!../ إيلي شلهوب

عودة إلى الشاه!../ إيلي شلهوب
بغضّ النظر عن ماهيّة ردّ طهران (كالعادة: نعم ولكن!) على «مسوّدة البرادعي»، فإن ما حصل في فيينا هو مفصليّ في المسار النووي الإيراني، ويضع أقطاب «5 + 1» في حال من الحرج، من المثير معرفة طريقة خروجهم منه.

لا شك في أن صيغة الاتفاق تستجيب للحد الأقصى الذي كان يمكن أن يأمله باراك أوباما. أرادها بالدرجة الأولى اختباراً لنيات إيران في شأن سلمية برنامجها النووي، وبالقدر نفسه اختباراً لخياره في التورط الدبلوماسي معاً وبلا شروط.

في الشق الأول، يراهن أوباما على إخراج 1200 كيلوغرام (من أصل 1500) من اليورانيوم الضعيف التخصيب (3.5 في المئة) عملت إيران على إنتاجها في مفاعل ناتنز على مدى السنوات الماضية، قبل نهاية هذا العام إلى روسيا حيث تُخَصَّب إلى نسبة 19.75 في المئة، لتنقل بعدها إلى فرنسا حيث تُحَوَّل إلى «وحدات نووية»، لا تمتلك إيران تقنية تخصيبها إلى مستويات عسكرية، لاستخدامها في مفاعل الأبحاث الذي بناه الأميركيون للشاه عام 1967.

بذلك، تكون إيران قد قدمت، من وجهة نظر أوباما، إشارة إلى أن لا نية لها في عسكرة برنامجها النووي، لكون مخزونها من اليورانيوم، الذي يُعتقد أنه يكفي لصناعة قنبلة نووية واحدة، سيُقلَّص إلى 300 كيلوغرام، ما يعطي الغرب المزيد من الوقت للتوصل إلى تسوية شاملة، ويخفف من الضغوط الدافعة باتجاه مزيد من العقوبات أو حتى ضربة عسكرية.

أما في الشق الثاني، فيبدو أن أوباما يحتاج لنفسه إلى دليل على صوابية الخيار الذي اعتمده حيال إيران مذ وصل إلى البيت الأبيض. وقتها كان أمامه ثلاثة احتمالات لا رابع لها: ضربة عسكرية (غير قابلة للتطبيق نظراً لجدواها المحدودة ونتائجها الكارثية). احتواء وردع (قابلان للتنفيذ لكنهما غير مرغوبَين... إسرائيلياً بالدرجة الأولى). تفاوض من أجل تسوية توفّر القدرة على ضبط إيقاع البرنامج النووي الإيراني إن لم يكن إزالته.

فضل الخيار الثالث في ظل معارضة شرسة من الجمهوريين، يتقدمهم اليمين المسيحي، واللوبي الصهيوني ومعهما الدولة العبرية.

ولعل أكثر ما يعبّر عن هذه الحاجة لدى أوباما تدخله شخصياً ومباشرة ثلاث مرات خلال أربعة أشهر من المفاوضات السرية والمتعددة الأطراف مع الإيرانيين: تفيد المعلومات المتداولة بأن القصة بدأت في حزيران الماضي، عندما توجه الإيرانيون إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية يبلغونها بقرب نفاد مخزونهم من «الوحدات النووية» الضرورية لتشغيل مفاعل الأبحاث، طالبين منها المساعدة في شراء كميات منها.

ناقشت الوكالة هذا الموضوع مع الأميركيين الذين عرضوا توفير «الوحدات» المطلوبة من مخزون اليورانيوم الإيراني. وخلال زيارة أوباما لروسيا في تموز، عرض أحد مساعديه على الروس الصيغة التي أُعلنت في فيينا قبل أيام، طالباً منهم إقناع الإيرانيين بها. استساغ الروس الفكرة، وبوشرت مفاوضات عالية المستوى بين إيران وروسيا ووكالة الطاقة وفرنسا والولايات المتحدة للاتفاق على التفاصيل.

في منتصف أيلول، اتصل أوباما شخصياً بمحمد البرادعي لإبلاغه أن واشنطن تريد عقد الصفقة. أبلغ هذا الأخير الإيرانيين بالرسالة، فردوا إيجاباً. كان الأميركيون قلقين من أن يتمكن الإيرانيون من إقناع الروس بتطبيق الاتفاق، لكن من مصادر غير اليورانيوم الخاص بهم، ما دفع أوباما إلى الطلب من ديمتري مدفيديف، يوم التقاه في نيويورك أواخر أيلول، ضمانة بألّا تنفذ هذه الصفقة إلا إذا استُخدم اليورانيوم الإيراني، فوافق الرئيس الروسي. بعدها بأيام، اتصل أوباما بالبرادعي لتأكيد تفاصيل الاتفاق الذي أعلن في جنيف في الأول من تشرين الأول وحددت آلياته في فيينا.

المشكلة بالنسبة إلى أوباما، الذي هدّد وتوعد يوم كشف عن منشأة قم خلال قمة العشرين، أنه دفع ثمن اتفاق فيينا سلفاً، حتى لو لم يطبق: اعتراف دولي بالمنشأة المذكورة، والأهم الاعتراف بحق إيران في التخصيب. بهذا المعنى تكون طهران قد تحكمت بمسار علاقتها المقبلة مع الغرب، الذي بات هدفه الضغط للحدّ من التخصيب، لا وقفه، ولمراقبة المنشآت النووية، لا إغلاقها. نتيجة لا بد من أنها كانت حافزاً رئيسياً لخوضها المفاوضات التي أدت إلى هذا الاتفاق، فضلاً، طبعاً، عن موعد نهاية أيلول الذي كان قد حدده أوباما للتراجع عن مقاربته الدبلوماسية إن لم يتحقق تقدم.

لكن هناك تقارير تتحدث عن معلومات لو صدقت، لاختلفت المقاربة للقضية برمّتها:

* مخزون اليورانيوم الإيراني ليس نقياً. العمل على زيادة تخصيبه سيعطّل أجهزة الطرد المركزي. إيران لا تملك التقنية المطلوبة لإزالة الشوائب منه. المشكلة حصلت في أصفهان، حيث يُحوّل اليورانيوم الخام إلى غاز يُخَصّب في ناتنز...

* كمية اليورانيوم التي ستغادر إيران ستعود إليها 200 كيلوغرام من «الوحدات النووية» من أجل مفاعل الأبحاث الذي يستهلك سبعة كيلوغرامات منها فقط سنوياً، ما يعني أنها تكفيه لمدة تتجاوز ثلاثين عاماً. كذلك، إن المفاعل الذي لا تزال لديه كمية من هذه «الوحدات» تكفي لـ12 إلى 18 شهراً، لا يستطيع تخزين سوى 31.5 كيلوغراماً منها.

مهما يكن من أمر، تبدُ إيران ماضية على خطى الشاه: اعتماد «الخيار الياباني» (تجهيز البنية التحتية والبقاء على مسافة 18 شهراً من إجراء اختبار نووي). هي تلعب ضمن القوانين والأنظمة، كالبرازيل وجنوب أفريقيا. وعلى رأي المصريين: إِمشي عِدِل يحتار عدوّك فيك.
"الأخبار"

التعليقات