31/10/2010 - 11:02

"الكبار يموتون والصغار ينسون"!!../ عوض عبد الفتاح

تحولت ذكرى النكبة، والأكثر دقة إحياؤها سنويًا، في العقدين الأخيرين، إلى عنصر رئيسي في صيرورة الوعي الجماعي لعرب الداخل، وإلى الذهاب باتجاه معاكس لتوجهات مخططات التجهيل وطمس الذاكرة الفلسطينية على يد إسرائيل منذ عام 1948. كما لعبت العودة الشعبية إلى التمسك بحق العودة الذي كاد يدفع إلى خانة النسيان أو التناسي بعد عملية أوسلو الفاشلة، دورًا أساسيًا في إعادة الإعتبار للمركب الرئيسي في القضية الفلسطينية.

شكلت النشاطات المتنوعة والكثيرة التي تشهدها مواقع التجمعات الفلسطينية في فلسطين وفي الشتات، بخصوص ذكرى النكبة وحق العودة، منذ السنوات التي تلت توقيع إتفاق أوسلو، خطة دفاع رئيسية عن الذات والتاريخ، في مواجهة الضغوط التي مورست وتمارس على القيادات الفلسطينية من جانب القوى الدولية وقوى إقليمية بهدف تفكيك القضية الفلسطينية وإخضاع شعب فلسطين للتجزئة الأبدية. هذا قبل أن تتجدد المقاومة وتحقق انتصارات خاصة في لبنان، هذه المقاومة مضافًا إليها الإنتفاضة الفلسطينية التي عززت وشجعت التمسك بحق العودة والتي دفعت أوساطاً فلسطينية وغير فلسطينية وغير عربية إلى إعادة فتح أفق الدولة الواحدة، وإعتبار النظام الصهيوني في فلسطين نظاماً شبيهاً بنظام الأبارتهايد بل أسوأ بكثير. هذا النظام الذي سقط تحت ضربات حركة الشعْب في جنوب أفريقيا وتحت الحصار الدولي الشعبي والرسمي.

في العقدين الأخيرين شهدت ساحات الشعب الفلسطيني المختلفة، وبالتحديد الساحات الشعبية، إقامة اللجان الشعبية والمؤتمرات والندوات، التي تحمل عناوين حق العودة وحق مهجري الداخل، والكثير من هذه الأطر اصبح ممأسسًا ولها امتدادات في الوطن وخارج الوطن، في العالم العربي وأوروبا وأمريكا وغيرها من الدول.
لهذه المبادرات حاجة طبيعية، ولكنها انطلقت في هذه الفترة المذكورة بالذات، لحماية الحقوق من نهج التفريط. ولحماية الذاكرة الجماعية وتعزيز سيرورة الإنتماء والإرتباط بالوطن وبالحقوق.

أمام الإخفاقات المتتالية، لا خيار عن هذه المبادرات التي من شأنها أن تكون سندًا لأية قيادة وطنية ومستقبلية تأخذ على عاتقها مهمة متابعة مسيرة التحرر والإنعتاق من الكولونيالية والعنصرية. بل إن هذا التماسك الشعبي الواسع حول هذا الحق، هو الخندق الأصعب بالنسبة للعدو. فحتى لو نجح في ابتزاز القيادات الرسمية، ومهما ارتكب من مذابح ودمّر وخرّب، فإنه لا يستطيع أن يُخضع الشعب ويقتلع ذاكرته التي بدونها لا يستطيع أي شعب أن يقاتل ويمضي إلى مستقبله.

في المسيرة التي نظمتها لجنة الدفاع عن حق المهجرين يوم الأربعاء 29.04.2009 إلى قرية الكفرين، وفي المسيرات السابقة لقرى مهجرة ومدمرة، كان ملاحظًا النسبة العالية من الشباب، بل يمكن القول إنها كانت مسيرات شباب. (تـُرى ماذا كان سيقول مؤسس دولة إسرائيل، مجرم الحرب ديفيد بن غوريون، الذي قال في خضم تنفيذ مشروع الطرد والتطهير العرقي، "الكبار سيموتون والصغار سينسون).

نحن اليوم نعرف الجواب، فتلاميذه على اختلاف أحزابهم المتشابهة، لا ينامون الليل لأن نبوءة معلمهم وأحلامه المريضة لم تتحقق في هذه المسألة تحديدًا. إنهم عاكفون منذ فترة على وضع وتنفيذ مخططات لمواجهة ما يسمى بالخطر الديمغرافي العربي، وابتكار مخططات جديدة لفرض الولاء على المواطنين العرب للدولة اليهودية.

وفي هذا السياق يحاول بعض من يسمون أنفسهم بالليبراليين (الصهاينة) ومعهم بعض "عرب اسرائيل" تبرير تطرف المجتمع الإسرائيلي المتزايد، ونسب هذا التطرف إلى ما يسمى تطرف المواطنين العرب وقياداتهم. هؤلاء كانوا يتبنون نظرية التعايش، التي تقوم على أساس أن المجتمع اليهودي يواصل الحفاظ على هويته الجماعية ومؤسساته السياسية وكيانه الجمعي الرسمي والشعبي على حساب الشعب الفلسطيني، في حين يُطالب المجتمع العربي في الداخل بالتخلي عن مطالبه الجماعية والقبول بمواصلة العيش على الهامش وعلى أساس الدونية الأبدية. وحين يصرّ العرب وقواهم الوطنية على مطالبهم الجماعية وتطوير كيانهم الجمعي، تفتح النار عليهم ويصبحون هم المسؤولون حتى عن تطرف المجتمع اليهودي.

ليواصل المجتمع اليهودي تطرفه، وجنونه، فهذا لن يكون مبررًا لنا لأن نتراجع عن حقنا، فالتعايش والعيش على الهامش، كان سيقود إما إلى التفكك الإجتماعي والوطني والأخلاقي، وإما إلى إنعاش الوعي مجددًا، وانبعاث الشعور بالكرامة الوطنية. وهذا ما نشهده الآن كفلسطينيين رغم حالة الإنهيار الذي تشهده الحركة الوطنية الفلسطينية حاليًا.

لنواصل إحياء ذكرى النكبة، ولنواصل التفكير والعمل على كيفية إزالة آثارها المدمرة.

التعليقات