31/10/2010 - 11:02

حالة أيمن نور/ فهمي هويدي

-

حالة أيمن نور/ فهمي هويدي
إذا أردت أن تتعرف علي نموذج للخلل والغموض في القرار السياسي المصري، فقضية أيمن نور حالة تجسد الاثنين معًا، لا يقولن أحد إنها قضية جنائية عادية، أدين فيها شخص، وهو الآن ينفذ قرار القضاء بحقه، فذلك تشخيص غير دقيق، لا أعرف إنه كان ينطلي علي الأجانب الذين سمعوه كثيرًا أم لا؟، لكنه بالقطع لا يقنع أحدًا من الذين يعيشون في مصر، إذ نحن نعرف جيدًا أن اتهام بعض الناس والتحقيق معهم وإحالتهم إلي النيابة وتقارير الطب الشرعي المتعلقة بالأمور التي تخصهم، ثم الأحكام التي تدينهم، بل حتي معاملتهم داخل السجون، ذلك كله عادة ما لا يكون دائمًا بعيدًا عن السياسة وفي بعض الأحيان فإنه يظل داخلاً في السياسة، من أوله إلي آخره.

نحن نعرف أن الرجل رشح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية في شهر يوليو عام 2005 وخلال الأشهر الخمسة التالية حدثت أمور كثيرة انتهت بالحكم عليه بالسجن بتهمة التزوير بعد خمسة أشهر تقريبًا في 22 /12/2005، ومنذ ذلك الحين وإلي الآن وهو وراء القضبان، مضربًا عن الطعام حينًا ومشتبكًا مع سجانيه حينًا آخر، ومريضًا محرومًا من العلاج أو مضيقًا عليه في ذلك في أحيان ثالثة، وإلي جانب تدمير سمعته وحياته المهنية والأسرية، فإن حزب الغد الذي أسسه تعرض لاختراقات أمنية أدت إلي تمزيقه، حتي قرأنا أخيرًا عن اقتحام البلطجية مقر الحزب -الذي هو مكتب أيمن- وإشعال الحريق فيه، وسط ملابسات مثيرة للدهشة والشك، وفي ذلك كله تابعنا بسالة زوجته في وقوفها إلي جواره، والدفاع عنه من فوق مختلف المنابر المحلية والدولية، وتحديها المستمر لمختلف قوي الضغط عليه وقهره، إلي غير ذلك من الملابسات المثيرة، التي تجعل الواحد منا يتساءل في دهشة ومرارة: لماذا كل ذلك؟

لأنني لا أجد سببًا معقولاً لإبقائه في السجن طول كل ذلك الوقت مع التنكيل به، وعدم إطلاق سراحه بعد انقضاء نصف المدة كما يحدث مع غيره من المحكومين، بمن فيهم الجواسيس ومرتكبو الجرائم المخلة بالشرف، فذلك يدفعني إلي الشك في أن يكون الإذلال وتصفية الحساب والانتقام وراء ما جري له، لست متأكدًا من ذلك، ولكنني أصبحت لا أستبعد ذلك الاحتمال لا لقوة الأدلة التي تثبته، ولكن لعدم وجود أدلة كافية تثبت «براءة» الإجراءات التي اتخذت بحقه، بل ذهبت بي الظنون إلي حد الشك في أنه أريد بمعاقبة أيمن نور أن يصبح أمثولة تحذر أي شخص من أن يفكر في ترشيح نفسه للرئاسة مرة أخري، وإذا ما فعلها فإن عليه أن يتحمل مسئولية فعلته التي لن يخرج منها سليمًا!

لقد أوذي أيمن نور كثيرًا ، لكنه استفاد كثيرًا أيضًا، ولست أشك في أن الذين فعلوا به ما فعلوه لم يتمنوا له خيرًا، لكنه أصبح قصة مصرية تروي في مختلف المحافل السياسية واجتماعات منظمة حقوق الإنسان، بل أصبح أيضًا موضوعًا مدرجًا علي أجندة العلاقات المصرية الأمريكية، ومثيرًا للجدل بين ممثلي البلدين.
لست أشك في أن الذين قمعوا أيمن نور ونكلوا به لم يتمنوا له شيئًا من ذلك، وربما ظنوا أنه سيظل واحدًا من الآلاف الذين يقضون أعوامهم داخل السجون، ويخرجون منها مدمرين وغير قادرين علي فعل أي شيء في الحياة، بل عاجزين عن التعامل مع المجتمع الذي غابوا عنه، لكن ذلك لم يحدث وأصبح أيمن نور وهو في السجن أكبر وأهم كثيرًا منه في خارجه.

لا أعرف إذا كانت هذه الافتراضات قد جالت بخاطر الذين أداروا ملف أيمن نور أم لا؟!، لكن الذي أعرفه جيدًا أن الرجل كسب الكثير مما جري، بقدر ما أنه خسر الكثير أيضًا، وخسائره كلها إنسانية ومادية، أما مكاسبه فسياسية بامتياز، بذات القدر فإنني لا أعرف أين كان ملف أيمن نور طوال السنوات التي خلت؟، لكنني أعرف أن الذين أداروا معركتهم ضده لم يتخذوا بحقه قرارًا واحدًا رشيدًا، كما لم يتسموا بالحكمة أو بُعد النظر، إن خوفي شديد من أن يكونوا قد تعاملوا بنفس الأسلوب مع ملفات أخري تتعلق بمصير البلد.

التعليقات