31/10/2010 - 11:02

السياسة والاضطرابات وبراءة الذمة ومعبر رفح وفصل غزة../ هاني المصري

السياسة والاضطرابات وبراءة الذمة ومعبر رفح وفصل غزة../ هاني المصري
رغم الانجازات الكبيرة التي حققتها الحكومة في مجالات عديدة، اهمها: كسر العزلة الدولية والمقاطعة المالية والأمن الداخلي، الاّ انها ارتكبت أخطاء ملموسة لا يستهان بها، بعضها يصل إلى حد الغرابة الكاملة والعجز عن التفسير مثل براءة الذمة وقمع التظاهرات، حتى التي تستنكر الحصار والمجازر في غزة، ومعارضة الاضرابات الى حد تهديد وزير الاعلام باحالة بعض قادة نقابة الموظفين إلى القضاء، وكيفية تعاملها مع الحصار المفروض على غزة وتداعياته.

سأحاول في هذا المقال تسليط الضوء على مفارقات وتبادل أدوار نشهدهما بصورة صارخة في ظل الاوضاع الشاذة التي نعيشها في ظل الانقسام. لقد شاهدنا نفس الشخص واحياناً نفس الفصيل أو الجهة، يدينون مثلاً الاضرابات الحالية رغم انها محدودة، بحجة انها مسيسة، في الوقت الذي كانوا فيه مع الاستخدام الواسع لسلاح الاضراب، ومع تسييس الاضراب بالكامل أثناء فترة حكومة الوحدة الوطنية وحكومة حماس.
لقد اكتوت الحكومة الحالية ببعض النار التي اكتوت منها حتى الثمالة الحكومات التي سبقتها، وذلك لاسباب نقابية صرفة، ولاسباب سياسية تتعلق بالضغط على الحكومة من أجل تعديلها تعديلاً محدوداً أو واسعاً.

وهذا الأمر يطرح مجدداً ضرورة مناقشة سلاح الاضراب الذي هو حق أساسي مصان بالدستور والقانون، وكيفية استخدامه في اطار تحقيق الاهداف المشروعة، بعيداً عن السياسة التي تفرض القيام بنضالات خاصة، بما في ذلك الاضرابات اذا وجدت المعارضة ضرورة لذلك.

ما سبق يذكرني بالذين كانوا يعارضون أي انتقاد يوجه للتنسيق مع اسرائيل لتنفيذ خطة شارون لفك الارتباط عن غزة، لانها خطوة إلى الوراء من اسرائيل في غزة من أجل عشر خطوات إلى الأمام في الضفة، وكانت حجتهم وجيهة، وهي: هل ترفضون الانسحاب الاسرائيلي من غزة؟ هل تعتقدون ان وحدة الاراضي الفلسطينية المحتلة تبقى من خلال بقائها محتلة معاً، وربط الانسحاب من اية بقعة منها بالانسحاب من كامل الاراضي المحتلة، مرددين شعار م.ت.ف القديم حول اقامة السلطة الوطنية على أي شبر يتم تحريره.

الآن اصحاب هذا الموقف السابق يرفضون عملياً كسر الحصار عن غزة من خلال العبور العظيم لجماهير شعبنا للحدود للحصول على الطعام والادوية والطاقة وبقية احتياجاتهم، ويصرخون ضد اية فكرة لتغيير او تعديل او تطوير اتفاقية المعابر الظالمة، او لفصل غزة عن اسرائيل خشية من استفادة سلطة الأمر الواقع، وكان كسر الحصار الاسرائيلي لغزة واضعاف تأثير اسرائيل على غزة، وليس من ضمن الاولويات الوطنية، يؤدي الى انفصال نهائي لغزة عن الضفة. وينسى هؤلاء ان اسرائيل من خلال سياسة تقطيع الاوصال وفصل غزة والقدس عن بعضهما وعن الضفة تهدف إلى جعل الانقسام أبدياً اذا لم يتحقق الخيار الأول المفضل اسرائيلياً وهو قيام "دولة فلسطينية" لا تملك من مقومات الدول سوى الاسم، وتقوم على اجزاء من الضفة وغزة، وتكون غطاء لاستمرار الاحتلال باشكال أخرى. ان الانقسام الفلسطيني الحالي هو الذي يحول دون توظيف ما جرى على الحدود المصرية الفلسطينية خطوة في الاتجاه الصحيح، لا أقصد في كلامي السابق انني اعتبر فصل غزة اقتصادياً بالكامل عن اسرائيل امراً واقعاً في هذه اللحظة، لا طبعاً هو قفزة في الهواء، ولكن علينا ان نستغل ما حدث والوقائع الاخيرة لتحقيق اقصى فصل ممكن لغزة عن اسرائيل (وليس عن الضفة) الاّ اذا أصر البعض على عدم رؤية الفرق بين الانفصال عن اسرائيل والتحرر من الاحتلال، الذي يجب ان نسعى ونخطط له عن أي جزء من الاراضي المحتلة يمكن تحريره، وبين الانفصال عن غزة الذي يجب ان نحاربه.

وانا اعتقد ان اسرائيل لو ارادت الفصل الكامل عن غزة، لما ترددت لحظة واحدة. ان الفصل الكامل يحرم اسرائيل من التأثير على غزة وما يجري فيها، خصوصاً في مرحلة لا تزال اسرائيل تتعرض فيها لعمليات واطلاق قذائف وصواريخ ما بين الفترة والأخرى، وحسب احتياجات سلطة الأمر الواقع في غزة، وعندما تتعهد سلطة الأمر الواقع في غزة بعدم اطلاق اي صاروخ على اسرائيل عندها لكل حادث حديث.

واذا انتقلنا الى مسألة براءة الذمة، التي تصر الحكومة على التمسك بها رغم المعارضة الواسعة لها نجد ان المشكلة لا تكمن في ضرورة العمل لتحصيل المستحقات لشركة الكهرباء وسلطة المياه وكافة المستحقات الأخرى، بل ان السلطة قصرت بالسابق وارتكبت خطايا عندما تساهلت مع قطاعات ومناطق كاملة في عدم تسديد ما عليها لدرجة تغطية العجز في بعض المناطق بقرارات صدرت على أعلى مستوى.

"الكل متهم حتى تثبت براءته"

الخلل يكمن في ان براءة الذمة المطلوبة من الجميع، موظفين وغير موظفين تتعامل مع الشعب كله كمتهم حتى تثبت براءته، في حين ان القاعدة المعمول بها في كل القوانين في الدنيا، هي ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته.

لماذا يطلب من المسدد لالتزاماته ان يحصل على براءة الذمة؟ هذا من جهة، ومن جهة أخرى لماذا تحولت الحكومة إلى جابٍ للأموال بدلاً من ان تقوم بواجبها بمساعدة شركة الكهرباء وسلطة المياه، خصوصاً بعد النجاحات في مجال الأمن الداخلي، بالحصول على الديون عن طريق توفير الحماية والأمن للموظفين الذين سيمارسون عملهم بقطع الماء والكهرباء عن القادرين على الدفع خصوصاً أصحاب المصانع والشركات الكبيرة، ولا يدفعون ما عليهم لا مرة واحدة ولا بالتسقيط. لماذا يتم قطع الكهرباء عن عدم المسددين في مناطق خصوصاً (المدن) ولا يتم قطعها عن المتخلفين في معظم المناطق الأخرى؟ لماذا التمييز في المعاملة؟ ونقطة اخيرة حول براءة الذمة، قبل ان اطرح سؤالاً انتظر الاجابة عليه، كيف ترتكب الحكومة مثل هذا الخطأ قبل ان تسدد مستحقات الموظفين؟ أما السؤال، فهو: هل صحيح ان الحكومة اشترت أو بصدد شراء الديون بسعر أقل بكثير؟

وعلى اهمية الابتعاد قدر الامكان عن اللجوء إلى الاضراب الاّ عند الضرورة القصوى، الاّ ان هذا يصبح واقعياً أكثر عندما تعيد الحكومة النظر بقرارها حول براءة الذمة، وتسديد كامل المستحقات المالية للموظفين، ودفع غلاء المعيشة وربط الاجور بالاسعار، وتعديل المواصلات ودفع رواتب موظفي العقود، والنظر بسرعة بتظلمات الموظفين حول درجاتهم وترقياتهم والذين فصلوا من عملهم بعشرات الآلاف.

استخدام سلاح الاضراب في أدنى حد ممكن مطلوب ولكنه يصبح واقعياً اكثر عندما تهتم الحكومة اكثر مما فعلت حتى الآن بازالة الأعباء الاقتصادية الشديدة التي تستنزف طاقات المواطن والفئات المسحوقة، ما يستدعي دعم الاسعار للسلع الاساسية أمام موجة الغلاء غير المسبوقة ودعم المزارعين الذين تضرروا من موجة الصقيع، ودعم المناطق والافراد والقطاعات المهمشة والمتضررة مباشرة من العدوان الاسرائيلي بكل اشكاله العسكرية والاقتصادية والاستيطانية.

وعندما يشعر المواطن ان الحكومة بذلت وتحاول ان تبذل أقصى ما في وسعها لتحقيق هذه المسائل، مع اعطاء الاولوية للفئات الفقيرة والمسحوقة، وانها تهتم بالتشاور معه ومع القطاعات المتأثرة عند اقرار خططها واصدار قراراتها، خصوصاً انها حكومة لم تحصل على الثقة من المجلس التشريعي، لذا هي بحاجة إلى مشاورات مضاعفة حتى تقوم بعملها بأحسن شكل!! وهي لا تتشاور حتى بنفس مستوى ما كانت تفعل الحكومات السابقة التي حصلت على الثقة من المجلس التشريعي، المؤسسة المخولة بمراقبة ومحاسبة الحكومة!!
"الأيام"

التعليقات