31/10/2010 - 11:02

قراءة سياسية إقليمية لخبايا وخفايا المواجهات الدامية في مخيم نهر البارد../ يونس العموري

قراءة سياسية إقليمية لخبايا وخفايا المواجهات الدامية في مخيم نهر البارد../ يونس العموري
أولا ثمة ملاحظة لا بد من إبرازها ووضعها في سياقها الصحيح قبل تناول التحليل السياسي هذا لما يجري في لبنان هذه الأيام. وتحديدا تجاه ما جرى وما يجري في مخيم نهر البارد، وهذه الملاحظة قد أضحت حقيقة، اعتقد وإن كانت مكررة إلا انه لا بد لنا من إظهارها في سياقها العام وهي تلك المتمثلة بما يسمى بفتح الإسلام..

فمرة أخرى يعود اسم (فتح) الى التدوال في أعمال أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها لا تمت بصلة لطبيعة وأدبيات وأصالة ومسار حركة فتح... هذه الحركة الذي بات فعل التشويه يطالها من كل حدب وصوب... والتي ظلت ممانعة عصية على الإنكسار حتى الأمس القريب وقبل أن يستولي عليها الكثير ممن يدعون انتماءهم لها وحرصهم عليها وعلى أصالة مسيرتها... وعلى حقيقة مواقفها ... فقد باتت فتح اليوم عنوان لسيطرة الفعل المليشوي على اسمها وتاريخها... وباتت بنفس الوقت حاضنة لكل من يرتهن لأجندات الآخر والغريب عن الأجندة الوطنية الفلسطينية، وأصبحت بنظر الكثيرين مجرد حزب أو حركة تهدف أولا وآخرا للسيطرة على نظام الحكم بصرف النظر عن الأثمان جراء هكذا سيطرة.. بل انها باتت ولا نجافي الحقيقة هنا هلامية الشكل والتوجه... تمارس الفعل الفوضوي المبرمج خدمة للبعض ممن يعتدون على تاريخها وشهدائها وممن يأتمرون بأمراء الفعل المليشوي والمناطقي وحتى أمراء الفعل الإقليمي ذاته... وفتح الأسلام قد جاءت لتكمل المشهد في ظل ضياح حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح....

أردت إبراز هذه الملاحظة أولا قبل الولوج والعبور بالتحليل السياسي المستند للرؤية الإقليمية والدولية لمجريات ما يجري على الساحة اللبنانية وذلك بهدف ربط الأمور ببعضها ومحاولة كشف حقيقة خبايا وخفايا الأمور...

فبلا شك فقد تحولت حركة "فتح الإسلام" إلى قضية محورية في ملف الأمن اللبناني الداخلي مؤخراً، واكتسبت أهمية متزايدة في البعد السياسي- باعتبار الأمن اللبناني أمناً سياسياً في المقام الأول- حيث اعتبرتها أطراف السلطة اللبنانية دليلاً على التورط السوري في الشأن الداخلي، من باب زعزعة الأمن على حد تعبير الأكثرية اللبنانية، وهو الأمر الذي يعكس حقيقة أجندة الأكثرية، والتي غالبا ما تسارع الى القاء التهم بشكل تلقائي بالإتجاه السوري .في حين تعتبرها المعارضة دليلاً على وجود تطرف في لبنان مرتبط بتنظيم "القاعدة"، ازدادت قوته مع حالة "الشحن المذهبي" بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وتراخي القبضة الأمنية المركزية للدولة تجاه تلك الظواهر.

ويعود تاريخ ظهور هذا التنظيم إلى حوالي عام، حين صدر بيان يحمل اسم "فتح الإسلام" شرح فيه (التنظيم) الأطر العامة لحركته، والتي تقوم على "الجهاد لتحرير فلسطين" من منطلقات إسلامية، شاء وضعها في مواجهة الفكر التقليدي لسائر الفصائل الفلسطينية التي اتهمها بالفساد أو العلمانية، على تعبيره. وعزز من تلك الشبهات لجوء التنظيم إلى استخدام أدبيات القاعدة وشعاراتها وأساليبها الإعلامية، وقد دأب على بث بياناته باستخدام مواقع إلكترونية، غالباً ما تبث بيانات وأشرطة لتنظيمات متشددة، بالتزامن مع تحذير القائد السابق للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان من إمكانية قيام "القاعدة" باستهداف قواته. وكانت التقديرات الأولية ترجح أن عدد عناصر التنظيم لا يتجاوز 150 مقاتلاً، غير أن قدرتهم على المناورة ضمن منطقة واسعة نسبيا،ً مثل قضاء طرابلس، الأمر الذي أوحى لإحتمال أن عددهم أكبر بكثير مما هو مقدّر، أو أنهم تلقوا دعم من شبكة التنظيمات المتشددة المحلية، التي سبق وخاضت مواجهات دامية مع الجيش اللبناني عام 2000.

التقارير تفيد أن تلك المجموعة انشقت في بادئ الأمر عن تنظيم فتح- الانتفاضة، وقاد انشقاق فتح الإسلام، شاكر العبسي، وهو عضو سابق في حركة فتح، أرسلته الحركة في السبعينات إلى ليبيا للتدرب على الطيران، وعاد بعدها ليظهر في الأردن عام 2002، حيث يُنسب إليه الضلوع باغتيال الدبلوماسي الأمريكي لورنس فولي، وقد صدر بحقه حكم غيابي بالإعدام في هذه القضية. ولا يعرف على وجه التحديد طبيعة العلاقة التي ربطت العبسي بسائر المتهمين في هذه القضية، وعلى رأسهم الزعيم السابق لتنظيم "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" أبو مصعب الزرقاوي.

بعد ذلك ظهر العبسي في دمشق، حيث صدر بحقه حكماً بالسجن بتهمة محاولة إدخال أسلحة إلى الأردن، وأطلق سراحه بعد عامين فقط، ليعود فيظهر فجأة في معسكر تابع لتنظيم "فتح الانتفاضة" في بلدة حلوة اللبنانية، الواقعة على الحدود السورية لجهة البقاع الغربي.

وقد غادر العبسي المعسكر مع عدد مع أنصاره بعد اشتباك مع عناصر من الجيش اللبناني، ليستقر في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بشمال لبنان، وخاصة في مخيمي البداوي والنهر البارد، حيث أخذ من موقع مؤسسة "صامد" التابع لـ"فتح الانتفاضة" مركزاً له، قبل أن تدّعي تلك الأخيرة أنه استولى عليه بالقوة.

وطرح اسم فتح الإسلام بقوة في 12 مارس/آذار الماضي، لاتهامه في تنفيذ تفجير حافلتي ركاب في منطقة عين علق، ذهب ضحيتها ثلاثة قتلى والعديد من الجرحى، حيث تم توقيف بعض المشتبهين، واتهم وزير الداخلية اللبناني حسن السبع صراحة الاستخبارات السورية برعاية التنظيم. أما سوريا، فقد نفت بحزم هذه الإتهامات، مؤكدة أن المجموعة تنتمي إلى تنظيم القاعدة، حيث قال وزير الداخلية السوري، اللواء بسام عبد المجيد، إن 'فتح الإسلام "أحد تنظيمات القاعدة التي تخطط لأعمال إرهابية في سورية." وهنا يجدر بالذكر أن هذا التنظيم "فتح الإسلام" كان قد مارس الكثير من الأعمال الإرهابية في عمق الأراضي السورية..

وبرز في تحقيقات قضية عين علق وجود أربعة موقوفين سوريين وثلاثة سعوديين على الأقل، حيث تردد أنهم أوقفوا في مطار بيروت الدولي، وبينهم عبد الله بيشي، وهو مطلوب في السعودية، قيل إنه دخل لبنان من سوريا قادماً إليها عبر إيران.

غير أن المصادر الأمنية المتابعة عزت وجود السعوديين في هذه المجموعة إلى وقوعهم في شرك الخداع، حيث كانوا يرغبون بالذهاب إلى العراق، وقد تم إيهامهم بذلك، غير أنهم اكتشفوا أن المجموعة ترغب بتنفيذ عمليات في لبنان، مما دفعهم إلى محاولة المغادرة، لتوقفهم القوى الأمنية اللبنانية في مطار بيروت.

وأمام هكذا وقائع لما يسمى بفتح الإسلام لا بد من طرح سؤال اعتقد ان الإجابة عليه تشكل واحدة من المعابر الفعلية والحقيقية لمحاولة فهم خفايا تفجير الوضع الداخلي في لبنان.. لماذا جاء هذا التصعيد في هذا الوقت بالذات، وبالتزامن مع طرح ما يسمى بالمحكمة الدولية على مجلس الأمن الدولي ليُصار الى اتخاذ قرار أممي فيها تحت الفصل السابع الأمر الذي يفقد لبنان سيادته ويجيز للقوى الدولية وعلى رأسها طبعا الإدارة الإمريكية بالتدخل بالشأن اللبناني الداخلي...؟؟ وهل من الممكن اعتبار أن المواجهات في مخيم نهر البارد بعيدة عن جرائم استهداف العمق اللبناني من خلال التفجيرات والتي كانت آخرها تفجير الأشرفية والفردان...؟؟ اعتقد أن زج الجيش اللبناني في مواحهات نهر البارد لها اكثر من دلالالة وبأكثر من بعد على اعتبار ان قدرات وامكانيات الجيش اللبناني معلومة ومعروفة، ولا تقوى على مواجهة هكذا مواقف الا اذا كان المطلوب تفجير الوضع الداخلي بعناوين جديدة وزج قوة الجيش في معركة خاسرة لا يقوى على حسمها عسكريا والدليل على ذلك التعمد في اعطاء قيادة الجيش معلومات خاطئة وغير صحيحة من قبل فرع المعلومات والأمن... كما أن السيد ديفيد ولتش كان قد قال لحكومة السنيورة ان الأوضاع الداخلية في لبنان على شفا الإنفجار، وهو ما يؤكد أجندة الفعل الأمريكي في لبنان بالعنوان الجديد والمتمثل هذه المرة بفزاعة فتح الإسلام لأهذاف متعددة لعل ابرزها:

• اضعاف الوضع الداخلي اللبناني اكثر وحشر المعارضة الوطنية على خلفية مواجهة الجيش الرسمي قوة متطرفة كقوة فتح الاسلام.
• اظهار عجز الجيش اللبناني ذاته وبالتالي البدء بالمطالبة بالتدخل الدولي ونشر قوات دولية على الحدود السورية اللبنانية بهدف خنق وعزل المقاومة.
• اقرار نظام المحكمة الدولية في مجلس الأمن تحت الفصل السابع على اعتبار ان لبنان الرسمي غير قادر على اتخاذ قراره.
• محاولة فتح الملف الفلسطيني في لبنان من جديد على قاعدة التخلص من البؤر الأمنية (المخيمات).

إن ما يجري في لبنان لا يمكن عزله بالمطلق عما جرى ويجري بالأراضي الفلسطينية ذاتها... على اعتبار أن فعل الإقتتال الداخلي أيضا يحمل بصمات تحريكية إقليمية لها أجنداتها الخاصة الهادفة الى توتير الواقع الفلسطيني الداخلي من خلال زج اسم فتح في اتون هذا الصراع وذلك بأدوات فتحاوية وحمساوية لها اجنداتها المتضاربة على الأرض.. باضافة الى التصعيد العسكري الإسرائيلي ليُصار بالتالي الى المناداة بالحل الإقليمي المستند الى الطرح الدولي، والذي اعتقد أنه ربما مجهزا لدى الإدارة الإمريكية والأنظمة الإقليمية في المنطقة، وبالتالي إيجاد أي من المعادلات التي قد تضمن سيطرة الفهم الإمريكي الإسرائيلي العربي الرسمي لشكل الحل المطروح في فلسطين وفرض الوصاية الدولية بشكل او بآخر في لبنان وعزل المقاومة ومحاولته انهاءها من على هذه الساحة كمقدمة لأنهيار الممانعة العربية ككل.

التعليقات