31/10/2010 - 11:02

تحيا القندرة!../ بسام الهلسـه

تحيا القندرة!../ بسام الهلسـه
* الآن أُدرك كم كانت بصيرة الصديق الشاعر "نزيه أبو عفش" رؤيوية.. ليس بسبب قصائده ومقالاته ولوحاته التشكيلية وتعليقاته النافذة فحسب، بل أيضاً بسبب اليافطة التي شاهدتها –منذ قرابة ربع قرن- معلقة في صدر بيته أو "المرآب" الذي كان يقيم فيه في حي "القصور" بدمشق، والتي تحمل عبارة صارخة: "تحيا الصرماية!".

و"الصرماية" هي الاسم الذي يطلقه الشوام على "الحذاء" الذي أعطى له العرب أسماء مختلفة: (الصرماية، الصرمة، الكندرة، القندرة، الجزمة، السباط، النعال، الجوتي، الوطى...) لكنهم اتفقوا على معنى واحد لقذف أحد به، أو حتى مجرد مده في وجهه: الإهانة والتحقير والإذلال. وهو المعنى الذي أراده "منتظر الزيدي" وفهمه فوراً العراقيون والعرب والعالم أجمع الذين تلقفت عيونهم وقلوبهم وتابعت المشهد العظيم الرائع.. مشهد إذلال وتحقير رئيس أقوى دولة في العالم الذي جاء بصفاقته المعهودة ليودع البلد التي دمرها باسم تحريرها فنال الوداع الذي يستحقه على يد شاب ألقى وراءه بشجاعة كل الاعتبارات واحتكم إلى ضميره فقط، فكان المعبر عن ضمير كل العراقيين والعرب وأحرار العالم الذين لم يفقدوا الإحساس الإنساني والصادق برفض القهر والظلم والزيف.

* * *
قبل قرابة شهر ورغم خسارة مرشح حزبه –الحزب الجمهوري- لانتخابات الرئاسة الأميركية، تبجح "بوش" في حوار معه بأنه يريد للتاريخ أن يذكره كمحرر لشعبين: أفغانستان والعراق! وهي "بجاحة" لم يقو "هتلر" على ادعائها.. إذ كان أعلن عند غزو قواته واحتلالها لدول العالم أنه يريد ببساطة تأمين ما أسماه "المجال الحيوي" لألمانيا التي تستحق –بل يجب حسب رأيه ورأي حزبه النازي- أن تكون فوق الجميع! فكان أن تلقى الجزاء العادل الذي أفهمه أن لا أحد فوق الجميع!

لكن "بوش" ومن شاركوه الرؤية والقرار، لم يستوعب الدرس القاسي، فأعاد انتاج إدعاءات المستعمرين في القرون السابقة الذين ظن العالم أنهم وأنها انتهت، وبعث مجدداً مزاعمهم في الوصاية على "تحضير البشر ومَدْينَتهم" تحت مسمى برّاق:"تعميم الديمقراطية وحقوق الانسان"!

ومثلما اضاف السابقون لإدعاءاتهم "التحضيرية" ذريعة "الحرب على القراصنة" لتبرير شرههم إلى التوسع والاستيلاء على أراضي ومياه وموارد الشعوب، تعلل بوش بذريعة "الحرب على الإرهاب" لتغطية نوايا وخطط القيادة الأميركية، المأخوذة بنشوة انهيار الاتحاد السوفيتي، للسيطرة على العالم وإخضاعه لمشيئتها.

وكما دمر المستعمرون القدامى مؤسسات وأبنية وثقافات المجتمعات التي غزوها في القارتين الأمريكيتين واستراليا وافريقيا وآسيا، وأهلكوا صفوة سكانها، دمرت "الولايات المتحدة" افغانستان والعراق واحلت فيهما الخراب الشامل الذي لا يعمى عنه سوى القلة المستفيدة منه في البلدين. وللسيطرة على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر أوعزت لأثيوبيا بغزو "الصومال" عند اللحظة التي شعرت فيها بأنه أخذ يستعيد عافيته ويوحد قواه ويعيد تنظيم نفسه...

فيما تركت لـ"إسرائيل" استكمال مهمتها في الفتك بالشعب الفلسطيني وتقويض أسس ومقومات حياته ووجوده. ولولا تنبه "روسيا" على ما يُراد بها، ومسارعتها لردع "جورجيا"، لكانت أميركا مضت موغلة وراء شهوتها الأكيدة في تمزيق روسيا.

* * *
طوال القرنين -التاسع عشر والعشرين- كتبت الشعوب المستعمرَة تاريخ مقاومة وتصفية الاستعمار وبناء دولها المستقلة وتأكيد حقوقها في اختيار دروب الحياة.. وإذ أرادت "الولايات المتحدة" أن تمحو ما كتبته الشعوب بدمائها، فقد حصدت الثمار المرة لإرادتها الجائرة. ولم تكن صفعة حذاء "منتظر الزيدي" لرئيسها الذي داوم على الكذب حتى صدّق نفسه، سوى واحدة من هذه الثمار التي ستحصد منها المزيد بعد...

* * *
لمثل هذا الاستخدام الشجاع والبليغ يقال:
تحيــا القنـــدرة !

التعليقات