31/10/2010 - 11:02

الأمّة العربية والانتقال إلى العمل../ زهير أندراوس

الأمّة العربية والانتقال إلى العمل../ زهير أندراوس
لا يختلف عاقلان بأنّ الحركة الصهيونية منذ تأسيسها وحتى اليوم تعمل بطرق وأساليب للإجهاز على ما تبقى من الأرض العربية في فلسطين التاريخية، لكي تثبت لنفسها المقولة الكاذبة التي سوقتها في العالم بأنّ فلسطين هي أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض، ناهيك عن أنّ هذه الحركة الكولونيالية الاستعمارية تمكنت من إقناع ما يُسمى بالغرب المتنور، أي أوروبا وأمريكا، بصدق مزاعمها المسمومة.

ولكنّ الأدهى من هذا وذاك، أنّ هذه الحركة، ممثلة بحكومة الدولة العبرية اليمينية والمتطرفة، ومعززة بالعديد من الأثرياء اليهود من جميع أصقاع العالم، صعدّت في الآونة الأخيرة من حملاتها الاستيطانية، وباتت تُخرج مخططاتها المبيتة بشكل علني، ولا يردعها رادع. ووصلت الوقاحة الإسرائيلية إلى حدٍ لا يطاق، الأمر الذي دفع حليفتها الإستراتيجية، الولايات المتحدة الأمريكية، أن تُعرب على لسان وزير خارجيتها، هيلاري كلينتون، عن أسفها لقيام سلطات الاحتلال في أوائل الشهر الجاري، بطرد عائلتين فلسطينيتين من بيتيهما في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، ووطّنت مكانيهما عائلات من غلاة المستوطنين، لفرض الحقائق على أرض الواقع، ولعزل القدس الشرقية المحتلة عن محيطها الفلسطيني.

ولا ضير في هذه العجّالة التذكير بأنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ردّ على الطلب الأمريكي بوقف الاستيطان على كافة أشكاله، بما في ذلك، القدس الشرقية، بالقول الفصل إنّ القدس الموحدة بجزأيها، الغربي والشرقي، هي العاصمة الأبدية للدولة العبرية، وأنّ هذا الأمر غير قابل للنقاش، على حد تعبيره.

مضافاً إلى ذلك، فإنّ الحركة الصهيونية لا تخفي أطماعها في مواصلة السيطرة على الأراضي العربية المحتلة منذ عدوان حزيران (يونيو) من العام 1967، مثل هضبة الجولان العربية السورية المحتلة، فنتنياهو يقترح على الفلسطينيين ما يُسمى بالسلام الاقتصادي، فيما تواصل حكومته دعم الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية والقدس المحتلة. ويعرض على سورية معادلة السلام مقابل السلام. أي أنّ إسرائيل ستمنح السلام لسورية مقابل الهضبة المحتلة.

ولا يُخفى على أحد أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرئيل شارون، درس في العام 2003 احتلال الأردن لتنفيذ المخطط الصهيوني القديم والمسمى بالوطن البديل، والعاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، طلب من الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش، أن يعمل على منع شارون من استغلال العدوان الأنجلو- أمريكي على العراق لطرد فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة بالقوة إلى الأردن.

ومن الوطن البديل ننتقل إلى الوطن الأصلي: في هذا السياق لا بدّ من الإشارة إلى أقوال د. يوسف رفيق جبارين، مخطط المدن والمحاضر في معهد الهندسة التطبيقية في حيفا (التخنيون)، الذي أكد وجود مخطط إسرائيلي كبير وغير معلن للسيطرة الصهيونية على الأراضي الفلسطينية في فلسطين التاريخية، بهدف تغيير الميزان الديمغرافي لصالح اليهود.

وبحسبه فإنّه بعد تنفيذ خطة فك الارتباط أحادي الجانب من قبل الدولة العبرية في قطاع غزة، بدأت الدولة العبرية بتنفيذ هذا المخطط المركب، من عدة عناصر: بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، شعر اليمين الإسرائيلي بأنّه يجب التعويض عن الأراضي التي خسرها في قطاع غزة، وبالتالي باشر بعملية استيطان واسعة النطاق. واللافت في الأمر، أنّ اليمين، المدعوم من الحكومة، بدأ يتغلغل داخل ما يُسمى بالخط الأخضر، والمثال الأبرز على ذلك، هو إقامة مدينة في قلب وادي عارة، والمعدّة لحوالي 150 ألف مستوطن من اليهود المتزمتين (الحريديم) وإقامة مدينة جديدة بالقرب من قرية عين ماهل، هو مؤشر آخر على استفحال الاستيطان داخل الخط الأخضر، بالإضافة إلى مدينة كسيف في النقب.

بكلمات أخرى، إسرائيل تخطط لإقامة ثلاث مدن يهودية داخل الخط الأخضر على أراضي العرب، مع العلم بأنّها منذ قيامها لم تقم لا قرية ولا بلدة ولا مدينة عربية واحدة. مضافاً إلى ذلك، الملاحظ أنّ الحكومة الإسرائيلية بدأت تستعمل اليهود المتزمتين، لعدة أسباب أهمها أنّهم لا يهمهم السكن جنباً إلى جنب بالقرب من العرب في الداخل الفلسطيني. أما السبب الثاني، فهو أنّ نسبة التكاثر الطبيعي لديهم تفوق نسبة التكاثر الطبيعي لدى العرب، وبالتالي فإنّهم سيشكلون ما يمكن تسميته بميزان الردع مقابل النمو الطبيعي للعرب في الجليل والمثلث والنقب.
ولا غضاضة هنا بالتذكير بتصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، شارون، بعد تنفيذ خطة فك الارتباط، والذي قال فيه إنّ أرض إسرائيل ليست في قطاع غزة، إنّما في الجليل والمثلث والنقب، في عكا وحيفا والناصرة، على اليهود أن يقوموا بالاستيطان. بالإضافة إلى ذلك، نُذّكر أنّ شارون وحكومته شّجعا المتدينين الصهاينة، الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي على إقامة المدارس الدينية المعروفة باسمها العبري (يشيفوت ههيسدير) في المدن المختلطة مثل عكا وحيفا ويافا واللد والرملة، خصوصاً وأنّ أعضاء هذه الحركات يخدمون في الجيش الإسرائيلي، وهم من أكثر غلاة المتطرفين في الدولة العبرية، وهؤلاء هم الذين كانوا مسؤولين عن الاعتداء السافر الذي تعرض له العرب في عكا السنة الماضية، وهؤلاء لن يتورعوا في المستقبل المنظور من تأجيج الصراع القائم أصلاً بين العرب واليهود في المدن المختلطة.

وفي الأسبوع الماضي فقط صادق الكنيست على مشروع قانون نتنياهو بالنسبة لما تُسمى دائرة أراضي إسرائيل، وهو عملياً بيع ما تبقى من أملاك اللاجئين الفلسطينيين، لفرض الحقائق على الأرض ومنع أيّ حل قد يطالب به الطرف الفلسطيني لتحقيق حق عودة اللاجئين الذين هًجّروا من وطنهم في نكبة العام 1948، ولأولئك الذين يُعوّلون على الشرعية الدولية نقول إنّ القرار 194 الصادر عن مجلس الأمن الدولي ينص على حق العودة، وأنّ الدولة العبرية قًبلت عضو في المعية العمومية للأمم المتحدة شريطة قبولها وتنفيذها القرارين 181 (تقسيم فلسطين) والقرار 194، ولكنّ هذه الدولة المارقة بامتياز لم تنفذ حتى اليوم أكثر من ستين قراراً صادراً عن الأمم المتحدة، على الرغم من أنّها الدولة الوحيدة في العالم التي أقيمت بقرار من قبل نفس المؤسسة.

وعود على بدء: القضية الأهم في المخطط الإسرائيلي غير المعلن عنه والذي يتم في هذه الأيام تنفيذه هو السيطرة اليهودية الصهيونية الإسرائيلية على مدينة القدس الشرقية المحتلة، والحكومة تعمل بشكل حثيث للسيطرة على ما يُسمى بـ"الحوض المقدس"، إذ أنّ ما يحدث هناك هو عملية تطهير عرقي ضد المقدسيين الفلسطينيين.

والأمر المؤسف والمخجل، لا بل المريب، أنّ الحكومة الفلسطينية، برئاسة د. سلام فيّاض، وافقت على استقالة الوزير حاتم عبد القادر، الذي كان مسؤولاً عن القدس والدفاع عن عروبتها ومقدساتها، وما زال هذا المنصب شاغراً ونحن في أوج الهجمة الصهيونية على القدس، عاصمة عروبتنا، كما قال الشاعر مظفر النواب.

وبالمقابل، تعتمد سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية والتي سبقتها على إلهاء العالم بقضية البؤر الاستيطانية العشوائية، لصرف أنظار العالم عمّا تقوم به من عمليات لإحكام السيطرة على الأرض في فلسطين التاريخية، وبالتالي يمكن الإيجاز والقول: العرب في إسرائيل يعيشون في غيتوات، والعرب في الضفة الغربية المحتلة يعيشون في مخيمات اللاجئين وفي باستونات، وينتظرون الإدارة الأمريكية لكي تقيم الدولة الفلسطينية العتيدة.

مشكلة فلسطين هي ليست مشكلة الشعب الفلسطيني، إنّها مشكلة العرب من محيطهم إلى خليجهم، ولكن ما يثير الإحباط هو أنّ الأمّة العربية قادةً وشعوباً ما زالت في مرحلة التلقي، بمعنى آخر، على الرغم من العربدة الإسرائيلية الصهيونية فإنّ الدول العربية برمتها ما زالت في مرحلة رد الفعل ولم تنتقل إلى مرحلة الفعل. وهنا تكمن المشكلة الرئيسية.

اليوم بعد مرور حوالي 61 على النكبة الفلسطينية، نرى من الواجب أن نسأل أنفسنا، قادةً وجماهير: هل فعلنا بما فيه الكفاية لدرء هذا الخطر المحدق بنا؟ هل ارتقينا إلى مستوى الحدث؟ أم أننّا ما زلنا نُطلق الشعارات الرنانّة والحكومة المتطرفة بقيادة نتنياهو- باراك- ليبرمان، تواصل السير على درب الخطوط العريضة وغير العريضة التي وضعتها الحركة الصهيونية؟ هل الإستراتجية والتكتيك في الدول العربية حققت شيئاً، أم أننّا ما زلنا في مكانك سر، أو خلفاً در؟ هل آن الأوان لتغيير الإستراتيجية والتكتيك من أجل الحفاظ على بقائنا وحل المشكلة العربية- الفلسطينية؟

قطار الصهيونية يسير مندفعاً بسرعة فائقة دون كوابح، ويدوس على الأخضر واليابس، ونحن ما زلنا متلكئين، وبالتالي نسأل وبأعلى الصوت: هل الأدوات النضالية الحالية باتت غير مجدية ويجب العمل بعلمية ومنطقية على إيجاد الآليات العصرية لمواجهة التحديات الجسام التي تفرضها على الأمّة العربية الحكومة الإسرائيلية العنصرية؟ نسأل ونجيب: حتى اليوم، ما زلنا الطرف الخاسر من النكبة، مروراً بالنكسة، وانتهاءً باحتلال العراق، والوقت لا يعمل في صالحنا، ولكي لا نفقد ما تبقى من فلسطين ولكي لا نندم حين لا ينفع الندم، علينا أخذ زمام المبادرة والبدء فوراً بالعمل، فالسؤال هو ليس ماذا نعمل، إنّما متى سنعمل على منع الصهيونية وزبانيتها العرب والعجم من مواصلة مخططها التوسعي والعدواني في فلسطين وفي العالم العربي.

التعليقات