31/10/2010 - 11:02

العراقيب ليست خارج السياق../ عوض عبد الفتاح

العراقيب ليست خارج السياق../ عوض عبد الفتاح
ليست قرية العراقيب الفلسطينية، وبالتحديد جريمة هدمها ثلاث مرات في غضون أسبوعين، سوى جزئية صغيرة في الرؤية والممارسة الصهيونية الكولونيالية لبلادنا.

تقع القرية شمال مدينة بئر السبع، ويسكنها أهلها قبل الغزوة الصهيونية وإقامة إسرائيل بمئات السنين، ولم يغادروها سوى مرة واحدة إلى مدينة رهط في السبعينيات بعد إعلانها منطقة عسكرية، وهذا ينطبق على من تبقى من سكان النقب بعد النكبة.

يضيع الخطاب لدى البعض، ويأخذ مناحي تمييزية بسيطة وساذجة، ويكرر هذا البعض مفردات متأثرة بخطاب الدولة العبرية المغلـّف بحاجتها إلى فرض القانون والنظام على من "يسطو على أرض الدولة" ويرفض نقله من الأرض وإسكانه في قرى اصطناعية مثل تلك التي أقيمت منذ أواخر الستينيات في منطقة النقب بهدف واحد ووحيد هو: السيطرة على الأرض والحدّ من التمدد الديمغرافي العربي.

ولكن حكام الدولة العبرية ورموزها لم يعودوا قادرين على ضبط أنفسهم، والتكتم على الهدف الحقيقي، الذي عملوا على تحقيقه بصورة مضمرة وبطريقة خبيثة على مدار عشرات السنين. فرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو حذّر طاقم حكومته قبل وقت قصير من الهجوم الوحشي على العراقيب، نهاية الشهر الماضي، من أن نموّ الأقلية العربية يشكل خطرًا على يهودية الدولة.

وقال إن "تأثير هذا النمو سينعكس في إقدام أوساط عربية على المطالبة بحقوق قومية داخل إسرائيل، إذا سمحنا لأي منطقة أن تصبح بدون أغلبية يهودية".

ويشكل العرب في النقب 25% من مجمل السكان هناك، رغم المحاولات المستمرة لتوطين المزيد من المستوطنين اليهود، ومن هذه المحاولات تشجيع اليهود على امتلاك مزارع خاصة تبلغ مساحة الواحدة منها ألف دونم، إضافة إلى مشروع متروبولين بئر السبع الذي سيأتي على هدم المئات من البيوت العربية.

ويشعر قادة الدولة العبرية بضغط الوقت، ويعيشون حالة من الإحباط جراء العراقيل التي تقف أمام مشروعهم الاستيطاني العنصري الذي يريدون له أن يتقدم بسرعة أكبر حتى لو زاد حجم الجرائم التي يرتكبونها، وحتى لو ظهروا كعنصريين مكشوفين.

ليست جريمة العراقيب وكل جرائم الهدم في الجليل والمثلث والقوانين والممارسات خارج السياق. أي ليست خارج الصراع وليست معزولة عن تفاصيل وجزئيات المشروع الصهيوني الذي يُعاد الآن تكييفه مع المستجدات الجارية بين عرب الداخل وفي الضفة والقطاع وفي المنطقة والعالم.

واجه مشروع الحركة الصهيونية في فلسطين تحديا أساسيًا منذ البداية؛ هو العائق الديمغرافي. وقد تغلبت على هذا "العائق" جزئيًا عام 1948، عبر المجازر والطرد وعبر فرض قرار التقسيم المجحف. لم يحصل لاحقًا، أي بعد إقامة إسرائيل، إجماع على طرد من تبقى عرب داخل إطار الدولة، لأسباب دولية ولتوقيعها على قرار قبولها دولة في الأمم المتحدة وعلى ضرورة تعاملها مع "الأقليات" بصورة متساوية. ولكن كما هو معروف ظلت تراود البعض أفكار شريرة تجاه العرب مثل الطرد حين تحين الساعة المواتية.

عبر الطرد والتشريد، ضمنت إسرائيل أغلبية ساحقة داخل حدودها، وبذلك حافظت على "يهوديتها وديمقراطيتها" لتضمن التأييد والدعم من الغرب، ولكن في العقد الأخير، بدأت صورة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية تواجه تحديات غير مسبوقة. وتتمثل بالنهوض الوطني العارم لدى عرب الداخل وترجمة هذا النهوض والوعي برفع سقف مطالبهم المدنية والقومية عبر تحدي يهودية الدولة. والعامل الثاني، زيادة عدد المواطنين العرب.

بعد الانتفاضة الثانية، وتداعياتها وتفاعلاتها داخل الخط الأخضر، بدأت المخاوف من عرب الداخل ومظاهر العداء لهم، تخرج إلى العلن، وتم، ويتم، تضخيمها، ثم ترجمت تلك المخاوف عبر قمع دموي للمواطنين العرب والسعي إلى التقليل من خطر نموهم الديمغرافي.

هذه التطورات دفعت المؤسسة الإسرائيلية إلى العمل على إعادة رسم حدود الدولة اليهودية بصورة نهائية، بعد وصول أريك شارون إلى الحكم (وبعد فشل منع الانتفاضة) بدأ بتطبيق هذه الرؤية؛ فك الارتباط عن قطاع غزة، إقامة الجدار العنصري الفاصل داخل الضفة الغربية لإقامة بانتستونات تسمى "دولة"، وأيضًا السعي إلى فكّ الارتباط (سياسيًا) مع عرب الداخل -أي نقل مواطنتهم إلى دولة البانتستونات- ويُعبّر عن ذلك بصورة جلية رئيس حزب يسرائيل بيتينو، أفيغدور ليبرمان، وذلك خشية إسرائيل أن يتحول العرب من النهر إلى البحر إلى أكثرية بحيث تصبح الأقلية اليهودية حاكمة فتنكشف أمام العالم صورة نظام أبرتهايد. كما أنه شكلت وزارة خاصة لتهويد النقب والجليل.

وتدرك إسرائيل أن استمرار الوضع في التطور بهذا الاتجاه، أي نمو عدد الفلسطينيين وبروز أصوات تدعو إلى دولة المواطنين، أو إلى دولة ثنائية القومية أو دولة علمانية في كل فلسطين، سيجعل أمر الدفاع عن إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية، بالغ الصعوبة. وستتعرض إلى ما تعرض له نظام الأبارتهايد العنصري في جنوب إفريقيا من حصار وعزلة وانهيار.
مما لا شك فيه أن المضيّ في تنفيذ هذه الرؤية العنصرية، الكولونيالية هي التفاف على مطالب الشعب الفلسطيني العادلة، بل هي مخطط لتصفية القضية، وترسيخ الامتيازات التي يمنحها المشروع الصهيوني على حساب السكان الأصليين. وعمليا هو رفض لفكرة الدولتين ورفض لفكرة الدولة الواحدة. ومما لا شك فيه أن ذلك ينطوي على ارتكاب المزيد من الجرائم، وفرض المزيد من المعاناة الكبيرة عليهم.

تعتقد إسرائيل أنه بتنفيذ مخططها هذا، يؤدي إلى حل معضلتها ولو إلى حين، ولكن هذا المخطط في الواقع يوحّد أبناء الشعب الفلسطيني من على جانبي الخط الأخضر، بل يحفزهم على الذهاب معًا في استراتيجية نضالية واحدة في المستقبل المنظور، أو على الأقل هذا ما يمكن أن يحصل منطقيًا، لأن من بنى من عرب الداخل على أنه يمكن أن يحققوا المساواة إذا ما تخلوا عن قضيتهم الوطنية وهويتهم القومية، سيحصدون الأوهام؛ وسيحصدون المزيد من الحرمان والمعاناة. ربما لن يمرّ وقت طويل قبل أن يكتشف الجميع ضرورة العودة إلى أصل القضية، والانطلاق من هناك، نحو أفق أكثر عدالة، وأكثر إنصافا يُنهي البنى العنصرية الآخذة بالتحول إلى فاشية في بلادنا.

أما في هذه الأثناء فإنه لا خيار أمام عرب الداخل من مواصلة الصمود، والبناء وإعادة البناء، بناء البيت وبناء الإنسان، وإعادة تنظيم صفوفهم على نحو يمكنهم من مواصلة النضال والكفاح، وفي هذا الإطار، أي إطار النضال السياسي والشعبي، فإن المحافل الدولية لا بدّ وأن تتحول إلى ساحة هامة من ساحات عرب الداخل في مسعاهم ومسيرتهم للمساهمة في محاصرة إسرائيل وممارسة الضغوط عليها وصولاً إلى سقوط نظام الأبارتهايد الإسرائيلي، وهذا بالتعاون والتفاهم مع كافة تجمعات الشعب الفلسطيني.

التعليقات