31/10/2010 - 11:02

ويبقى الوطن مستباحاً..العراق وفلسطين والسودان../ راسم عبيدات

ويبقى الوطن مستباحاً..العراق وفلسطين والسودان../ راسم عبيدات
.. بناء على طلب من الخارجية الأمريكية، والتي أصبحت المشرع والبديل والآمر النهائي بشأن المؤسسات الدولية، وتحديداً بعد أحداث أيلول/ 2001، أصدر مدعي عام محكمة الجنايات الدولية "لويس مورينو أوكامبو" أمراً باعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير، بحجة وذرائع ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في دارفور. والشيء اللافت للنظر هنا أن تلك الأوامر والقرارات والتعليمات الصادرة عن هيئات ومؤسسات دولية في هذه القضايا بالذات، تختص بشكل خاص بالعرب والمسلمين الخارجين عن عصا الطاعة الأمريكية والأوروبية الغربية، وكذلك حال قادة الدول المتصادمين والرافضين للمشاريع والأهداف والرؤى والتوجهات الأمريكية على المستوى الدولي. ونعرف جميعا سبب الحصار الذي تفرضه أمريكا على كوبا حتى اللحظة الراهنة، والمصير الذي آل إليه الرئيس التشيكي"ميلوسفيتش"، وماذا ينتظر قادة أمريكيا اللاتينية، وعلى رأسهم القائد الثوري الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، وكذلك حال كوريا الشمالية وإيران والمصنفات أمريكياً ضمن ما يسمى محور الشر.

ومن هنا فالذي يحكم ليس القانون الدولي، وما يتفرع عنه من مبادئ وقيم، فهذه القيم والمبادئ والتمسح بها فقط يكون عندما تخدم الأهداف والمصالح لدول الاستكبار والظلم العالمي، وفي مقدمتها أمريكا، والتي لا تتورع عن ارتكاب مجازر حرب وإبادة جماعية، كما حدث ويحدث في العراق وأفغانستان. ويحظر على المؤسسات الدولية مساءلة أو حتى إدانة واستنكار ما تقوم به أمريكا وحلفاؤها الغربيون من جرائم حرب وتطهير عرقي، حتى أن الحكومات المنصبة أمريكياً في هذه الدول لا يسمح لها باعتقال أو استجواب أي من جنود وقادة تلك القوات عند ممارستها وارتكابها لتلك الجرائم.

ولعل الجميع يذكر كيف، لم يستطع بل ومنعت أمريكا بالقوة مجلس الأمن الدولي، من إصدار بيان إدانة هزيل، للمجزرة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في بلدة قانا اللبنانية، أثناء حربها العدوانية على لبنان في تموز/2006 .

إن استباحة الوطن العربي أرضاً وشعوباً وقيادات، والنهب المستمر والمتواصل لخيراته وثرواته، وعملية التقسيم والتجزئة والتذرير بحق جغرافيته، ونشر سياسة الفوضى الخلاقة والحروب الطائفية والقبلية والعشائرية والجهوية بين شعوبه على المستوى القطري والقومي، هو من أجل تعميق حالة الانقسام والخلافات فيما بين شعوبه، ودفعها نحو المزيد من الضعف والذل والهوان، وبحيث غدا استدخال الهزائم واستجلاب القوات الأجنبية ومنحها القواعد والتسهيلات، من أجل شن عدوانها على قطر عربي آخر نصراً مؤزراً وخدمة للقضايا والأمن والمستقبل العربي.

إن التطاول والتعدي الأمريكي والغربي السافرين على الحقوق والشعوب العربية ومحاكمة وإعدام قادتها ورؤسائها، ليس نتاج قوة وجبروت أمريكيا وحدها، بل هو نتاج حالة الضعف والانهيار العربي الشاملين، والتي لم تطل فقط الأنظمة الرسمية، بل أيضاً كانت وما زالت هناك حالة من العجز القاتل تنخر جسد قوى البديل مجتمعة القومية والوطنية والثورية والإسلامية منها، وفقدان الإرادة والارتهان للخارج وليس لشعوبها من أجل توفير الحماية والدفاع عنها، وسياسة الاستجداء والارتهان والتخلي عن خيار المقاومة، هو العامل الأساس الذي قوى من سطوة أمريكا والغرب الاستعماري على الاستباحة الشاملة للوطن العربي.

فما كانت أمريكا وحلفاؤها الغربيون قادرين على احتلال العراق وتدميره ونهب خيراته وثرواته، وقتل وتهجير أبنائه، لولا ما توفر لها من تغطية ومشاركة وتسهيلات من الكثير من الدول العربية. وهذا الانهيار والعجز العربي، والذي وصل حد المهانة واعتبار الأمة العربية أمة خارج الحسابات الدولية، حتى في وجودها وقضاياها المصيرية، وعدم مراعاة أية قيمة أو حرمة لها حتى في مناسباتها الدينية والوطنية، ولتقم تلك القوات وبأدوات محلية نصبتها على الشعب العراقي،بإعدام الرئيس صدام حسين، ليلة عيد الأضحى المبارك، وبطريقة تقشعر لها الأبدان، وفي رسالة واضحة للحكام العرب قبل شعوبهم، بأن من يشق عصا الطاعة الأمريكي، سيكون مصيره مصير صدام حسين، والذي رفض بكل عزة وعنفوان وكبرياء المساومة على بلده، وليكون كبيراً في مماته، كما كان في حياته.

إن عملية إعدام القائد الشهيد صدام حسن، كان يجب أن تشعل الضوء أمام كل القادة والزعماء العرب، وأمام أحزابها وقواها الثورية، بأن حماية الأوطان والدفاع عنها لن تكون إلا بتقوية وتصليب العامل الذاتي، ورفع شأن خيار المقاومة والدفاع والأمن العربيين المشتركين. ولكن بدلاً من ذلك كنا نشاهد ونرى أن النظام الرسمي العربي أوغل في الإذلال والاستكانة، وخطا خطوات نحو تعميق وتعزيز الارتهان والخضوع للأمريكان والغرب، إلى حد التحالف معه ضد القضايا والحقوق العربية. ففي الوقت الذي كانت تحاصر فيه القوات الإسرائيلية الرئيس الشهيد عرفات في المقاطعة في رام الله لم يجرؤ أي زعيم عربي على مهاتفته، ورفضوا حتى السماح له بمخاطبتهم في القمة العربية عبر الهاتف، ولاحقاً عندما أقدمت إسرائيل على قتله بالسم، لم تطلب أية دولة عربية، ليس محاكمة قادة إسرائيل كمجرمي حرب، بل وحتى التحقيق في عملية القتل تلك، في حين ولأهداف لا نخالها تخفى على أحد، عندما جرت عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، كيف جرى الاستنفار الأمريكي- الأوربي الغربي، من أجل إجراء تحقيق دولي في اغتياله، وتشكيل محاكم دوليه لهذا الغرض.

واليوم مع ازدياد الوضع العربي بؤساً وذلاً، ووصول حالة الانهيار والتراجع والانكسار أبعد وأعمق مداياتها، وهي التي دفعت بالعديد من قادة النظام الرسمي العربي، للقول باستجداء أمريكا، ووصف عملية حزب الله بأسر الجنديين الإسرائيليين، والتي أثمرت عن تحرير القنطار ورفاقه من الأسرى اللبنانيين، وأكثر من مئة وتسعون جثة لمناضلين عرب وفلسطينيين، بأنها خطوة غير مدروسة ومتسرعة، ووصفت تصريحات قيادة حزب الله، بتحقيق انتصار على إسرائيل بالأحلام الوردية والشيطانية.

إن التخلي عن خيار المقاومة، وسياسة الاستجداء والارتهان للخارج، وقمع الشعوب وإذلالها، هي التي تجعل استباحة الوطن العربي شاملة، فالرئيس البشير والذي يدافع عن وحدة أرضه وشعبه، ورفض التدخلات الأجنبية فيها، يعني أن يصبح في العرف الأمريكي والغربي مجرم حرب ومرتكبا لأعمال قتل وإبادة جماعية، ومطلوب اعتقاله وجلبه للمحاكم الدولية.

أما الذين يرتكبون المجازر وجرائم الحرب والإبادة الجماعية والتطهير العراقي في فلسطين والعراق وأفغانستان من أمثال"بوش وشارون وبارك وموفاز ورامسفيلد وتشيني وغيرهم "فالعواصم العربية تفتح لهم ذراعيها ويستقبلون استقبال الفاتحين ورجال السلام الشجعان، ونرقص معهم بالسيوف العربية.

وإذا ما استمر الحال على ما هو عليه، فكما قال الزعيم الليبي معمر القذافي في قمة دمشق الأخيرة، فالدور قادم على جميع الزعماء العرب، وليس أحد منهم في مأمن، وحتى لو كان خادم أمريكا الأول، فأمريكا في سبيل مصالحها وأهدافها، مستعدة للتضحية بهم وجلبهم واحداً واحد للمشانق والمحاكمات، من ليس بدعم "الإرهاب" المقاومة، والوقوف ضد الأهداف والمصالح الأمريكية، فبتهم الفساد وعدم إشاعة الديمقراطية، فحجج وذرائع أمريكا دائماً جاهزة وخادمة لمصالحها وأهدافها، فهل من متعظ.

التعليقات