31/10/2010 - 11:02

عدلٌ إن رأته الشمس ذاب../ حسين أبو حسين

عدلٌ إن رأته الشمس ذاب../ حسين أبو حسين
قدّمت النيابة العامة، يوم 10.12.2008، للمحكمة المركزية في القدس لائحة إتهام ضد المستوطن زئيف برويدا، ونسبت له تهمة التسبّب بإصابة بالغة لمواطنين فلسطينيين من الخليل، في حوادث الشغب التي حدثت إثر إخلاء بناية فلسطينية قام المستوطنون بالاستيلاء عليها.

جاء في لائحة الاتهام أن المستوطن المذكور أشهر مسدسه أمام عائلة فلسطينية وأطلق النار باتجاه أفرادها وتسبب بإصابتهم. وقد تم تصوير الواقعة بكاميرا فيديو، وعُرضت هذه المشاهد الموّثقة من قبل وسائل الإعلام المختلفة فيما بعد.

قام وزير الأمن الإسرائيلي، لاحقاً، بالتوقيع على شهادة سرية وحصانة يضفي فيها السرية التامة والمطلقة على المعلومات التي بحوزة جهاز المخابرات وسبل عملها وتفاصيل تتعلق بمخبريها.

كما هي العادة في حالات كهذه، قام المتهم بتقديم التماس للمحكمة العليا وطلب الكشف عن المعلومات السرية، إلا أن النيابة اعترضت على ذلك مدعية أن كشف المعلومات قد يؤدي إلى مس خطير بأمن الدولة.

في هذه الحالات يعقد القاضي جلسة سرية مع ممثلي جهاز المخابرات والنيابة العامة، ليطلع بنفسه على المعلومات السرية ويثير تساؤلات ويطلب توضيحات حول المواد المعروضة.

بعد النظر في الالتماس، قرر القاضي الياكيم روبنشتين، في السابع من حزيران الجاري قبول الالتماس معللاًً قراره بأنه يفضّل مبدأ عدالة الإجراء الجنائي على مبدأ الحفاظ على المصلحة العامة وأمن الدولة.

لا شكّ في أن القرار يعتبر بمثابة سابقة قانونية واستثنائية ويدعو كل قانوني للتساؤل عن الأسباب التي دفعت المحكمة لاتخاذ مثل هذا القرار، الذي ضحّى وللمرة الأولى بـ "البقرة المقدسة" التي تدعى أمن الدولة، حفاظاً على حقوق المتهم المستوطن، وحيث أشعرت النيابة العامة المحكمة أنه في حالِ إلزام النيابة بالكشفِ عن المعلومات السرية سيتم إلغاء لائحة الاتهام حفاظاً على الأمن العام. وهكذا فعلاً تمّ إلغاء لائحة الاتهام ضد المتهم.

إن موضوع تقديم المواد السرية أصبح بمثابة ظلٍ لكل الفلسطينيين الذين يلجأون للمحاكم في إسرائيل، حيث تلجأ النيابة لتقديم مواد كهذه في كافة الملفات القضائية المتعلقة بالفلسطينيين: القضايا الأمنية، الاعتقالات الأمنية والإدارية، قضايا لمّ الشمل وقضايا هدم البيوت وقضايا التعويضات المتعلقة بالأضرار الجسدية أيضًا.

وعندما يقدّم الفلسطينيون التماساً لكشف المعلومات السرية، مستعينين بمحامين "يقظين وأذكياء"، مُعوّلين الكثير على "عدالة القضاء" تصيبهم خيبة أمل حين يفضّل القضاء مبدأ أمن الدولة على مبدأ عدالة الإجراء.

أما في قضية برويدة، فقد كان من "نصيب" الملف أن يُنْظَرَ به أمام القاضي روبنشتين، وهو نفس القاضي، الذي صادق قبل عدة أشهر على إطلاق سراحه بالكفالة، وكان من حظ المتهم أن القاضي اعتبر كونه مريضاً وعمره 51 عاما ودون إسباقيات جنائية حيثيات مناسبة لاتخاذ سابقة قضائية، وكأن عشرات الآف السجناء الفلسطينيين الذين عبروا في أروقة محاكم "العدالة" خلال ستين عامًا، لم يكن بينهم، كما يبدو، أي متهم عمره 51 عامًا، مريض ودون سوابق جنائية...!

مقارنة بهذا المستوطن، اعتقل آلاف الفلسطينيين إدارياً أو أدينوا في المحاكم جراء الارتكاز إلى تلك العبارة الممجوجة التي تسمى "مواد سرية"، وتم تمزيق شمل آلاف من العائلات الفلسطينية استناداً إلى هذا الغسيل المُلوث والشماعة الجاهزة، ناهيك عن المئات من المبعدين وآلاف من البيوت التي هدمت.

يبدو أن آلهة العدالة الإسرائيلية معصوبة العينين قد طَوَّرت وسيلة نظر فوق بنفسجية يُمَّكِنُها من رؤية ومعرفة هوية الأشخاص العرقية الذين يمثلون أمامها وبناءً على ذلك تصدر سوابق قضائية مختلفة لليهود عن تلك التي تصدرها للعرب.

التعليقات