31/10/2010 - 11:02

عندما يتباكى الغرب "المتنور" على الشرق "المتخلف"!../ زهير اندراوس

عندما يتباكى الغرب
بغض النظر عن موقفنا من النظام الإيراني الحاكم وسياسته غير المقبولة علينا في العراق تحديداً، ودون أن نأخذ بعين الاعتبار معارضة أو تأييد ولاية الفقيه، ودون التطرق إلى تداعيات وإرهاصات الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخراً في هذه الجمهورية الإسلامية، وأسفرت عن فوز المرشح محمود أحمدي نجاد، وهل كانت هناك عمليات تزوير أدت إلى خسارة المرشح الإصلاحي، مير حسين موسوي، بصرف النظر عن جميع هذه العناصر بإمكاننا القول الفصل إنّ تباكي العديد من وسائل إعلام الدول العربية المصنفة إسرائيلياً وأمريكاً بالمعتدلة على انعدام الديمقراطية في إيران، هو أقل ما يمكن أن يُقال عنه، شر البلية ما يضحك، فالأمّة العربية من محيطها إلى خليجها، لا يحق لها أن توجه سهام نقدها إلى العملية الانتخابية الإيرانية، ولا يحق لها أن تهاجم المخابرات الإيرانية وأفراد الشرطة الذين، وفق مزاعم وسائل الإعلام عينها، قمعوا المتظاهرين وأشبعوهم ضرباً.

كما يمكننا في هذا السياق أن نلفت انتباه الإعلام العربي المتطوع لصالح الأنظمة الرجعية والدكتاتورية والشمولية إلى أنّه منذ الثورة الإسلامية تمّ في إيران انتخاب العديد من رؤساء الجمهورية بانتخابات ديمقراطية، وبالتالي ينهض السؤال المنطقي: متى انتخب حاكم عربي دون تزوير الانتخابات والنتائج؟ أليس العرب الأقحاح هم الذين أدخلوا إلى مدرسة العلوم السياسية الرقم 99،999 بالمائة؟ وهل المخابرات العربية تتعامل مع شعوبها برقة وحنان، أم أنّها تقمع بالشعوب وتصادر حرياتها وتحرق الأخضر واليابس من أجل الحفاظ على الزعيم وعلى النظام الحاكم، ولماذا نبعد كثيراً من الناحية الجغرافية، فقبل عدة أشهر تعرض أبناء شعبنا العربي الفلسطيني في قطاع غزة إلى أبشع عدوان من قبل آلة الحرب الإجرامية الإسرائيلية، وتضامن العالم مع هذا الشعب الذي قاوم أعتى جيش في العالم، أما في الضفة الغربية المحتلة فقد أصدرت حكومة الدكتور سلام فيّاض، بإيعاز من رئيس سلطة رام الله، السيد محمود عبّاس، الأوامر إلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية، التي تتدرب تحت إمرة الأمريكيين، وأفرادها ينضمون إليها بعد موافقة الإسرائيليين، أصدرت الأوامر بقمع المظاهرات المؤيدة للشعب المناضل في غزة هاشم، حتى تضامن الأخ مع أخيه، الذي حوّلته آلة الحرب الإسرائيلية إلى حقل تجارب للأسلحة الأمريكية المحرمّة دولياً، أصبح خارجاً عن القانون، لأنّ القانون الذي يسري في الضفة الغربية هو قانون الغاب، ليس إلا.

وبما أننّا جئنا على ذكر "عملية الرصاص المسبوك"، كما يحلو للإسرائيليين تسمية العدوان البربري على غزة أواخر السنة الماضية وأوائل السنة الحالية، فلا بدّ من تذكير الإسرائيليين، الذين يذرفون دموع التماسيح على "الإصلاحيين" الإيرانيين، وتقوم صحافتهم العبرية بالتطوع لنشر الفريات الدموية حول ما يحصل في العاصمة طهران وفي مناطق أخرى من إيران، لا بدّ أن نُذّكرهم بما فعلته الرقابة العسكرية الإسرائيلية خلال العدوان على غزة، ولكي نكون صادقين مع أنفسنا أولاً، ومن ثم مع الآخرين علينا التنبيه بأنّ الدولة "الديمقراطية" الوحيدة في العالم، أي الدولة العبرية، هي الدولة الوحيدة التي ما زال مقص الرقيب العسكري يعمل ساعات إضافية، ويمنع من وسائل الإعلام على مختلف مشاربها نشر العديد من القضايا متسلحاً ومتذرعاً بما يُسمى "الحفاظ على أمن الدولة"!.

خلال عملية الرصاص المسبوك، التي نفذها الجيش "الأكثر أخلاقية في العالم"، على حد وصف وزير الأمن الإسرائيلي، ايهود باراك، انضم إلى قافلة شهداء فلسطين المئات من الأطفال في عمر الورود، والمئات من المدنيين الآخرين، ولكنّ الكتيبة السابعة أو الثامنة أو التاسعة في جيش الاحتلال، أي الإعلام العبري، أو صحافة البلاط، لم ينشر شيئاً عما يفعله الجنود الإسرائيليون في قطاع غزة، وبما أننّا سلّمنا بالحقيقة بأنّ الإعلام العبري هو إعلام متطوع وليس مجنداً لصالح الأجندة الصهيونية المتطرفة، إلا أننّا نريد أن نوجه سؤالاً إلى الإعلاميين الإسرائيليين الذين يتباكون في هذه الأيام على إيران: لماذا لم تحتجوا على ما فعلت الرقابة العسكرية إبان العدوان على غزة؟ كيف وافقتم على تمثيل دور البوق الإعلامي لوزارة الحرب الإسرائيلية؟ وسؤال آخر لصنّاع القرار في تل أبيب، الذين أشبعونا دروساً في الديمقراطية: لماذا منعتم من ممثلي وسائل الإعلام الغربية من الدخول إلى غزة لتغطية أعمالكم "الأخلاقية" في القطاع؟ لماذا تكيلون بمكيالين؟ هل تعتقدون أنّ هذه السياسة ما زالت تنطلي على العالم؟ ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قامت الأبواق الإعلامية في الدولة العبرية بشن هجومٍ سافرٍ ومحمومٍ على فضائية (الجزيرة) القطرية التي كشفت أمام العالم بالصوت وبالصورة الممارسات الهمجية لجيش الاحتلال.

والشيء بالشيء يذكر: عندما قرر مدمن الكحول سابقاً ومجرم الحرب حالياً، المدعو جورج دبليو بوش، احتلال العراق بعد أن أمره الله بفعل ذلك، كما صرح في أكثر من مناسبة، تحوّل الإعلام الغربي الديمقراطي والمتنور إلى أداة بيد قوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية. بأوامر صادرة من وزارة الدفاع الأمريكية والبيت الأبيض، أو الأسود، تمّ منع وسائل الإعلام من تغطية الحرب الإجرامية على هذا البلد العربي والمسلم، وانضم الصحافيون إلى القوات الغازية في العراق، وكانت التقارير التي تُرسل إلى هيئات التحرير تمر عبر مقص الرقيب الأمريكي، وهي الدولة التي ينعتونها زوراً وبهتاناً بأم الحريات..

فبالله عليكم، أنتم الإعلاميين في الغرب، بأيّ حق تهاجمون اليوم النظام الإيراني لأنّه منع وسائل الإعلام الغربية من تغطية ما يجري داخل أراضيه التي تقع تحت سيادته؟ نسوق هذه الكلمات، على الرغم من أننّا لا نوافق على بناء جدران عزل عن العالم الخارجي، ونؤمن إيماناً مطلقاً بأنّه يجب السماح لوسائل الإعلام بنقل الصورة الحقيقية عما يجري في جميع أصقاع العالم، وليس عبر استعمال هواتف نقّالة، يقال إنّ المخابرات الأمريكية هي التي كانت تًحركها، وعندما تتحدثون عن تزوير الانتخابات، لماذا لا تُذّّكروا "الشرق المتخلف" أنّ الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن، تغلب على منافسه الديمقراطي، أل غور، ببضعة مئات من الأصوات، وقال حينها من قال إنّه جرى تلاعباً بفرز الأصوات لصالح الجمهوري بوش؟

أما عندما يتباكى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على ما يجري في إيران ويُحيّي الذين خرجوا إلى الشوارع للتظاهر ضد "النظام الظلامي" في إيران، فلا غضاضة في أن نعيد إلى ذاكرته الانتقائية أنّ العديد من الوزراء الإسرائيليين وضباط الجيش من أرفع المستويات ما زالوا يلاحقون من قبل المحاكم الأوروبية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بسبب أعمالهم وأفعالهم في فلسطين وفي لبنان. فمن هو الظلامي، إذن!.

على أيّة حال، يمكننا التوصل إلى نتيجة مفادها أنّ حالة الهستيريا التي تسود الغرب وإسرائيل أيضاً ليست نابعة من حرصهم المفرط للحفاظ على الحريات وعلى حقوق الإنسان، إنّما نابعة من أنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية ما زالت على الرغم من العقوبات المفروضة عليها، تواصل تطوير برنامجها النووي، وهو الأمر الذي لا يريده الغرب الحضاري، الذي كان وما زال وسيبقى ينظر إلى الشرق على أنّه مجمع للتخلف. وإذا افترضنا أنّ النظام الإيراني هو نظام شمولي ورجعي، فهل يحق لنا أن نسأل: من هم حلفاء الولايات المتحدة في العالم برمته، بما في ذلك الحكام والملوك والسلاطين العرب؟ هل أصبح هؤلاء الحكام يمثلون الحرية لأنّهم يُنفّذون السياسات الأمريكية الخبيثة؟. ومع أننّا نبعد ألف سنة ضوئية عن أفكار حركة (الإخوان المسلمون)، نرغب في طرح معادلة ساذجة للغاية: لماذا لا يتباكى الغرب على قمع الحركة يومياً من قبل النظام المصري؟ ولماذا ما زالت هذه الحركة محظورة في مصر، أم الدنيا؟

يقولون إنّ الصدفة خير من ألف ميعاد، ويوم الأربعاء (24.6.2009) قال رئيس بعثة الموساد الإسرائيلي (الاستخبارات الخارجية) إلى إيران في العام 1978، اليعزر تسفرير، لصحيفة (معاريف) العبرية إنّ شاه إيران طلب منه أن يقوم الموساد باغتيال زعيم الثورة الإيرانية، آية الله الخميني، وأنّ الرئيس الفرنسي، آنذاك، فاليري جيسكار ديستان، أوفد وزير الداخلية الفرنسي إلى الشاه وعرض عليه إرسال خلية لاغتيال الخميني الذي كان لا يزال في باريس، لكنّ الشاه لم ينتهز الفرصة، بمعنى أو بأخر، إسرائيل والدول الغربية أرادوا حينها، ويريدون اليوم قتل الثورة الإسلامية، بعد أن فشلوا في وأدها، لأنّها كانت ما زالت شوكة عالقة في حلقهم، وهنا بين القصيد، وهذا مربط الفرس.

التعليقات