31/10/2010 - 11:02

زمن التغييب والاضمحلال../ خالد خليل

زمن التغييب والاضمحلال../ خالد خليل
لا تدير إسرائيل معركتها ضد العرب والفلسطينيين والمسلمين عمومًا على أساس التصريحات والتصريحات المتبادلة، فالحرب النفسية الإعلامية رغم أهميتها تشكّل جزءًا يسيرًا من المعركة الشاملة وليس بإمكانها حسم المعارك على الأرض مهما برعت الدول في استخدامها.
اسرائيل التي تقوم أصلاً على انقاض الشعب الفلسطيني استندت منذ اللحظة الأولى لتأسيسها الى استراتيجيات ومخططات محكمة للسيطرة على سماء وأرض وماء فلسطين من النهر الى البحر، وانتهجت سياسة التطهير العرقي للإنسان الفلسطيني من خلال القتل والتهجير والاعتقال والانتهاك المنهجي لجميع الحقوق في كافة مناحي الحياة.

لكن رغم ذلك كله، رغم الدمار والتجويع والفتك والحصار، بقيت القضية الفلسطينية حاضرة على الدوام في الساحة الدولية تفرض نفسها وإن بوتائر مختلفة في كل مرحلة من المراحل.

في العقدين الأخيرين وتحديدًا في اوسلو عمل المجتمع الدولي بقيادة امريكا على تفريغ القضية الفلسطينية من محتواها، عبر ضربات متواصلة لحركة المقاومة الفلسطينية ولثقافة المقاومة، على درجة باتت فيها المقاومة صرافة على مستوى الأنظمة العربية التي لم تجرؤ فيما مضى على المجاهرة في نقد حركات التحرر وعلى رأسها حركة التحرر الوطني الفلسطيني بكل فصائلها، لا بل أن هذه الحركة كانت تفرض مواقفها على تلك الأنظمة بلا شروط من قبلها وكانت المساعدات تتدفق على منظمة التحرير بحب ورضا في معظم الأحيان، وفي مراحل معينة تحولت هذه المساعدات إلى „أتاوة” تؤخذ بالقوة من بعض الأنظمة.

هذا عندما كانت حركة التحرر الوطني الفلسطيني تمتلك خياراتها وتؤمن بتحرير فلسطين. اما عندما أصبحت „الحياة مفاوضات” وخيار المقاومة حبرًا على ورق كما تبين من مؤتمر فتح الأخير، فإنه من الطبيعي أن تصبح القيادة الفلسطينية مجرد صور يمكن تمزيقها في أي وقت.

جلّ العمل الاستيطاني الاسرائيلي حصل في العقدين الأخيرين كما تفيد التقارير الاسرائيلية والفلسطينية والدولية على السواء. ومنذ قرّر شارون بناء الجدار الفاصل وحتى هذه الأيام تضاعفت الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية، ضمن خطة اسرائيلية مدروسة هدفها سد الطريق أمام حق العودة وتحديده على أساس الواقع الاستيطاني الجديد. هذا بالطبع بعدما استنتجت اسرائيل على مدى العقود الماضية انه لا مجال لتطهير عرقي شامل وأنه لا بدّ من إقامة كيان فلسطيني على مساحة محدودة وضمن الشروط الإسرائيلية.

من الواضح اليوم أنّ المقاومة، أو قل، ثقافة المقاومة، تنحصر فقط في حدود قطاع غزة المحاصر جغرافيًا وسياسيًا واعلاميًا ضمن مؤامرة دولية شاملة يشترك بها العرب وغير العرب، وحركة هذه المقاومة محدودة جدًا بسبب ظروف هذا الحصار، مما يضطر حماس الى التعاطي مع الحلول السياسية والمصالحات على أنواعها في ظل اشتراطات وتقييدات ما أنزل الله بها من سلطان.

الضفة الغربية باتت في قبضة سلطة أبو مازن وسلام فياض، ما يعني انها في قبضة دايتون، أي أنها تخضع اليوم للرقابة الاسرائيلية التامة، ليس فقط أمنيًا على المعابر، وإنما أيضًا داخليًا على كثير من النفوس.

المأساة اليوم على الساحة الفلسطينية ليس بانجراف أبو مازن وسلام فياض وغيرهما من القيادات الفلسطينية، فهؤلاء عقدوا عزمهم على المضي في خط التسوية والمفاوضات الى ما لا نهاية وقرروا عدم اتخاذ اية خيارات اخرى، والمقاومة ليست في حساباتهم البتة وهم لا يخجلون في ذلك، ليس لسذاجتهم واعتقادهم انّ الحل المنشود وفقًا للشرعية الدولية موجود في الأفق، وليس لأنّ أبو مازن „خائن” بطبعه كما يحاول البعض ابرازه، وإنما لأنه صاحب قناعات لا يتعدى سقفها تحقيق حقوق يومية هنا وهناك للجماهير الفلسطينية داخل الضفة، فبالنسبة له إزالة حاجز انجاز، وتوفير فرص عمل انجاز وتحسين ولو قسط يسير من الظروف المعيشية انجاز.

المأساة على الساحة الفلسطينية هي في استنكاف وتراجع فصائل العمل الوطني الأخرى داخل الضفة الغربية، هذه الفصائل التي لم تتخلّ برنامجيًا عن خيار المقاومة والتي كانت حتى الأمس القريب ترفض المساومة على مواقفها السياسية.

وهكذا دمرت هذه الفصائل قاعدتها الشعبية والتنظيمية، فاضمحلت واضمحلت معها المقاومة وثقافة المقاومة.
لا بدّ في هذه الظروف من دق ناقوس الخطر والعودة الى الذات فالتاريخ لن يرحم المتقاعسين.

التعليقات