31/10/2010 - 11:02

الدور التركي والاستراتيجية الأمريكية الجديدة/ خالد خليل

-

 الدور التركي والاستراتيجية الأمريكية الجديدة/ خالد خليل

لم يزر اوباما تركيا توجسًا من فقدانها كحليف استراتيجي في منطقة الشرق الاوسط، فهو يعرف تمامًا ان المواقف التركية الأخيرة ضد العدوان الاسرائيلي على غزة، لا تتجاوز سقف حلف الناتو الذي تتمتع تركيا فيه بعضوية ناشطة منذ عام 1952

وموقف اردوغان في مؤتمر دافوس الذي نال اعجاب وتأييد الجمهور العربي والاسلامي، لم يكن كفيلاً كما يبدو بخلق ازمة عميقة في العلاقات الاستراتيجية بين اسرائيل وتركيا، ولا حتى على مستوى الأجندة اليومية الاعتيادية لهذه العلاقات، حيث بعد تصريحات دافوس النارية جرت زيارة عبد الله غل لتل أبيب وفق ما خطط لها دون تغيير.

ورغم التعاطف التركي الكبير مع القضية الفلسطينية على مستوى الشارع، الا انه لم تثر أية أزمة دبلوماسية مع إسرائيل، كاستدعاء السفير مثلاً أو وقف مشاريع مشتركة اقتصادية أو أي شيء من هذا القبيل ، وأكثر من ذلك فالمناورات العسكرية المشتركة بين اسرائيل وتركيا ما زالت قائمة دون أية اشارات من تركيا لإلغائها أو تأجيلها على أقل تعديل، مما يبرز تناقضًا ظاهرًا بين الموقف التركي المعلن والمكتوم.

ولا يعني ذلك عدم صدق الموقف التركي ضد العدوان على غزة، فهو موقف حقيقي ينطلق من رؤية تركيا للصراع في الشرق الأوسط التي تستند الى نظرية تثبيت الاستقرار والسلام في المنطقة بما يخدم مصالحها الإقليمية والدولية كلاعب رئيسي في المنطقة.

ولا شك ان وجود حزب العدالة والتنمية على سدة الحكم عزز هذه الرؤية، مضيفًا اليها طابعه الإسلامي الحداثي الذي لا يتناقض وفقًا لمشروعه المعلن مع موقف الدولة التركية واستراتيجيتها الكبرى على مستوى الاندماج في اوروبا وتطوير دورها الاقليمي في حلف شمال الأطلسي، بما ينسجم واستراتيجيات هذا الأخير فيما يسمى „حماية أمن الخليج” . هذا ما تؤكده مذكرة التفاهم الاستراتيجي التي تمّ توقيعها بين تركيا ومجلس التعاون الخليجي في أيلول الماضي والمستندة إلى مبادرة اسطنبول التي اطلقها حلف الناتو عام 2004وانضمت اليها معظم الدول الخليجية. إنّ الدور التركي المتصاعد في الخليج والذي تجسد بتطورات دراماتيكية على مستوى التبادلات التجارية والعسكرية والمياه والطاقة وخلاف ذلك، (تفيد المعطيات الرسمية التركية بأن حجم التبادل التجاري مع الخليج تضاعف اربع مرات خلال الخمس سنوات الماضية)، يعد من تطبيقات المبادرة المذكورة لحلف الناتو والتي ارتسم فيها الدور التركي ليس فقط كحلقة وصل بين الشرق والغرب، كما تسوق تركيا نفسها في الناتو، وانما ايضًا كمشروع ندي للمشروع الإيراني الذي يشكّل خطرًا وتهديدًا للاستقرار الأمني الخليجي والشرق أوسطي وفقًا للرؤية الأطلسية والأمريكية.

وباعتقادي ان فهم استراتيجية اوباما الجديدة في الشرق الأوسط مرتبط الى حد بعيد بفهم الوظيفة الجيوبوليتيكية المتجددة للدولة التركية، أو بكلمات أخرى ان الدور التركي يعتبر بمثابة المدخل لفهم الاستراتيجية الأمريكية الجديدة.

فتركيا التي لعبت دورًا محوريًا في الاستراتيجية الأطلسية لحماية المصالح الغربية من التمدد السوفياتي في آسيا، خاصة في مرحلة الحرب الباردة، باتت اليوم تعمل جاهدة لتثبيت مواقعها وتأثيرها في الخليج والمنطقة العربية عمومًا.

ان فوز الإسلاميين في السلطة ساهم بشكلٍ كبير في تعزيز هذا الدور، خاصة أن حزب العدالة والتنمية يضع في صلب برنامجه تطوير العلاقة مع المحيط الاسلامي شعوبًا وأحزابا وحكومات، ضمن استراتيجية تركية جديدة تجمع بين الانتماء لأوروبا والشرق في آنٍ معًا.

وتستخدم هذا الانتماء للشرق وللحضارة الإسلامية في الضغط على اوروبا من أجل قبولها عضوًا في الاتحاد الأوروبي.

لقد نجحت تركيا بامتياز بتعزيز دورها الاسلامي من خلال علاقاتها المتميزة مع الحركات الإسلامية في المنطقة، وخاصة حركة الاخوان المسلمين ومشتقاتها التي تربطها وشائج وجدانية وتاريخية مع تركيا „المسلمة” ، تمتد جذورها الى „دولة الخلافة العثمانية”، التي لا تخفي الحركات الاسلامية مسألة اعتبارها نموذجًا للحل الإسلامي.

الا ان المشروع الاسلامي التركي له سمات مختلفة عن الطروحات الاسلامية الكلاسيكية، التي تنطلق عادة من معاداة الاستعمار والامبريالية، وتأتي في صلبه قضية حوار الحضارات والأديان والصداقة مع الغرب، وكما يبدو يهدف الى فرض نموذج جديد من الإسلام السياسي تتبوأ تركيا مركز الصدارة فيه.

ان اختيار اوباما لتركيا في أول زيارة له للمنطقة لم يكن وليد الصدفة اذن، وانما يأتي في اطار التعزيز للدور التركي وترسيخه كحلقة وصل بين الشرق والغرب أو بين الاسلام والغرب، في محاولة لإصلاح ما هدمته سياسة جورج بوش في العلاقة بين امريكا والشعوب الاسلامية من جهة، ولتأكيد الموقع الندي لتركيا أمام الجمهورية الإسلامية الإيرانية من الجهة الأخرى.

وإذا كان اوباما يستند في استراتيجيته الخارجية إلى توصيات بيكر - هاملتون التي رفضها جورج بوش، فمن الواضح ان التحركات الأمريكية في المنطقة تنسجم مع التوصيات التي تغلب لغة الحوار على لغة القوة في حل النزاعات الإقليمية، دون تغييرات جوهرية في الأهداف الأمريكية ودون استبعاد لإمكانية استخدام القوة مجددًا إذًا استدعت الضرورة ذلك. ويؤكد معظم المراقبين ان الهدف الرئيسي الحالي للسياسة الأمريكية هو اعادة صياغة الأدوار الاقليمية في المنطقة، ولكن هناك اعتقادا سائدا بأنّ هذه المهمة تكاد تكون مستحيلة دون بروز تناقضات حادة مع الأهداف والرؤية الامريكية الاستراتيجية في الشرق الأوسط.

يبدو ان ثقل الأزمة الاقتصادية على أمريكا هو الذي سيتحكم بالسياسات الخارجية لها وسيفرض تنازلات أمريكية في ملفات كثيرة ومنها الملف الإيراني، وقد لوحظ مـؤخرًا تراجع الإدارة الأمريكية إزاء سعي ايران لامتلاك أسلحة نووية، حسبما جاء في تصريحات وزيرة الخارجية الأخيرة هيلاري كلينتون ونفيها لوجود اسلحة نووية في ايران.

ونعتقد أن اوباما يعوّل كثيرًا على الاستعانة بحلفاء أمريكا في المنطقة لإشراكهم في إدارة الأزمات الاقليمية ويرى في تركيا الشريك المثالي لمعالجة ذلك، خاصة وأن اسرائيل لا تصلح لإدارة الأزمات سلميا، على اعتبار ان ذلك يتناقض مع رؤيتها الاستراتيجية في تغليب لغة القوة على لغة الحوار.

أما بالنسبة للدول العربية - التابعة لأمريكا، فإنّ اوباما في حل من تضييع وقته وبذل جهوده لتجنيدها في هذه الاستراتيجية الجديدة، فهم خارج اللعبة وخارج دائرة التأثير ويقبعون في دائرة المتلقي الدائم للأوامر والتعليمات الأمريكية.




التعليقات