31/10/2010 - 11:02

قال أبو معشر الفلكي!../ رشاد أبوشاور

قال أبو معشر الفلكي!../ رشاد أبوشاور
قلت لنفسي : ليس لي إلاّه، فكتب ماركس ولينين والتحليل الطبقي ليس فيها جواب على أسئلتي، لذا عدت إلى الجّد أبي معشر الفلكي، وهكذا وجدتني أندفع وأنبش تلال الكتب غير آبه بالغبار الذي يتطاير في عيني وأنفي وفمي، فالغاية نبيلة والقصد وطني.

ارتفع صوت وجف قلبي منه، فلا أحد معي في المكتبة، ولا أحد على مقربة من الباب والنوافذ.
- لماذا توقظني من رقادي يا رشاد؟!
بصوت يتلجلج:
- مولانا.. وتتذكّر اسمي يا مولانا؟!
- يا بني لدي ذاكرة لا تخيب، فمنذ زرتني طالبا عوني في تحنين قلب تلك البنت عليك.. لم تغب عن بالي.
- مولاي: تلك ولدنات مراهقة، أنا جئتك اليوم بأسئلة أملي أن تعينني في الإجابة عليها لأنها تهّم العالمين العربي والإسلامي، وفي المقدمة منهما الشعب الفلسطيني المنكوب بأعداء غلاظ القلوب، وبقيادات لا ترعوي ولا تتوب.
بصوت خشن عريض:
- يا بني أنا أبص في الأرقام، وأطالع حركة النجوم، فأحزر البخت، و..أتوقّع، مع إنني رجل مؤمن، وأعي أن المنجمين كذبوا ولو صدقوا.

بشيء من التوسّل:
- أعنّي يا مولانا، فأنا فلسطيني، وأنت تقدّر ما نحن فيه من بلاء.. فنحن منقسمون، محاصرون، وقافلتنا تائهة لا رأس لها ولا حُداة، و..
- قطّعت قلبي.. هات أسئلتك واختصر!
- يا مولانا..لدي أسئلة كثيرة، أولها: ما رأيك في نتائج مؤتمر فتح و..انتخابات اللجنة المركزيّة؟

هيئ لي أنني أسمع بكاءً فرفعت رأسي وأجلت نظري، وإذا بي أرى ويا للعجب رأسا معممة، ووجها يتوارى فكّه السفلي وخداه وأذناه، ولا يبين سوى جبينه، في لحية كثّة شائبة منسدلة على الصدر، والعينان تفيضان دموعا:
- أهذا سؤال يا رشاد؟! يا بني هذا يحتاج لجواب بحجم كتاب رأس المال.
- الله اكبر.. وتقرأ أمهات الكتب الماركسيّة؟
- ما دمت أقرا الغيب، فكيف لا أقرأ الكتب التي كنتم تقرأونها وتخليتم عنها.. ثمّ كيف سأناقش نايف حواتمة لو باغتني يوما بتوجيه أسئلة عويصة في واحدة من مداخلاته التي تبدأ ولا تنتهي؟
- لم تجبني يا مولاي على سؤالي!
- باختصار: أنا لدي سؤال: أكانت النتائج ستكون هي نفسها لو عُقد المؤتمر في بلد عربي، وليس في كنف الاحتلال ورضاه وتسهيلات منه؟!

سمعني أتمتم، فارتفع صوته غاضبا:
- بماذا تُتمتم؟! تقول لنفسك جئت أسأله وها هو يسألني. أليس السؤال جوابا في كثير من الأحيان؟!
سألته : وكيف ترى تفنيش قريع؟
ضحك، وقال: كبّر عقلك يا رجل.. هذا يُريح أبا مازن من منافس من البيت الأُوسلوي، ويطمئن أبا ماهر إلى أنه صار الرجل الثاني، ومسؤولاً للتنظيم والتعبئة...
- التعبئة بماذا؟ أنا سمعت عزّام يصرّح بعد أن فاز بما نسبته 25% من أصوات المؤتمرين: الحركة ليست عقائديّة، ولا أيديولوجيّة، والإعلام لا يفهمنا...
- وماذا عن فوز الوجوه الجديدة؟!
- أمرك عجيب يا بني. وجوه جديدة!..وهل أنتم بصدد إنتاج أفلام سينمائيّة، ومسلسلات.. وتبحثون عن وجوه شبّاك تذاكر بدلاً من نجوم أفلوا بعد أن عجّزوا، وتدلت كروشهم وانتفخت على بطونهم، وما عادوا يصلحون في زمن انتهت فيه أدوار الآباء؟!

وإذ استثقل طول صمتي، سألني هو:
- مانديلا عمره فوق التسعين.. فهل مثلاً (...) بشاربه الذي يشبه شارب ( بولتون) مندوب أمريكا بوش في مجلس الأمن، أكثر شبابا وحيويّةً وثقافةً وصلابةً وحضورا ووفاء لشعبه وقضيته من مانديلا؟! عجيب أمركم! من أين تأتون بهذه المصطلحات؟ حتى إنني سمعت بعضكم يتحدث عن أخلاق بعض من فازوا بعضوية اللجنة المركزيّة. الأخلاق مهمة، وضروريّة.. ولكنها وحدها تنفع لترشيح عريس تزوجه ابنتك، أو أختك، أو.. أمك إن كنت ابن شهيد على أن لا يكون من آكلي مال اليتيم ابن الشهيد، وأرملة الشهيد. الأخلاق ليست مزيّة وحيدة كافية ليتبوّأ بسببه شخص ما عضوية اللجنة المركزيّة لحركة تقود شعب فلسطين!
الشباب في المؤتمر الرابع لفتح برز من يمثله أحسن تمثيل. أنسيتم ماجد أبو شرار؟ - الذي اغتيل في روما يوم 9 تشرين أوّل عام 81، ولم يتّم التحقيق في اغتياله حتى اليوم؟! - كان كاتبا، مثقفا، سياسيّا بارعا في حبك علاقات متينة مع قوى سياسيّة لبنانيّة وطنيّة، وعربيّة، وعالميّة.. يعني يتميّز بكفاءات كما تقولون فما هي كفاءات كثيرين ممن فوّزوا؟ اسأل الذين فوّزوا واحدا واحدا: كيف ترى مسيرة سلام أوسلو يا أخ -طبعا لم يتّم تفويز أية أخت!- وهل ما زلت تؤمن بأن دولة فلسطينية ممكنة التحقق بعد أن نهب الاستيطان كل الأرض، وهل حقّا ستكون القدس العاصمة المأمولة بعد كل ما جرى ويجري لها؟
إن مرجعيتهم يا بني هو كتاب ( الحياة مفاوضات)!
- يا مولانا : هناك ما حيّرني بعض الشيء..كيف تُفسّر لي فوز رجالات الأمن، وقادة الأجهزة بأصوات متقاربة، رغم خلافاتهم وصراعاتهم السابقة واللاحقة، وكأن المصوتين أوصوا بوضع أسمائهم معا، وكأنهم يمثلون تيارا سياسيّا فكريا، و..؟!

مسّد مولانا أبو معشر على لحيته، وخلل أصابعه فيها، ثمّ رفع رأسه وفي عينيه وميض غضب:
- أتمتحنني يا رشاد؟ أم إنك ترديني أن أنطق أنا شخصيّا بالحكم على هذا الأمر العجيب وما هو بعجيب؟
- لا والله يا مولانا، بل مستعينا بحكمتك، وبلغة الأرقام، وحركة النجوم والأفلاك، لا تحركات الجنرال دايتون في الضفّة وترتيباته، لا سيّما لما هو آت، ويا ويلتاه مّما هو آت...

لم أكن أعلم أن جدنا يملك ميلاً للفكاهة، إلاّ عندما سخر من كلامي :
- الثورة الكوبيّة استعان قائدها كاسترو بجيفارا الأرجنتيني.. وأنتم تستعينون بالجنرال دايتون الأمريكي.. وهكذا فأنتم انتقلتم من الاستعانة بالشيخ القسّام وبسعيد العاص العربيين السوريين، إلى الاستعانة بصديق أمريكي ينتمي لعقيدة جيش الديمقراطيّة الأمريكي الذي رأيتم أفضاله وصنائعه في العراق! ألا تستعينون بصديق في برامجكم التلفزية المسليّة، والتي يربح بعضكم فيها بعض المال، ويربح أصحاب فضائيات التسلية وتزجية الوقت ثروات لا تحصى!.
- أجبني يا مولانا.
- أما حلمتم بتحقيق الوحدة الوطنيّة؟ ها هي الوحدة الأمنيّة قد تحققت بتحالف رؤوس الأمن! وهي تنبئ بما يخبئه لكم المستقبل غير البعيد. لقد عذبتني يا بُني وأمللتني ويئستني من حالكم...
- ألا فسحة من أمل يا ملانا؟!
- بل الأمل موجود يا بني، وأنت تعرف هذا، فلو كنت يائسا ما لجأت إلى. إنك تبحث عن أجوبة لأسئلة يبدو أنها تؤرّق كثيرين. اذهب وقل لهم جميعا: الأجوبة واضحة، وهي ليست في كتاب الفلكي، ولا غيره، فما ينتظركم بيّن. فماذا تنتظرون؟ والآن: أعدني يا بني إلى العتمة والهدوء فقد أقلقت سكينتي. اذهب يا رعاك الله، وارفع صوتك محذرا ومنذرا...

رفعت أكداس الكتب، ودسست في قاعها كتاب جدنا الفلكي، وأنا أكلّم نفسي:
- وما الذي أفعله أنا وغيري منذ سنين؟ ألسنا نكتب، ونصرخ.. محذرين منذرين؟!.. يا ناس.. اصحوا و..افعلوا، وإلاّ...

التعليقات