31/10/2010 - 11:02

عن الوحدة والاختلاف في ساحة الداخل../ خالد خليل

عن الوحدة والاختلاف في ساحة الداخل../ خالد خليل
لا ينبغي أن يؤدي التعدد والاختلاف إلى نفي وجود الثوابت المتفق عليها بين التيارات الرئيسية الفاعلة على ساحتنا، لا بل إن الإقرار بوجود هذه الثوابت يعد شرطا ضروريا في مشروع الوحدة، توخيا لتحقيق الاهداف السياسية لنا ، كجماعة قومية تعاني تمييزا واضطهادا عنصريين، على قاعدة الدمج الصحيح بين المدني والقومي بكل ما يحتويه من تناقضات فرضها الصراع التاريخي بيننا وبين الدولة العبرية.

فالمسألة المطروحة اليوم لم تعد حول التصور الذي يحمله كل تيار: ديني أم علماني، قومي أم شيوعي الخ....، بل هي كيف يمكننا التوفيق بين التصورات المتعدده في خضم التصدي للمشروع الاسرائيلي تجاه المواطنين العرب الفلسطنيين داخل الدولة؟!

ومما لا شك فيه أن ساحتنا السياسية حتى الآن تنازعتها نظرة الاستعباد والاقصاء من قبل التيارات المختلفة بعضها لبعض...
نقول ذلك كي لا ندخل في متاهات السجال الحزبي المعهود، والاستغراق في الاجتهاد وسوق الحجج من أجل تحميل المسؤولية لهذا الطرف دون غيره، فهي حتى وإن كانت متفاوتة، يتقاسمها الجميع بهذا القدر أو ذاك.

إن غلبة هذه النظرة (الاستبعاد والاقصاء) وتذويتها داخل البنى الحزبية، ساهمت في تحويلها الى نهج يصعب التخلص منه، مما أدى بالتالي إلى مزيد من التناقض بين الشعار والسلوك: فالذين رفعوا شعار الوحدة وقعوا في فخ الشرذمة والتفرق لأنهم لم يحسنوا التعامل معه كفكرة جوهرية يستدعيها بالحاح وجودنا المادي داخل الوطن. بل تعاملوا معه بطريقة أحادية الجانب تعلو من خلالها المصالح الضيقة والقوقعة الأنانية على الهدف المنشود، بدلالة فشل تلك القوى بتغيير علاقتها بالآخر وتطوير سلوكها نحو الأفضل. ومن نافل القول إن ذلك يرتبط ارتباطا وثيقا بغياب أو بعدم وجود أسس متفق عليها لممارسة حق الاختلاق والتعدد، الامر الذي يؤدي في بعض الحالات حتى للتحالف مع السلطة من اجل اشباع "شهية" تدمير المختلف.

أما في الحالات الأخرى التي هي بمنأى عن التحالف مع السلطة مهما حصل، أو لنقل إنها في المرمى المباشر للاستهداف السلطوي، فان رغبة الاقصاء والتدمير تجد حيزا في داخلها، تدرجه في معظم الاحيان في إطار "رد الفعل" وليس رغبة في الهيمنه الثقافية والسياسية!!

إننا بالطبع لا نرمي من وراء هذا التوصيف السريع الى الاستنتاج بضرورة الوحدة فورا ونبذ الفرقة والتنابذ، فهذه بحاجه إلى فتح حوار حقيقي وجاد مبني على اساس الاحترام المتبادل والنقد الحر والموضوعي للبنى والأحزاب والآليات السائدة في مجتمعنا.

هذه المقدمات في الحوار والنقد ليس بالضرورة أن تتوفر عن طريق الصدمات، وإنما يمكنها أن تنتج عن إرادة واعية ومسؤولية وطنية، تستند فيما تستند الى رؤية سياسة واضحة للأدوار المتوخاة لنا ولقوانا الفاعلة في دائرة الصراع المفروض قسرا علينا، والذي من ضمنه العمل الممنهج على تفريقنا.

ولعل النضال المشترك والبرامج والاستراتجيات الوحدويه لنشاطنا السياسي والثقافي، بمثابة مستلزمات لا غنى عنها في عملية خلق حالة من التنسيج والتشابك بين القوى الناشطة. وقد تكون الانتخابات البرلمانية، لما تتضمنة من بعد سياسي وتصادمي مع السلطة ومشاريعها، إحدى المحطات المهمة وصولا الى حوار أكثر عمقا، ليتسنى بالتالي إنجاز الوحدة حول مشروع سياسي وثقافي مشترك.

وفي هذا السياق لا أحد يبحث عن الإجماع أو إلغاء التعدد والاختلاف من حيث المشارب والمنطلقات الفكرية والثقافية، كما أنه لا أحد يتحدث عن الدمج التنظيمي في إطار واحد، فهذا بحد ذاته ضرب من الطوباوية البعيدة كل البعد عن الواقع.

تفيد التجارب المحلية أن الفروق بين الأحزاب والحركات الوطنية تتلاشى كلما ازدادت وتيرة التقارب واللقاء في ساحات العمل الميداني، وهكذا تخلي لغة الاستبعاد والإقصاء مكانها للغة الحوار والوحدة.

هذا ما تحقق مثلا بين ابناء البلد والتجمع في السنوات الاخيرة. وهذا ما تلمسه مؤخرا بين التجمع والحركة الاسلامية-الجناح الجنوبي، حيث باتت أجواء الاحترام المتبادل تخيم على العلاقة بينهما، مما أدى إلى خفوت حدة السجال بشكل ملموس. وهذا ما يفسر التقارب الكبير بشان تشكيل قائمة مشتركة في الانتخابات القادمة.

وباعتقادنا أن تشكيل مثل هذه القائمة بين التيارين الاسلامي والقومي سيشكل حافزا في قادم الأيام للقوى الأخرى التي ترفض حتى الان مثل هذه القائمة، بأن تغير من سلوكها ورؤيتها للعمل المشترك والفكر الوحدوي الحقيقي.

إن خطورة فكر الإلغاء ليس بما يتركه من آثار سلبية على الروح المعنوية لجماهيرنا فحسب، بل لأنه ينسجم مع سياسة الإلغاء والتدمير السلطوية ويقدم خدمات مجانية لها في هذه المرحلة ضد الآخر.
ولكن في المرحلة القادمة لن يفلت أصحاب هذه النظرة أنفسهم من سوط السلطة، وسيصيبهم ما أصاب الثور الأبيض في قصة كليلة ودمنة المعروفة، حين تآمر على الثور الاسود مع ملك الغابة ليبقى وحيدا، فانقلبت هذه المؤامرة عليه، الا أن اكتشافه كان متاخرا، مما جعله يقول: "أكلت يوم أكل الثور الأسود". نأمل ألا يحدث ذلك...

التعليقات