31/10/2010 - 11:02

سرقة كولونيالية ... وعملية بيع وشراء اسرائيلية /عبد الرحيم ملوح

-

سرقة كولونيالية ... وعملية بيع وشراء اسرائيلية /عبد الرحيم ملوح
إن المتتبع للمساومات الداخلية الإسرائيلية الدائرة بين الأطراف المنخرطة لتطبيق خطة شارون "الانفصال من جانب واحد" يصاب بالعصاب والذهول معا، للدرجة التي وصل لها "البيزنيس" بالمعنيين المباشر والواسع للكلمة، وعن درجة الاستهتار بالحقوق السياسية والمادية الفلسطينية وبالشرعية الدولية ومواثيقها وقيمها وقراراتها تحت سمع وبصر المجتمع الدولي وتواطؤ بعضه.

فالكثير من مستوطني مستوطنات غزة نقلهم إليها شارون شخصيا من سيناء عام 1982 بعد ان هدم مستوطناتهم في إطار تطبيق اتفاقات كامب ديفيد، وقدم لهم الأموال الطائلة لبناء مستوطنات جديدة تليق بهم وبإقامتهم.

وكما هي جميع عمليات الاستيطان في الأراضي المحتلة فان دولة الاحتلال والوكالات اليهودية المختلفة هي من يقوم بعمليات تمويل الاستيطان وتغذيته وحمايته على مدار السنين، بحيث يتحول المستوطنون الى الطفل المدلل الذي يولد وفي فمه ملاعق من ذهب، أولها الاستيلاء بالقوة على الأرض والمياه الفلسطينية، وثانيها تمويل البناء والبنية التحتية للمستوطنات، وثالثها تمويل المشاريع الخاصة والإقامة والتنقل، ورابعها الحماية السياسية والأمنية.

واليوم عندما رأى شارون ان المصلحة الإسرائيلية على المديين المتوسط والبعيد تتطلب تفكيك مستوطنات غزة وترحيل مستوطنيها، كما فعل بيغن ذلك عند توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع مصر وبرغم الاختلاف الكبير في الزمان والمكان، فانه لجأ لأساليب متعددة ولكن الجوهر واحد هو حماية قيم الاستيطان العليا وتأمين كل المتطلبات للمستوطنين، أما الفلسطينيون أصحاب الحق الشرعي والمنهوبة أراضيهم ومياههم منذ عقود، فالمطلوب منهم تكنيس ما يخلفه المستوطنون من فضلات، ومطلوب من قيادتهم توفير الأمن للعملية برمتها، فالويل لهم لان اقل توصيف لهذه القيادة أنها ليست شريكا لأنها ليست بذي صلة.

لقد تحولت العملية برمتها الى عملية سرقة كولونيالية للحقوق الفلسطينية وعملية بيع وشراء بين المستوطنين وحكوماتهم، ومطلوب من المجتمع الدولي والإدارة الأمريكية او الاثنين معا تمويلها لأنها تخدم المصلحة الإسرائيلية أولا وقبل كل شيء، فرصد للعائلة الواحد من المستوطنين المطلوب ترحيلهم ما بين ثلاثمائة ألف وخمسمائة ألف دولار إضافة إلى دونم ارض في المنطقة التي انتقل إليها وشقة سكنية دائمة، بعد تجهيز المكان بالبنية التحتية من كهرباء وماء وشوارع ومدارس ومزارع ومصانع ... الخ .

وبعد ذلك يجري عرض مخلفاتهم للبيع حيث يجري نائب رئيس الوزراء شمعون بيريس مفاوضات مع البنك الدولي والاتحاد الأوروبي لشراء الدفيئات الزراعية وتمويل نقل ردم المنازل المهدمة، ومع تركيا لشراء المنطقة الصناعية في شمال القطاع لتصبح ملكية ثلاثية "تركية إسرائيلية فلسطينية" وقدرت الحكومة الإسرائيلية التكلفة اللازمة للعملية بملياري دولار وطالبت أمريكا بتأمينها.

هذا الوضع جعل الكثير من المستوطنين يتمنون لو كانوا في مستوطنة غوش قطيف اليوم لأخذ كل هذه الهبات أما أصحاب الأرض الفلسطينيون الذين جرى الاستيلاء على أرضهم ومياههم ونهبها لعقود طويلة والذي يفرض القانون الدولي تعويضهم عن كل الأضرار السياسية والمادية والمعنوية التي لحقت بهم جراء احتلال أرضهم وسلب حريتهم وحبس تطورهم فإنهم ينظرون لما يجري بكل استهجان،حيث تجري مكافأة المحتل والمعتدي وتجاهل، ان لم نقل معاقبة صاحب الحق، وما يزيد الطين بلة إقدام سلطات الاحتلال في خطوتها هذه مجردة من بعدها السياسي وفرض التعامل معها ببعدها الأمني فقط.

فقد اكد ايغال جلعادي مسؤول الإعلام الخارجي في مكتب شارون ما قيل أكثر من مرة على لسان شارون نفسه وبعض قادة ائتلافه السياسي عندما قال معرفا الأحادية "معنى الأحادية في هذه الخطة هي أننا لن نتفاوض مع الفلسطينيين ببشأنها ونحن من يقرر جوانب تطبيق خطة الفصل" القدس 30/6/2005 .

وأوضح البروفيسور شلومو بن عامي وزير الخارجية في حكومة ايهود باراك الموقف الرسمي الإسرائيلي من خطة شارون ومن موقع انتقاده لهذا الموقف في مقالة طويلة له في صحيفة هآرتس نشرته القدس في 1/7/2005 ،حيث قال "هنا صناع الخطوة لا يعتبرونها جزءا من خطة شاملة أكثر اتساعا لتسوية سياسية، التي توصل إسرائيل الى الحدود الدائمة المعترف بها، في آخر المطاف يشترك السياسيان البارزان في إسرائيل اليوم ارئيل شارون وشمعون بيريس في الموقف القائل أن إسرائيل ليست ملزمة بالسعي للتسوية الشاملة وإنهاء الصراع .

وأضاف "ماذا سيحدث عندما يتضح للجميع ان غزة هي كل ما سيقدمه شارون؟ " .

أما الكاتب الإسرائيلي المعروف ميرون بنفيستي فقد كتب في صحيفة هآرتس ونشرته القدس في 1/7/2005 حيث قال "يا ويل كل من يتجرأ على القول – بالنسبة للصهيونية وقيم الاستيطان العليا- ان كل المسألة هي مفارقة تاريخية لان كل شيء قد تحول منذ زمن الى عقار تجاري، فالجمهور الإسرائيلي موحد من خلف الرؤية التي تعتبر الانفصال خطوة أحادية الجانب تقوم بها إسرائيل حتى تضمن مصالحها الذاتية، والأجندة الداخلية هي الأمر الوحيد الذي يهمها، اما الفلسطينيون فليذهبوا للجحيم، والعالم مدعو للتصفيق لهذه الدراما او التضحية الإسرائيلية شريطة ان يدفع الثمن المالي لعملية فك الارتباط وألا يطالب إسرائيل بمواقف سياسية".

ويضيف "ان هذه العملية تركز على بضعة آلاف من الإسرائيليين ولا تهتم أبدا بمليون ونصف من الفلسطينيين القاطنين هناك، ما هو مصير هؤلاء بعد الإخلاء ؟ وهل سيتسلمون المعابر الحدودية التي تتيح لهم صلة مباشرة مع العالم الخارجي؟ هل سيتم ترميم مطار الدهنية وتشغيله؟ هل سيتم فتح ممر آمن بين غزة والضفة؟ الأمر الأكيد ان السلام لن يولد من هذه المبادرة".

هذه المقتطفات على طولها هدفها التدليل على مدى النظرة الموحدة لمختلف التيارات السياسية الإسرائيلية لخطوة شارون الانفصال من جانب واحد ولأبعادها السياسية والعملية، وفي ضوء هذا فان على الطرف الفلسطيني توحيد نظرته ومواقفه لتحاشي الوقوع في أشراك شارون او في حسابات غير واقعية من جهة، ولكشف وفضح استهدافات مشروع شارون المتوسطة والبعيدة المدى أمام المجتمع الدولي من جهة ثانية، ولكي لا يجد نفسه بغير وعي طرفا في إنجاح مشروع شارون من جهة ثالثة.

ان الشعب الفلسطيني قاوم الاحتلال لعقود طويلة والانسحاب من غزة ومن شمال الضفة جاء نتيجة لصموده ومقاومته، وقد رحب بكل قواه وفئاته بهذا الانسحاب باعتباره ثمرة من ثمرات كفاحه الطويل وخطوة أولى على طريق الانسحاب الكامل، ويرفض ان يتحول بشكل مباشر او غير مباشر الى أداة أمنية في مشروع شارون السياسي والاستيطاني، أي الانسحاب من غزة وبعض الضفة وتكريس الاحتلال لباقي الضفة وقطع الطريق على الانسحاب الكامل وعلى تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وعلى استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه بتقرير المصير والدولة المستقلة والعودة.



عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
(من داخل سجن عوفر الإسرائيلي)

التعليقات