31/10/2010 - 11:02

أبعاد الدعوة لتشكيل بلدية القدس الفلسطينية../ يونس العموري

أبعاد الدعوة لتشكيل بلدية القدس الفلسطينية../ يونس العموري

دعوة جديدة انطلقت قبل أيام فيما يخص تشكيل (بلدية القدس الفلسطينية)، وهي دعوة تثير العديد من الإشكالات والسجالات حولها وحول مواقيتها وطبيعة توجهاتها وخفايا وخبايا منطلقاتها.... الأمر الذي يحمل في طياته الكثير من التساؤلات، لعل أبرزها حول فعل هكذا بلدية في ظل الاحتلال... أو فيما يخص إمكانية فعل بلدية القدس العربية ذاتها في ظل وقائع القدس وتداعيات قضاياها.... حيث أنه من المعلوم والمعروف حقيقة الظرف الواقعي المعاش فيها، ولا أعتقد أن الإعلان عن بلدية عربية بالشكل النظري من الممكن أن يسهم في خلق وقائع جديدة على الأرض في القدس... هذا من جانب، أما من الجانب الآخر فلا بد من الإشارة إلى أن مسألة البلدية والخدمات البلدية في الفهم القانوني والسياسي والمسألة السيادية هي مسألة خدماتية بإمتياز قد تُمنح من قبل سلطات الاحتلال للأقاليم المُحتلة ولا علاقة بممارسة الفعل والعمل البلدي بمفهوم السيادة ذاته... الأمر الذي يعني أن الخدمات البلدية وتقديمها لسكان المدينة ليس له علاقة بالسيطرة الفعلية على الأرض والإنسان، بل إن تجربة الاحتلال الإسرائيلي في القدس كانت قد حاولت العمل على خلق أشكال بلدية محلية للإحياء العربية في المدينة وربطها ببلدية الاحتلال على شكل لجان تطوير الأحياء.... وإتاحة الفرصة للسكان بإدارة شوؤنهم الحياتية فيما يخص الأمور البلدية... بل أن إحدى أهم مرتكزات الرؤى الإسرائيلية للحلول المقترحة للقدس تقوم على أساس خلق شكل من الأشكال البلدية للإحياء العربية في القدس تقوم بإدارة الشان الحياتي اليومي فقط لاغير....

ان الدعوة التي أطلقها التجمع المقدسي للمؤسسات الأهلية، والمسماة "حملة الحياة للقدس" أعتقد أنها أخطأت بالتوجه حيث أن الشروع بتأسيس بلدية فلسطينية للقدس العربية، قد أغفلت العديد من القضايا والأساسيات بالمشهد المقدسي الوطني وعلى رأسها الآتي:

• إغفال حقيقة أمانة القدس القائمة بالفعل كإطار وطني مقدسي قائم ما قبل الاحتلال ومازال قائما بالشكل الفعلي، ويتم التعاطي مع هذا الإطار عربيا ودوليا.... كشكل من أشكال رفض وقائع الاحتلال الجديدة في القدس ما بعد العام 67، حيث كان من الضروري الإبقاء على التشكيلة العربية الوطنية الفلسطينية لبلدية القدس والمتمثلة بأمانة القدس....

• استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية والحقوق المشروعة للمواطنين المقدسيين. فكل ما تم ويتم استحداثة بالمناطق المحتلة يعتبر باطلا، وعلى هذا الأساس كان من الضروري بمكان أن يتم الحفاظ على إطار أمانة القدس لا العمل على خلق جسم جديد في ظل الاحتلال من الممكن أن يخدم توجهات الاحتلال ذاتها...


• أن قضية القدس قضية سياسية سيادية بامتياز، وأن القدس منطقة محتلة تسري عليها اتفاقية جنيف الرابعة، ولا يحق لسلطات الاحتلال بموجبها اتخاذ أية إجراءات تؤدي إلى تغيير وضعها القانوني، أو طبيعتها الجغرافية أو تركيبتها الديمغرافية، ومن حق سكانها النضال في سبيل قضيتهم الوطنية، ومن واجبات الاحتلال تنظيم حياتهم المدنية وتسيير أحوالهم المعيشية وفقا لمتطلباتهم الحياتية على الأساس القانوني الدولي. وكونهم جزءاً لا يتجزأ من الفسيفساء الفلسطينية المحتلة فبالتالي يسري عليهم ما يسري على باقي الأقاليم المحتلة، وبالتالي فإنهم يخضعون لممثليهم في الإطار السياسي والوطني ... وفي الحالة الفلسطينية فإن سكان القدس يخضعون لمقرارات منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، وبالتالي هم جزء من منظومة مؤسسات منظمة التحرير ولا يجوز ابتداع أشكال وأطر جديدة لتمثيلهم أو إدارة شؤونهم الحياتية... على اعتبار أن م.ت.ف ما زالت هي من تنطق باسم جموع الشعب الفلسطيني، ومن ضمنها، كما أسلفنا، مواطنو القدس.

• إن مواجهة السياسات الاحتلالية في القدس لايتطلب خلق الجسم البلدي للقدس بل يتطلب الإنخراط في الإطار الوطني الجامع والفاعل، وذلك من خلال برمجة الفعل الوطني المقدسي ذاته وفقا للأجندة الوطنية المقدسية، وهذا يتطلب معرفة متطلبات القدس أولا، والعمل على خلق برامج قادرة على استيعاب الحالة المقدسية من خلال صناعة السياسات القادرة على مواجهة ومجابهة سلطات الاحتلال وبرامجها التي سعت لتغيير معالم المدينة وتهجير أهلها منها، والاستيلاء على أراضي سكانها وأملاكهم، وتنفيذها لسلسلة مكثفة ومتتالية من الإجراءات العنصرية الهادفة إلى إحداث تغيير نهائي وشامل في وضع المدينة. وهو الأمر الذي يعني ضرورة استنهاض الحركة الوطنية المقدسية من جديد وتفعيل المؤسسات التي أعتقد أنها تعاني من ممارسات ومطاردات سلطات الاحتلال، ومن إهمال قد يكون مبرمجاً ممن يمسكون اليوم بدفة العمل السياسي الفلسطيني.

إن ما ورد في بيان التجمع إنما يشير وبوضوح إلى الحالة المقدسية الراهنة، وقد أصاب هذا البيان بهكذا وقائع وتوصيف... ولكني اعتقد أن المهمات المقدسية لا يمكن أن يضطلع بها الجسم البلدي المُشار إليه.. وحتى نسمي الأشياء بمسمياتها وحقيقة أمورها، فلا بد من القول إن هذه المهمات لا بد من أن تضطلع بها الحركة الوطنية جمعاء من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، وفي هذا السياق فلا أعتقد أن بمقدور الجسم البلدي العربي الفلسطيني العتيد التصدي للمهام الوطنية برمتها في القدس.

بذات السياق يطلع علينا كل يوم من يحدثنا عن القدس وعن توصيف حالة القدس وتداعيات القضايا المقدسية، خاصة في ظل ذكرى مرور أربعين عاما على الاحتلال... والأدهى من ذلك كله أن صُناع القرار الوطني الفلسطيني الرسمي قد تحولوا إلى باحثين أكاديميين يجيدون الحديث عن وقائع القدس في الإطار النظري ويقدمون الإقتراحات والخطط التنظيرية وكفى المؤمنين شر القتال.... فمن مسؤول إلى زعيم يشارك في مؤتمر هنا أو بمقالة هناك يجتهد بتوصيف حالة القدس فيها وحتى يتمظمهر بمظهر الشفاف يصرخ بالعجز والتقصير الممارس بحق القدس وقضاياها، وهو بلا شك ركن من أركان العجز والتقصير والإهمال....

مرة أخرى أعتقد أن المطلوب للقدس اليوم يتعدى الدعوات النظرية الشكل، ومن الضروري الإنتقال إلى الشكل العملاني الفعلي للقدس، وذلك عبر تنفيذ البرامج القادرة على استيعاب المرحلة بكل انعكاساتها وتداعياتها على القدس وقضاياها وهذا يتطلب:

أولا: لمّ شمل الحركة الوطنية الفلسطينية في القدس.
ثانيا: عقد المؤتمر الوطني الشعبي للقدس. وترسيخ مفاهيم القدس العربية العاصمة الوحيدة والأبدية للفلسطينيين.
ثالثا: تحييد القدس من كل أشكال الصراعات السلطوية في المشهد الفلسطيني.
رابعا: المباشرة بخلق وقائع جديدة على الأرض وذلك عبر برمجة فرض الأمر الواقع فلسطينيا في القدس.
خامسا: إعادة الإعتبار لوثيقة العهد والشرف للقدس لتكون وثيقة فلسطينية عربية قادرة على خلق الحالة الإستقطابية الشعبية والرسمية العربية والإنسانية من حولها.

التعليقات