31/10/2010 - 11:02

هل تجوز المطالبة بالحقوق بعيدا عن “السياسة”؟../ حنين زعبي

هل تجوز المطالبة بالحقوق بعيدا عن “السياسة”؟../ حنين زعبي
هل يستطيع العربي داخل أو خارج الكنيست أن يتحدث عن مساواة من دون ربطها بـ”السياسة” كما يطالبنا البعض، قاصدين سياسة الدولة تجاه العرب. الجواب النظري والمنطقي هو: لا.

لكنني حاولت خلال الشهر الأول من دخولي الكنيست أن أكون „ لا سياسية”، وأن أحاول أن „أنقي” قدر ما أستطيع المساواة من القومية!، وأن أركز أهتماماتي – داخل الكنيست- على موضوع البطالة، الأزمة الاقتصادية، وفرص العمل للنساء العربيات، بصفتها موضوعات مدنية أو خدماتية بحتة (أنا غير مقتنعة بذلك طبعا، لكن حاولت أن أتصرف وكأنني مقتنعة)، من دون أن أدخل في صهيونية الدولة ودولة المواطنين والصراع القومي، والقاموس الذي يتعب الكثيرين منا، (اللي مش متعودين عالشقا).

وإليكم النتيجة بعد حوالي شهر ونصف: حتى في عز تدهور اقتصادي يعصف بالعرب منذ عشر سنوات، وفي عز أزمة اقتصادية ستطال المجتمع اليهودي والعربي أكثر، هنالك من يحمّل العرب مسؤولية الضائقة الاقتصادية، بدل تحميل المسؤولية الحقيقية لسياسات حكومية تستند إلى أمرين: أولا سياسات إفقار العرب، بغض النظر عن البحبوحة أو الضائقة الاقتصادية العامة في الدولة، وثانيا، سياسات اقتصادية عامة ربطت إسرائيل بالاقتصاد العالمي.

وسأشير تحديدا إلى ثلاث نقاط: الإشارة الأولى، هي لجنة مكانة المرأة التابعة لمكتب رئيس الحكومة (أنظروا الموقع الألكتروني) والذي فيه يحمل المجتمع العربي وثقافته „المحافظة” مسؤولية عدم تشجيع المرأة للخروج للعمل، متناسين أن نسبة الاستثمار مثلا في ميزانية الصناعة في الوسط العربي هي 1%، ومتناسين إهمال الدولة المتواصل لتطوير البنية التحتية وتطوير أماكن عمل في المجتمع العربي، ومتجاهلين أن هذا المجتمع المحافظ لا يتوانى عن إرسال فتياته لنيل العلم في مدن بعيدة عن مكان سكناها، حيث تضطر للمبيت خارج البيت لفترات طويلة، لنيل شهادة أكاديمية.

الإشارة الثانية، هي تصريحات ايلان جلئون الشخصية الثانية في حزب ميرتس، في سابقة لم يسبقه إليها أحد حتى من اليمين الإسرائيلي، خلال مناقشات في هيئة الكنيست، من أن الأحزاب العربية معنية بتدهور حالة العرب الاقتصادية، ومعنية في ما معناه باستمرار الأزمة الاقتصادية لأن ذلك هو مبرر وجودها!!. ولن أطيل في هذه النقطة إذ سبق لي أن تطرقت إليها خلال سياق آخر.

أما الإشارة الثالثة فهي صحيفة هآرتس، التي تمثل ليبرالية إسرائيلية في أوسع معانيها وأضيق قواسمها المشتركة، من خلال افتتاحية ومقال نشرا على مدار يومين متتاليين، قبل حوالي أسبوعين، يعزيان مسؤولية فقر العرب إلى عدم استعدادهم للعمل، وإلى تهربهم من فرص العمل! مفضلين إنجاب الأولاد والاعتماد على مخصصات تأمينهم..!

ولم يكن موضوع المقالين الأزمة الاقتصادية بل كان حول قرار نتانياهو زيادة مخصصات التأمين للأولاد كجزء من الاتفاق الائتلافي مع حركة شاس الدينية. وتم وصف هذا القرار كقرار غير صهيوني، يقوي القوى غير الصهيونية في الدولة! ويزيد الخطر الديمغرافي لأن العرب سيعودون لإنجاب الكثير من الأولاد بعد أن توقفوا عن ذلك منذ 2003، نتيجة قرار مناقض اتخذه نتانياهو أيضا.

إذاً في عز الأزمة الاقتصادية التي تواجه الدولة، والتي تعصف بالعرب عصفا، والتي أودت بمئات منهم خلال الشهرين الأخيرين فقط إلى قائمة „الانتظار” للبطالة، تنشئ هآرتس افتتاحيتها، ومن خلال تمحورها ليس حول عملية تفجيرية، بل حول موضوع اقتصادي بحت من خلال التذكير بأننا خطر ديمغرافي، وبأننا قوى „غير صهيونية”، وبأننا المسؤولون عن فقرنا كوننا „لا نحب” العمل.

وتنسى "افتتاحية اليسار"، بأننا توقفنا عن الزراعة بعد أن صودرت الأرض، وليس لأننا توقفنا عن حب الأرض والعمل فيها، وأننا حتى بعد أن صودرت أراضينا ذهبنا للعمل فيها لدى „مالكيها” الجدد، لحين أن استبدلتنا الدولة بعمال أجانب، تم تفضيلهم على العرب، الذين طردوا مرة ثانية من أراضيهم كعمال فيها، بعد أن سبق وطردوا منها كمالكيها.
وأننا كعرب لا نتردد عن العمل في الكثير من المهام التي يتردد اليهودي في العمل بها، والتي لا تفضلها الـ” عمل العبري”، وأننا نحارب مخططات الدولة في استيراد عمال أجانب تعاملهم كبضاعة، لمجرد التخلص من قوى العمل العربية.

وتنسى هآرتس أن السبب الأول والرئيسي لفقر العرب هو عدم توفر أماكن عمل، وأن نضالنا الأول هو في الحفاظ على مواقع عملنا الحالية، وفي توفير فرص وأماكن عمل لمئات وآلاف من المطرودين من العمل أو أولئك الذين لم يجدوا عملا أصلا، وأن نضالنا بالتالي هو ليس من أجل رفع مخصصات التأمين أو البطالة، بل هو أولا من أجل توفير فرص عمل، بحيث لا نحتاج معها لمخصصات تأمين أو بطالة.

وتنوه هآرتس في نفس المقالين بأن الدولة „تقتطع ضرائب من قطاعات تعمل لتمول حياة قطاعات تختار ألا تعمل” قاصدة العرب والمتدينين، مغفلة أن العرب هم القطاع الوحيد الذي لا يسترد الضرائب التي يدفعها على شكل خدمات من المفروض أن تمولها تلك الضرائب، بينما يتمتع القطاع اليهودي بشقيه المتدين وغير المتدين، بخدمات تفوق كثيرا الضرائب التي يدفعها.

إذا، المطلوب هو ليس فصل „الحياة اليومية” عن „السياسة العامة”، فإذا نحن فصلنا ونسينا، فهم لن يفصلوا ولن ينسوا، وإذا نحن فصلنا ونسينا، فسنخسرهما معا.
المطلوب هو، الربط الصحيح بين القضايا اليومية وبين النضال القومي، وكلاهما سياسة.

التعليقات