31/10/2010 - 11:02

أسباب الحملة الإسرائيلية على السويد../ انطوان شلحت

أسباب الحملة الإسرائيلية على السويد../ انطوان شلحت
(●) ينطبق مثلنا الشعبي „القصة مش قصة رمانة ولكن قلوب مليانة” على الأزمة الدبلوماسية المشتعلة، في الوقت الحالي، بين إسرائيل والسويد، في إثر نشر تقرير في أوسع الصحف السويدية انتشارًا [أفتونبلاديت] كشف النقاب عن قيام إسرائيل باستئصال أعضاء بشرية من أسرى فلسطينيين بعد اغتيالهم والمتاجرة بها.

ومع أن التحليلات الإسرائيلية، التي نُشرت حتى الآن، رفضت في معظمها هذه التهمة جملة وتفصيلاً، واعتبرتها „فرية دموية لاسامية جديدة ضد اليهود”، إلا أن بعضها أكد أن مجرّد الخفّة في النشر يشي بالحضيض، الذي تدهورت مكانة إسرائيل إليه في أوروبا في الآونة الأخيرة، كما نوّهت بذلك أيضًا مجموعة من التقارير الإسرائيلية الجديدة.

وبالإمكان أن نشير، من بين هذه التقارير، إلى الملخص التنفيذي لـ „مؤتمر هرتسليا التاسع” حول „ميزان المناعة والأمن القومي” في إسرائيل الصادر هذا الشهر، فيما يتعلق بالتحديات الإستراتيجية الماثلة أمام إسرائيل في العام 2009 الحالي.

ويتمثل أحد هذه التحديات في مواجهة واقع تآكل مكانة إسرائيل السياسية في أوروبا، والذي ينعكس، بحسب قراءة الملخص، في الميل المتزايد لدى أوروبا نحو ربط تطوير العلاقات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي بتقدّم العملية السياسية مع الفلسطينيين. وعلى هذه الأرضية يؤكد أن الوعد برفع مستوى العلاقات مع الاتحاد الأوروبي لن يتحقق، على ما يبدو، في المستقبل القريب.

وقبله صدر عن „معهد دراسات الأمن القومي” في جامعة تل أبيب، تقويم شامل لآخر مستجدات علاقات إسرائيل والاتحاد الأوروبي أعدّه رئيس المعهد، د. عوديد عيران، وخلص فيه إلى الاستنتاج التالي: إن أي توقع أو أمل في أن تسود علاقات إسرائيل مع الاتحاد الأوروبي أجواء حميمة في مستوى الأجواء الحميمة السائدة في علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة، سيكون ضربا من السذاجة. مع ذلك يمكن تفادي النكوص في العلاقات (مع أوروبا)، والذي يحدث كلما اندلعت حرب أو مواجهة في الشرق الأوسط. ونظرًا لأهمية المنطقة لأوروبا وأهمية أوروبا لإسرائيل، فإن المسؤولية إزاء هذا الوضع تقع على عاتق كلا الطرفين.

وبحسب رأيه فإن أحد الفوارق المركزية في نمط علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة من جهة، ومع الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، يكمن في أن العلاقات مع الولايات المتحدة غير مرهونة بحالة التقدم في عملية السلام في الشرق الأوسط. وهذا لا يشير في حد ذاته إلى غياب النقد من جانب الولايات المتحدة أو إلى عدم ارتياح إسرائيل إزاء سياسات أو أعمال ومواقف معينة للولايات المتحدة.

في واقع الأمر فإن التآكل الحالي لمكانة إسرائيل السياسية في أوروبا قد بدأ مباشرة عقب انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة (حملة „الرصاص المصبوب” وفقًا لتسميتها الإسرائيلية). وكانت ردة الفعل الأوروبية قد اقتصرت، في البداية، على الحملة ذاتها، لكنها سرعان ما تأثرت تدريجيا بتطورين مركزيين: الأول، المرتبط بالحملة، تمثل في ازدياد الشكوك والانتقادات في إسرائيل ذاتها، فيما تمثل التطور الثاني في معركة الانتخابات العامة التي جرت في إسرائيل (في شهر شباط الفائت) وما تمخض عنها من نتائج وقيام حكومة يمينية جديدة (برئاسة بنيامين نتنياهو).

فقد نشرت تقارير عن استخدام الجيش الإسرائيلي (في هجومه على غزة) أسلحة وقنابل هي موضع خلاف وجدل، واستخدام مفرط للقوة العسكرية، وتنكيل جنود إسرائيليين بمدنيين فلسطينيين أبرياء، بالإضافة إلى انتقادات متزايدة للحملة، داخل إسرائيل ذاتها. من جهة أخرى ومع اشتداد سخونة حملة الانتخابات في إسرائيل عبر قادة سياسيون إسرائيليون (شكلوا في نهاية المطاف الحكومة الجديدة في نهاية آذار 2009) عن مواقف رافضة لرؤية حل الدولتين للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني.

وقد ساهمت حقيقة تأكد صدقية بعض الاتهامات، المتعلقة بسلوك الجيش الإسرائيلي واستخدامه لأنواع مختلفة من الأسلحة والذخائر، بالإضافة إلى عدم استعداد إسرائيل التحقيق في تلك الإدعاءات، في زيادة وتصعيد لهجة الانتقادات الأوروبية، كما سمح في بعض الدول، وخاصة في انكلترا، بتقديم لوائح اتهام ضد عسكريين وسياسيين إسرائيليين، وما زال عدد من كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي يتحاشى زيارة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي خشية تقديمه إلى المحاكمة.

وفي الاجتماع الأول الذي عقده مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي للشؤون الاقتصادية والعلاقات الخارجية، في 26 كانون الثاني 2009، اتخذ قرار جاء فيه أن „الاتحاد الأوروبي (...) سيقوم بفحص انتهاكات (إسرائيلية) للقانون الإنساني الدولي”. وهذا الموقف يعكس على الأرجح عزم عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد على عدم معارضة إجراء محاكمات لضباط وجنود إسرائيليين بتهمة ارتكاب انتهاكات في أثناء الحرب على غزة.

غير أن الرسالة القوية لإسرائيل، والتي تعتبر مهمة حقا بالنسبة للاتحاد الأوروبي، هي فكرة حل الدولتين التي أكد عليها رئيس وزراء إسبانيا منذ انتهاء الحملة العسكرية على غزة في 18 كانون الثاني 2009، في أثناء زيارته الأولى إلى إسرائيل برفقة نظرائه الأوروبيين، حيث صرح قائلا إن „إسبانيا والاتحاد الأوروبي يساندان عملية سلام عادلة تضمن أمن دولة إسرائيل وتتيح قيام دولة فلسطينية”.

كذلك أصدر وزراء خارجية دول الاتحاد، في ختام اجتماعهم الذي عقد في الفترة نفسها، بيانا جاء فيه أن „الاتحاد الأوربي مقتنع أن نهاية الأزمة الحالية يجب أن تواكبها جهود حثيثة من جانب الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، والمجتمع الدولي، من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ديمقراطية وقابلة للحياة، في الضفة الغربية وقطاع غزة”. غير أن نتائج انتخابات 10 شباط في إسرائيل وإعلان تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة في 31 آذار 2009، لم يشكلا في نظر الاتحاد الأوروبي خطوات نحو تطبيق حل الدولتين.

على الرغم من ذلك كله لا يجوز أن نقلل من أهمية ومركزية الدوافع الإسرائيلية الداخلية، التي تقف وراء هذه الأزمة الدبلوماسية، والتي تحيل بدورها إلى مجمل أداء وزير الخارجية الإسرائيلية، أفيغدور ليبرمان، باعتباره „لولب” تأجيج هذه الحملة من أولها. ومرّة أخرى لا بُدّ من أن نستذكر مقولة وزير الخارجية الأميركية الأسبق، هنري كيسنجر، وفحواها أنه لا توجد لدى إسرائيل سياسة خارجية، بل سياسة داخلية فقط، في إشارة إلى أنّ الدبلوماسية الإسرائيلية عادة ما تتقرر وفق الصراعات الحزبية والسياسية الداخلية. وهي إشارة من دبلوماسي رفيع وخبير في هذا السياق إلى أهمية الجدل الداخلي الإسرائيلي وتأثيره الحاسم على مواقف القيادة السياسية.

التعليقات