31/10/2010 - 11:02

توسيع التحيز..وافشال التسوية - المؤامرة../ خالد خليل

توسيع التحيز..وافشال التسوية - المؤامرة../ خالد خليل
إن بلورة مشروع قومي من خلال الرهان على النظام العربي الرسمي من رابع المستحيلات. فالنظام العربي يعاني عدة أزمات بنيوية أهمها أزمة تناقض المصالح بين الحكام والشعوب وقواها الاجتماعية، وأزمة غياب الجامع القومي لصالح تعزيز الهويات القطرية، وأزمة نهب وإهدار الطاقات والثروات العربية والإقليمية بما ينسجم مع مخططات الاستعمار القديم والجديد للمنطقة.

فهذا النظام المخترق سياسيا وأمنيا واقتصاديا وثقافيا أخرج نفسه من دائرة الفعل القومي والإقليمي المستقل، ليراوح في دائرة التبعية لأمريكا والغرب، منخرطا في المشروع المضاد لمصالح شعوبه والمتمثل بـ:

1. نهب مقدرات المنطقة والسيطرة التامة على مواردها باعتبارها مستودع الطاقة الأكبر في العالم.
2. تعميق الصراعات الطائفية والعرقية على طريق تفكيك الدول والمجتمعات العربية والإسلامية.
3. إحكام السيطرة الأمنية على المنطقة من الداخل والخارج.
4. الهيمنة الثقافية والحضارية وتعميق الإغتراب الثقافي.

ولا شك أن الاختراق الامبريالي للدول العربية طال كافة مناحي الحياة، ووصل الى الذروة بالاحتلال المباشر وتغيير أنظمة الحكم، وحتى تحديد مناهج التعليم والآيات والسور القرآنية المسموح تعلمها في المدارس العربية، هذا ناهيك عن التدخل في إدارة اقتصاد هذه البلدان بما يمنع ويعيق إمكانية التكامل والاندماج الوطني، علاوة على القومي والإقليمي.

والمعضلة الرئيسية أن التصورات الاستراتيجية لهذا النظام مبنية على أساس محاربة وتقويض ثقافة المقاومة والممانعة وضرب قواها وأركانها كشرط رئيسي لحماية نفسه. وهذا ما يفسر التآمر العربي الرسمي على حركات المقاومة في كل من العراق ولبنان وفلسطين خلال الاعتداءات والحروب الأمريكية والاسرائيلية على هذه البلدان.

إذن نحن أمام مشروع منسجم تماما مع مشروع الأمن الأمريكي الاسرائيلي المعادي لشعوب المنطقة، يهدف الى تأبيد سيطرة وحماية الأنظمة ويشكل أداة طيعة لضرب المقاومة ودول الممانعة في المنطقة مثل سوريا وايران.

الصورة القاتمة للوضع القومي لا ينبغي أن تقود بالضرورة الى الاستنتاج بانها إيذان بانهيار النظام العربي وتشكل البديل الثوري الذي يستعد للانقضاض على السلطة وتسلمها. فهذا الاستنتاج برأينا متسرع، خاصة إذا ما عرفنا أن الأنظمة العربية لا تفلح بشيء أكثر من حماية نفسها واستثمار حصة الأسد من ميزانية دولها في بناء الأجهزة الامنية الداخلية، التي لا تخلص لله بقدر ما تخلص للرئيس والحاشية.. ومن جهة أخرى فإن المعارضة السياسية في الدول العربية عاجزة عن إجراء التغيير المطلوب لما تعانيه من وهن وضعف (باستثناء المعارضة اللبنانية والفلسطينية) وبرامج إصلاحية تصلح لمؤسسات المجتمع المدني وليس لأحزاب سياسية.

من نافل القول إن التمنيات لا تحدث تغييرا، كما أن الأنظمة لن تتبرع بتغيير جلدها دون حركة شعبية واسعة منحازة ثقافيا وسياسيا لمناهضة المشروع الأمريكي وحلفائه على المستوى القطري والإقليمي. لقد آن الاوان لأن تنتقل حركات المعارضة والمقاومة في الوطن العربي الى مرحلة التحريض العلني والصريح ضد هذه الأنظمة، ليس فقط لأن رأسها مستهدف، وإنما أيضا بسبب خطورة موقفها الحالي على الناس والأوطان وعلى أية إنجازات تحققت حتى الآن على صعيد جميع القضايا العربية والإقليمية المركزية، وتخصيصا القضية الفلسطينية التي تتم المساومة عليها بكل الاتجاهات.

في الأسبوع الأخير تنادى زعماء „الاعتدال العربي” الى تلبية مطالب اوباما من أجل إجراء تعديلات على المبادرة العربية نزولا عند الاشتراطات الإسرائيلية فيما يتعلق باستبعاد حق العودة منها، والتطبيع الفوري للعلاقات مع إسرائيل كشرط لبدء المفاوضات، وليس في إطار الحل الدائم بعد إقامة الدولة الفلسطينية. وحسب ما أفادت صحيفة القدس العربي إن الإدارة الأمريكية تطالب بجدول زمني للتطبيع وإقامة علاقات سياسية ما بين الدول العربية وإسرائيل تشجع الأخيرة على اتخاذ خطوات عملية تسمح بإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح.

من الواضح أن تصريحات نتانياهو في الأيام الماضية ترفض بشكل قاطع قيام دولة فلسطينية وتتحدث عن حكم ذاتي على مناطق منزوعة السيادة. حيث يرى نتانياهو أن الوقت لم يحن بعد لإقامة دولة فلسطينية، وبهدف تأجيل المفاوضات على الدولة، أعلن تفضيله للمسار السوري على المسار الفلسطيني. هذا هو الوقت لرفع شعارات الرفض الواضح للتسوية-المؤامرة، والعمل على تشكيل أحلاف ومرجعيات تنظم العلاقات والمواقف والرؤى والاستراتيجيات لقوى الممانعة والمعارضة الشريفة، تتجاوز الانتماءات القطرية والعرقية والطائفية والمذهبية، وتنبني على أساس الانسجام في التحيز الثقافي والسياسي لقضايا الحرية والاستقلال والحق المؤسس على العدل، المناهض للظلم وللامبربالية أي للمشروع الأمريكي –الأطلسي في المنطقة.

فهذا المشروع الاستعماري رغم استخدامه لكل الانتماءات المشار إليها وتأجيجه صراعات كثيرة على أساسها، إلا أنه في الحقيقة يتجاوزها جميعها، إذا ما أصبنا بالتوصيف المساق أعلاه. بمعنى أنه مشروع استعماري يشمل الفكر والاقتصاد والسياسة فوق الطوائف والمذاهب والأعراق، وهو بذاته يمثل تحيزا ثقافيا وسياسيا منسجما، ينبغي مواجهته بتحيز ثقافي وسياسي مضاد إقليمي وحتى أممي.

التعليقات