31/10/2010 - 11:02

إسرائيل تقتحم سجن أريحا: الأمر لي!../ ماجد عزام*

إسرائيل تقتحم سجن أريحا: الأمر لي!../ ماجد عزام*
القرار الإسرائيلي باقتحام سجن أريحا المركزي بالقوة المسلحة وتخيير الأمين العام لـ"الجبهة الشعبية" احمد سعدات ورفاقه بين الاستسلام أو الموت، على رغم إشكاليته وتعقيده، لا يأتي خارج السياق العام للتصرفات والسياسات الإسرائيلية، ولا يبتعد كثيراً عن مجرى التطورات الأخيرة في المنطقة التي تشهد سياسات أميركية وإسرائيلية شبه متطابقة تطرح الاستسلام والحصار والعزلة، وحتى الموت، على كل المعارضين للسياسات والاستراتيجيات الأميركية والرافضين للخضوع لها، والمصرين على تبني خيارات اخرى غير تلك التي يطرحها المحور الأميركي – الإسرائيلي.

لجهة الشكل نحن امام تصرف اسرائيلي همجي يعتمد الإرهاب والقوة العسكرية الفظة لتحقيق اهداف وطموحات سياسية عامة أو شخصية.

وعلى رغم التغيرات الكبيرة التي تعصف بالمنطقة والعالم، نجد انفسنا مرة أخرى امام الإيديولوجية الصهيونية التي ابتدعها مؤسس اسرائيل دافيد بن غوريون بمقولته الشهيرة: «المهم ما يفعله اليهود وليس ما يقوله الأغيار». وهذا بالضبط ما نحن في صدده الآن: تصرف إسرائيلي همجي لا يهتم بأي ردود فعل أو تداعيات للعملية التي ستترك من دون شك آثاراً كبيرة، أقله على الصعيد الفلسطيني، وعلى الهدنة شبه المعلنة في الأراضي المحتلة. ونحن امام تصرف أمني عسكري ذو أبعاد سياسية بامتياز، وهو يكتسب أهمية مضاعفة في المرحلة الحساسة التي يمر بها الصراع العربي – الإسرائيلي على وقع التطورات السياسية الداخلية الإسرائيلية والفلسطينية.

إسرائيلياً نحن على أعتاب انتخابات عامة مبكرة ستجرى نهاية آذار (مارس) الجاري، وغالباً ما يلجأ الحزب الحاكم الى استعراضات عسكرية وأمنية وحتى سياسية بكل ما تحمله الكلمة من معنى لإثبات جدارته بتولي الحكم والتصدي بحزم لـ"الأغيار"، وهم في هذه الحال الفلسطينيون والعرب والمسلمون المتعاطفون معهم والداعمون لهم. كما نجد أنفسنا مرة أخرى امام هستيريا اجتاحت إسرائيل بعد انتصار «حماس» في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة، ونحن مرة أخرى امام منطق إسرائيلي أعوج يجيز ارتكاب أي فعل بحجة ان ذلك يأتي في سياق محاصرة «حماس» ومعاقبة الشعب الفلسطيني على التصويت لها.

ونحن مرة اخرى امام غطرسة أدت برئيس الوزراء بالوكالة ايهود أولمرت الى التباهي بالمجزرة الأخيرة التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي في غزة وراح ضحيتها قائد «سرايا القدس» خالد الدحدوح وثلاثة أطفال تصادف وجودهم في المكان، من دون أن يرفع أحد صوته احتجاجاً على المجزرة كما على مجمل التصرفات الإسرائيلية الأخيرة، ما يعني في رأي أولمرت تفهماً دولياً غير مسبوق للسياسة الإسرائيلية وضوءاً أخضر دائم لإسرائيل للتصرف بصرف النظر عن القانون الدولي والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

سلط اقتحام سجن اريحا الضوء مرة اخرى على حجم الانحياز الدولي لإسرائيل والعجز عن تبني موقف متوازن ازاء التطورات في فلسطين المحتلة، في ضوء الاشتباه بتواطؤ أو تسهيل أميركي - بريطاني لجيش الاحتلال ومحاولة فرض الاستسلام، ليس فقط على المحاصرين في سجن أريحا وإنما ايضاً على السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني.

فلسطينياً تثير عملية الاقتحام علامات استفهام، وتطرح على الساحة السياسية الفلسطينية مزيداً من التحديات والاستحقاقات التي ستضطر الى مواجهتها والإجابة عنها في المرحلة المقبلة.

فالفلسطينيون يجدون أنفسهم مرة أخرى امام عجز السلطة وضعف هيبتها. ومع الإقرار بالمحاولات الإسرائيلية المستمرة لإهانة السلطة وإذلالها، إلا ان الأخيرة غير معفية من مسؤولية ما آل إليه وضعها.

فمن المسؤول غير السلطة عن وصول قضية سعدات الى ما وصلت إليه؟ ولماذا لم تحسم في الظروف الملائمة فلسطينياً؟ ولماذا لم ينفذ قرار محكمة العدل العليا الفلسطينية الخاص بالإفراج عن سعدات ورفاقه؟ والأهم من ذلك مَن المسؤول عن «صفقة أريحا» المهينة، ومن سعى للإيقاع بسعدات ورفاقه ونقلهم الى سجن أريحا، ومن المسؤول عن طرح مصير هؤلاء على صفحات الصحف والمنابر الإعلامية المختلفة بصرف النظر عن الحساسية السياسية والأمنية لهذه القضية.

كما يجد الفلسطينيون أنفسهم امام رسالة إسرائيلية لا لبس فيها للحكومة التي ستشكلها «حماس»، ومفادها أن «انا السيد هنا والأمر لي»، بصرف النظر عن الخيار الديموقراطي وعن المزاج الشعبي الفلسطيني وعما يجري في الساحة الفلسطينية من مخاضات ومتغيرات ذات علاقة مباشرة بالتصرفات الإسرائيلية الرعناء.

اسرائيل تقول ان شيئاً لن يتغير وأن انتخاب «حماس» لن يؤدي الى تحسين اوضاع الفلسطينيين، بل الى مزيد من الجرائم المدعومة دولياً ضد الشعب الفلسطيني وقياداته وخياراته وآماله الوطنية.

وجه اقتحام سجن أريحا ضربة قاصمة لكل الحوارات والمساعي والمفاوضات الجارية لتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة، ليذكر بأن الاحتلال ما زال مستمراً بمفاعيله من الاغتيالات الى بناء الجدار، الأمر الذي يحتاج الى مراجعة فلسطينية جدية وحوار معمق لا يتعلق بالحكومة، وإنما بالخيار الوطني الذي يجب اتباعه في مواجهة السياسة الإسرائيلية الأحادية.

جريمة اقتحام سجن اريحا على دمويتها تُظهر مرة اخرى مدى الحاجة الى إعادة بناء منظمة التحرير كمرجعية عليا وقائد للمشروع الوطني الفلسطيني، اذ لا يمكن ان تنتصر ثورة في العالم من دون عقل أو جسم قيادي، ومن دون اتفاق على الحد الأدنى من الاستراتيجيات وبرامج العمل.

ومع التقدير للمواقف الشجاعة التي تبناها سعدات ورفاقه مع ثلة من عناصر الشرطة الفلسطينية الذين واجهوا مصيرهم بشجاعة، إلا ان مشهد عشرات من أفراد الشرطة المستسلمين يطرح علامات استفهام حول الاستراتيجية او السياسة التي تعتمدها الشرطة الفلسطينية وأجهزتها. والمشكلة ليست عند هؤلاء الشبان، وإنما عند قادتهم الذين استسلموا لشروط إسرائيل وعجزوا عن طرح استراتيجية موحدة، لتتحول أجهزة الأمن إطاراً لتوظيف العاطلين من العمل لا للدفاع عن الشعب الفلسطيني.

يطرح اقتحام سجن اريحا اسئلة جدية حول مصير الهدنة غير المعلنة السائدة الآن في الأراضي الفلسطينية المحتلة. اذ من المرجح اننا سنشهد عمليات ثأر فلسطينية، وشيئاً فشيئاً ستنهار الهدنة وقد تنهار امامها السلطة الفلسطينية. وعلى رغم ان هذا الخيار غير مطروح اسرائيلياً أو حتى دولياً إلا انه مطروح فلسطينياً في ظل التساؤل عن جدوى القيام بمسؤوليات الاحتلال وإعفائه من تحمل اعباء الاحتلال المباشر وغير المباشر. وعلى «حماس» ان تناقش هذا الأمر بشفافية وتوازن بين السلبيات والإيجابيات على ان يظل المعيار هو المصلحة الفلسطينية العليا بغض النظر عن المصالح الفئوية والضيقة.

وأخيراً، لا اغفال التطرق الى المشاهد المؤسفة التي حدثت في قطاع غزة والتي تؤكد غياب العقل القيادي الفلسطيني وتضارب الأولويات وتعدد القراءات السياسية والأمنية. ومع الاشتباه في امكان حدوث تواطؤ أميركي – بريطاني في عملية الاقتحام، إلا ان المركز الثقافي البريطاني لا يتحمل مسؤولية السياسات الخاطئة للحكومة البريطانية، وعلى هؤلاء الشباب الذين اعتلوا سطح المركز الثقافي توجيه غضبهم نحو المسؤولين الحقيقيين عن جريمة اريحا، فالسلاح مقدس ولا يجب ان يوجه سوى إلى الأعداء الحقيقيين.


* كاتب فلسطيني، مدير «مركز شرق المتوسط للصحافة والإعلام» في بيروت.

التعليقات