31/10/2010 - 11:02

ثنائية الدولة.. وفردية اللعب!!../ هاني حبيب

ثنائية الدولة.. وفردية اللعب!!../ هاني حبيب
كان يجب ان يمر عقد ونصف من الزمن، حتى نعود في فلسطين إلى المربع الاول. خمسة عشر عاماً منذ أوسلو، حتى اليوم، جرت خلالها مفاوضات نشطة، تعززت وتكثفت في العامين الاخيرين على خلفية خارطة الطريق ومؤتمر أنابوليس. كان يجب ان تمر هذه الفترة العصيبة على عملية تفاوضية، تبين على اثرها انها غير ذي جدوى، وانها عديمة الفاعلية، لسبب يبدو بسيطاً لاننا لم ندركه منذ البداية، وهو ان اسرائيل لا تريد التوصل الى نهاية لهذه العملية التفاوضية، وان الأمر يتعلق بادارة المفاوضات وليس المفاوضات التي تنتج عنها نهاية حقيقية، المفاوض الاسرائيلي امتلك خطة عمل وفقاً لها طوال تلك الفترة، متخذاً من نوبات العنف خلالها وسيلة لتعزيز هذه الخطة، فرداً على العمليات التفجيرية داخل اسرائيل أعادت اسرائيل اجتياحها لجميع مدن الضفة الفلسطينية، تحت حجج أمنية ومبررات "دفاعية". وبعد اعادة الانتشار في قطاع غزة مع استمرار احتلالها له رغم الانسحاب من المستوطنات، جددت اسرائيل مخاوفها الامنية بعد القصف الصاروخي المنطلق من القطاع باتجاه تخوم حدودها مع القطاع، في توازٍ مع عملية استيطانية كانت أسرع واكثف بما لا يقاس مقارنة مع سير العملية التفاوضية. إدارة المفاوضات بالنسبة لاسرائيل تعني بالدرجة الاولى استمرار بناء الجدار الحدودي وتوسيع وتعزيز الاستيطان، مع مفاوضات لا نهاية لها. المواعيد غير المقدسة كانت المعيار الجوهري لهذه الخطة التي ترتكز على حراك دون جدوى أو نهاية، مقارنة بفرض وقائع جديدة على الأرض، تصبح مع الوقت جزءاً من بنود التفاوض.

وظلت المسائل العالقة المتعلقة بملفات الحل النهائي دون أي تقدم، كالسيادة على مدينة القدس واللاجئين، وغيرها من الملفات التي اعتبرت في اتفاق أوسلو، قضايا الخلاف التي تم تسميتها وتحديدها، وظلت تحت مسمى الخلاف من دون ان تتحقق نهاية لها رغم كل الجهد الذي بذل في هذا السبيل، والذي ارتطم بواقع الخطة الاسرائيلية التي تتمحور حول ادارة المفاوضات وتعزيز الاستيطان وانجاز الجدار الحدودي، أما العملية التفاوضية، فقد استثمرت لصالح استمرار الخطة الاسرائيلية.

القيادة الفلسطينية، كانت تدرك باعتقادنا ان ميزان القوى الشكلي، سيشجع اسرائيل على تنفيذ خطتها المتعلقة بادارة الأزمة، وليس حلاً للأزمة، الاّ ان هذه القيادة اعتقدت انه بالامكان تعديل الميزان لصالحها ربما من خلال جهد دولي، اميركي خاصة، ليشجع على ضرورة التوصل الى حل، نظراً لمصالح الرأي العام الدولي، حكومات وشعوباً، في استقرار هذه المنطقة من العالم، خاصة وان التورط في الحرب العراقية، واحتمالات تصفية الحسابات مع ايران عسكرياً، سببان يشجعان واشنطن والاتحاد الاوروبي على ايجاد منفذ مريح في الشرق الاوسط وصراعاته ونزاعاته المتصلة، غير ان هذا الرهان، تبين انه غير واقعي، وبالتالي ظل ميزان القوى على ما هو عليه، واستثمرته اسرائيل ومفاوضوها لاستمرار ادارة الازمة من دون ان تقدم على فتح اي أُفق بالنسبة لأي ملف من ملفات الحل النهائي.

وحسب هذه الخطة بادارة الصراع يمكن فهم الاسباب الحقيقية الكامنة لانسحاب اسرائيل من قطاع غزة قبل ثلاث سنوات، باعتباره تحقيقاً لعزل الفلسطينيين وضبطهم اسرائيلياً، والتدليل على عجزهم حتى عن ادارة امورهم، وتعزيزاً لانقساماتهم التي تحققت رسمياً فيما بعد، هذا الانقسام الذي عزز المقولة الاسرائيلية بعدم وجود شريك فلسطيني، مع ان الوضع الداخلي الحكومي الاسرائيلي، هو الآخر، لا يجعل امكانية للقول والفعل بوجود شريك اسرائيلي، ورغم ان الفلسفة الاسرائيلية تقوم على "اساس هم هناك ونحن هنا" إلاّ ان الواقع التفاوضي خلال الفترة السابقة عبر عن فلسفة مبطنة تقضي بـ"نحن هنا وهناك" فليس هناك "آخر" يمكن القلق بشأنه، وهذا الآخر، يمكن تدويخه في سلسلة طويلة من المفاوضات بلا نهاية. وان هذا الآخر، ليس امامه الاّ حلول اسرائيلية، شرق الاردن مثلاً، او الاستمرار في العيش في معازل منفصلة كلها تحت رحمة الاحتلال ورقابته من دون حمايته.

تصريحات فلسطينية، اكثر وضوحاً من اي وقت مضى، اشارت الى ان العملية التفاوضية لم تفض الى اي تقدم بشأن قضايا الحل النهائي. احمد قريع الذي يترأس العملية التفاوضية عن الجانب الفلسطيني، القى بقنبلة عندما لمح بشكل واضح الى انه في حال اجهض خيار الدولة المستقلة فان المطلب البديل للشعب الفلسطيني وقيادته يتمثل في "دولة واحدة ثنائية القومية". وليس خافياً ان هذا المطلب - الخيار، دليل على اليأس من جانب والارباك من الجانب الآخر، ناهيك عن غموض هذا المصطلح الذي طرح عدة مرات من زوايا مختلفة وعلى خلفية اكثر وضوحاً، من خلال مفكرين فلسطينيين واكاديميين ومراكز دراسات، دون ان يلقى اية عناية أو تفهم أو دراسة، ولم تضعه القيادة الفلسطينية كخيار في أي وقت من الاوقات، مع انه كان بالامكان، وفي اطار خطة تكتيكية محكمة، ان يشكل خياراً، منذ البداية، في حال عدم انجاز الخيارات الأخرى وفي طليعتها الدولة الفلسطينية المستقلة.

والطريقة التي بعث فيها هذا الخيار من قبل أبو علاء، تعبر عن "فشة خلق" اكثر من ان تشكل خياراً حقيقياً في اطار خطة، خاصة وان هذا الخيار يتناقض مع الاجماع الفصائلي الفلسطيني عبر وثيقة الوفاق الوطني (وثيقة الأسرى) التي حددت الهدف الراهن للنضال الوطني الفلسطيني يتمثل في "قيام دولة فلسطينية مستقلة على الاراضي التي احتلت العام 1967 وعاصمتها القدس".

هذا المصطلح، لا يشكل خياراً واقعياً "الآن" باعتباره مقارنة "بدولة مستقلة" اكثر صعوبة ورفضاً من قبل اسرائيل، واذا كان الحل الاسهل نسبياً، وجد صدوداً وعناداً اسرائيلياً، رغم الاجماع الدولي المعنوي، فهل من الممكن تحقق هذا الخيار الغامض والذي تعتبره اسرائيل "عدوانياً"، رغم ان هذا الخيار يتضمن قبولاً بالاسرائيليين كجزء من جغرافيا المنطقة العربية واقراراً فلسطينياً عربياً بشرعية الوجود الاسرائيلي، الاّ ان اسرائيل ليست معنية من الناحية الواقعية، بحسنات هذا الخيار بالنسبة لها، طالما هي قادرة على رفض كل الخيارات الصعبة والاكثر صعوبة.

هذا ليس موقفاً ضد أو مع الفكرة، بقدر ما هو موقف من التعامل مع الخيارات الوطنية، كلعبة قمار يتم فيها سحب ورقة وطرحها على الطاولة حسب المزاج الشخصي وتقديراته الفردية، والامر يتطلب المزيد من البحث والدراسة والتدقيق في اطار فهم وتفهم لكافة العناصر التي تتعامل مع مثل هذه المسألة المرتبطة بالمصير الفلسطيني!!
"الأيام"

التعليقات