31/10/2010 - 11:02

العرب ومتوسطية ساركوزي/ عبداللطيف مهنا

-

العرب ومتوسطية ساركوزي/ عبداللطيف مهنا
لعلها غدت الأقرب إلى المسلمة التي ليست في حاجة إلى برهنة، والتي لاتغيب عن أية نظرة سريعة متفحّصة لكل ما قد يمتّ إلى العلاقات العربية-الغربية على وجه الإجمال، والأوروبية منها تحديداً، وهي أن إسرائيل قد أصبحت هي الغائب الحاضر في ذهن من يمثل الطرف الآخر من المتوسط، أو الثابت المموه المراد حشره دائماً، أو يتم السعي الموارب لجعل حضوره هذا شرطاً مباشراً ما استطاع هذا الطرف إلى ذلك سبيلاً.

هذا ما ينطبق ويتبدّى بوضوح في كل ما له علاقة بأمور كثر الحديث حولها في العقود الأخيرة بشأن هذه العلاقات، من مثل، دعوات الحوار ومنتدياته، ومشاريع مساعي التقارب المنشود، بيافطاتها المختلفة، وشعارات المشاركة المأمولة أو تلمّس ضرورات المصالح المشتركة، وصولاً إلى العلاقات الثنائية بين الدول، وحتى دوافع الدعم والرعاية والمساعدات الغربية لما يدعى منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الأهلية في الوطن العربي.

هناك هدفان دائمان يتدثران في عباءة هذه الدعوات الحوارية، والتي لا يستثنى منها أشهرها، أي ما يدعى حوار الحضارات، ومنتديات حوار الأديان التي درجت مؤخراً، بمشاهدها المتلفزة التي يتصدّرها الحاخامون إلى جانب القسس والمشايخ، وهما:

التطبيع أو التدجين، بمعنى جعل إسرائيل في حكم المسلمة المقبولة في محيطها العربي، ودمجها اقتصادياً وتنموياً في المنطقة، وصولاً إلى فرضها مركزاً مقرراً فيها.

هذا إلى جانب هدفين آخرين معروفين هما، ما يسمّى "محاربة الإرهاب" ، ومكافحة الهجرة السريّة أو غير الشرعية.

نحن هنا لا نتحدث عن الشرق أوسطية ولا المشاريع الأمريكية للهيمنة، وإنما نقصر حديثنا على ما أطلق في الماضي القريب، ويستمر إطلاق شبيهه، وخصوصاً ما يطلق راهناً من على ضفة المتوسط الأخرى، من دعوات ومشاريع وشعارات متوسطية، نختار منها تحديداً آخرها وأعلاها نبرة، أي الدعوة الساركوزية التي استقرّت تسميتها مؤخراً على "الاتحاد من أجل المتوسط"!

الرئيس الفرنسي، مطلق الدعوة وراعيها المتحمس، سبق أن جال في مغارب الأمة العربية وأرسل مبعوثيه إلى مشارقها داعياً مبشراً لهذا الذي يراه "موعداً مع التاريخ"، والذي يأمل أن يكون خطوةً باتجاه "العلاقة الهادئة والخصبة بين العالم الإسلامي والغرب"، طارحاً جملة من الشعارات والمغريات مثل جزمه بأنه "إذا تحوّل الإتحاد المتوسطي واقعاُ فإنه سيغيّر العالم"! وتعبيره عن أمله بأن "يسهم في تسوية النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين"، واقتراحه بأن تغدو تونس مقراً لهذا الاتحاد العتيد، وأن تتعاقب على رئاسته مصر إلى جانب فرنسا.

الدعوة الساركوزية من المقرر لها أن تتوج بمؤتمر قمة تحتضنه العاصمة الفرنسية في الرابع عسر من الشهر الذي يلي الجاري، وهذا المؤتمر يتم التمهيد له في الرابع والسادس من الجاري في فاس المغربية، في إطار الإحتفالية بمناسبة مرور 1200 عام على تأسيس المدينة، عبر عقد ما أعلن عنه من مؤتمر دولي حول "الاتحاد من أجل المتوسط... أية شروط وأية آفاق!"، والذي تنظمه مراكز بحث ومنتديات ومؤسسات، مثل:

"المركز المغربي متعدد الإختصاصات للدراسات الإستراتيجيّة"، ومنتدى "روح العولمة"، ومؤسسة "فاس"، وعديد الشركاء المغاربة والأجانب، حيث ستقدم 150 شخصية رؤاها وتحليلاتها حول المشروع الساركوزي. محاور المؤتمر الممهد هذا عامة تتعلّق بالتحديات وإعادة تحديد مفهومه سياسياً وإنسانياً وثقافياً واجتماعياً، وآليات الإقلاع الإقتصادي، وتعرّج على الهجرة والمهاجرين طبعاً... وأية ميثاق أخلاقي لوسائل الإعلام يمكن اعتماده متوسطياً!

وبعده بثلاثة أيام فقط يأتي دور مؤتمر دولي رسمي آخر ثان كخطوة تمهيدية ثانية في سلوفانيا، أي في 9 و 10 من شهرنا هذا... وصولاً إلى قمة التدشين لإطلاق المشروع في باريس الشهر الذي يلي كما سبق وأن ذكرنا.

ما هو موقف "العرب المتوسطيين" أو من دعي منهم للمشاركة في إطلاق هذا المشروع والمساهمة فيه!

لقد دعيت 10 دول عربية، أو ذات الدول المشاركة فيما عرف ب"عملية برشلونة" المعروفة، وافقت كلها مبدئياً على حضور المؤتمر، اثنتان منها غير متوسطيتان هما الأردن وموريتانيا... هذه الموافقة، وفق ما أعلن، جاءت بعد مداولات من قبل الدول التي دعيت، وبمشاركة أمين عام الجامعة العربية، في مؤتمر لها في القاهرة، وكانت ب"مستويات متباينة"، أي بعضها كمراقب والآخر بعضوية كاملة. أو أنه، وكما ينقسم العرب هذه الأيام حول أغلب قضاياهم، قد انقسموا هنا في تقييمهم لهذا الأمر، إذ لم يجمعوا إلا على المطالبة بتغيير اسم المشروع الفرنسي، وقبول مقترح المقر التونسي ورئاسة مصر المتبادلة مع فرنسا للاتحاد المزمع. وفي حين أقرّوا أن تقدّم مصر لمؤتمر سلوفانيا باسمهم مجموعة أفكار وصفت بأنها "ليست ثابتة ولكنها أفكار متحركة"، فقد تحفظت سوريا وليبيا وشاب الموقف الجزائري بعض الغموض واللبناني شيء من عدم وضوح، وإن ظلا قريبين من سابقيهما. وهذا التباين عبّر عنه وزير الخارجية المصري، وكذا في نفس الوقت عن موقف بلاده، بقوله:

"هذه عملية مستمرة وماضية إلى الأمام، وقد يقرّر هذا الطرف المضي إلى نقطة محددة وقد يقرّر آخر المضي أبعد من ذلك"!

وإلى حين تدشين اتحاد ساركوزي في باريس بعد ما يقارب الشهر والنصف، يظل السؤال المطروح، في ظل غياب المصداقية الأوروبية المعتاد تجاه القضايا والمشاكل العربية، وما هي مصلحة العرب فيه؟ أو ما هي مصلحة إسرائيل!؟

لم تكتم الدول العربية المتحفّظة مآخذها على المشروع الذي ترى أنه تقف وراء فكرته ثلاثة أهداف واضحة بلا لبس للجميع:

أولها، التطبيع مع إسرائيل، حيث ينصّ المقترح الفرنسي على أن الإجتماعات الدورية تنصّ على مشاركة الجميع، والمشاريع التي تطلق تشترط الموافقة بالإجماع، الأمر الذي يعني ببساطة أن إسرائيل ستحلّ ضيفة على العواصم العربية التي ستعقد فيها هذه الإجتماعات دورياً، وسيكون لها دورها فيما ينتج عنه! ألم يقل أبو الغيط سلفاً أن "عضوية هذا الإتحاد مفتوحة لكل دول المتوسط"!؟

وثانيها: تحويل جنوب المتوسط إلى درع يقي أوروبا من ما تراه خطراً يتمثّل بالهجرة السريّة أو غير الشرعية عبره. والثالث: التملّص من عضوية تركيا للإتحاد الأوروبي عبر محاولة دمجها في غير هذا الإتحاد الذي لا يريدها عضوةً في ناديه.

...ولهذه الأهداف رابع يظل هو ذات العنوان المتعلّق بمسألة ما يدعى "الحرب على الإرهاب"!

لمشروع ساركوزي الذي يدعوه "حلم الحضارة المتوسطي"، مرجعيته الأيديولوجية المعروفة عن صاحبه. وساركوزي اليهودي المجري المنشأ لم يخفي أن له اقارب في فلسطين المحتلّة جاؤوها بعد اغتصابها، حرص على أن يزورهم عندما زار إسرائيل. والرجل الذي اقترح على الفرنسيين ذات يوم أن يردفوا أسمائهم الفرنسية بأسماء عبرية، استحضر وهو يروّج لفكرته، مراجعاً استعمارية لها مثل: نابليون بونابرت ونابليون الثالث والمارشال ليوتيه!!!

كما يجب أن لا نغفل أيضاً هموم الفرانكوفونية التي تطارد الأنغلوساكسونية فلولها في إفريقيا، ومغريات الأسواق المتوسطية العربية وشجون تنافس الاحتكارات الغربية على كعكتها.

... وإلى أن تعقد قمة باريس، هناك سؤال آخر، هو، هل متوسطية ساركوزي هي البديل ل"عملية برشلونة" الفاشلة التي بدأت قبل 13 عاماً!؟

لقد قال الوزير أبو الغيط أنها عملية "تطوير" لها لتغدو "الإتحاد من أجل المتوسط"... لكنه لم يقل لنا ما يقنع بأن هذا الإتحاد الساركوزي المزمع سيكون أفضل حالاً وأوفر حظاً وأنبل هدفاً من تلك العملية البرشلونية الفاشلة؟!!

التعليقات