05/08/2018 - 18:05

"صيد السّاحرات": دور "هآرتس" في حملة التّحريض على دارين طاطور

طيلة ثلاثة سنوات، خاضت إسرائيل معركتها القضائيّة ضدّ الشاعرة الفلسطينية الجليليّة دارين طاطور، ابنة بلدة الرّينة، وأعلنت "النّصر" في يوم 3 أيّار/مايو 2018، حين أدانتها المحكمة بجميع التّهم المنسوبة إليها في لائحة الاتهام.

دارين طاطور في بيتها (رويترز)

طيلة ثلاثة سنوات، خاضت إسرائيل معركتها القضائيّة ضدّ الشاعرة الفلسطينية الجليليّة دارين طاطور، ابنة بلدة الرّينة، وأعلنت "النّصر" في يوم 3 أيّار/مايو 2018، حين أدانتها المحكمة بجميع التّهم المنسوبة إليها في لائحة الاتهام، التي اشتملت على 3 بنود "تحريض على العنف"، وبند "تأييد تنظيم إرهابي".

لاحقًا، في 31 تموز/يوليو، حكمت القاضية عدي بمبيليه-آينشطاين على الشاعرة طاطور بالسّجن الفعلي مدّة خمسة أشهر، و6 أشهر أخرى مع وقف التنفيذ.

الآن، وقد انتهت "المعركة" وحقّقت إسرائيل "النّصر" على الشِّعر والشاعرة، حان وقت توزيع الأوسمة على جميع المشاركين تقديرًا لشجاعتهم.

ثلاثة أطراف تواطأت لأجل تزييف أقوال طاطور وإضفاء معانٍ جنائيّة على النصّ الذي كتبته: الشرطة والنيابة والقاضية. جميعهم يعملون بأمانة في خدمة دولة إسرائيل، التي، للتوّ، أعلنت نفسها رسميًّا دولة أبارتهايد غايتها ضمانة تفوّق "العرق" اليهودي وسلب حقّ تقرير المصير (وحقوق الإنسان والمواطن) من العرب الفلسطينيين سكّان البلاد الأصليين.

لنا، الآن، أن نتخيّل هؤلاء الثلاثة يزهون معًا بمجد "انتصارهم" المشترك؛ ولكن هناك في الزّاوية يقف خجولًا مرشّح رابع يستحقّ "إكليل الغار" على مشاركته في حملة "صيد السّاحرات" - إنّها صحيفة "هآرتس" الإسرائيليّة.

رغم أنّ هذه الصحيفة نشرت ثلاث افتتاحيّات دعت فيها إلى الإفراج عن الشاعرة طاطور، ظلّت التغطية الصحافيّة لمجريات المحاكمة تعمل كبوق يبثّ أكاذيب الشرطة والنيابة عبر تقديمها للقرّاء "على لسان" الشرطة، أو عبر عرضها كـ"وقائع". هكذا، سخّرت صحيفة "هآرتس" سمعتها كصحيفة موثوقة و"موضوعيّة" و"ليبراليّة" لأجل تبييض الأكاذيب.

أدعوكم/ـنّ لقراءة الرّسالة التالية التي أرسلتُها بنفسي إلى الصحيفة، ولْتحكموا بأنفسكم/نّ:

(يُستحسن، قبل ذلك، قراءة هذا التحليل المفصّل لقرار المحكمة ضدّ دارين طاطور، لأجل فهم خلفيّة الاعتراضات المقدّمة إلى الصحيفة، أرسلتها في 9 أيّار 2018 إلى عدد من الصحافيّين العاملين في "هآرتس"، احتجاجًا على التقارير المنشورة في أعقاب إدانة طاطور في 3 أيّار. في وقت كتابة هذا المقال، يوم 1 آب 2018، وجدت أنّ الصحيفة قد غيّرت سياستها في مسألة واحدة: الصحيفة التي دأبت في تقاريرها السّابقة على نشر ترجمة الشرطة، أخذت تنشر ترجمتين للقصيدة موضوع المحاكمة، ترجمة النيابة وترجمة الدّفاع. لكنّ التقارير ظلّت مشوّهة من أساسها. والرسالة لم تنشرها صحيفة "هآرتس").

رسالة إلى الأصدقاء في صحيفة "هآرتس"،

بهذا، أتوجّه إليكم في شأن قصورات فادحة في تغطية "هآرتس" لمحاكمة الشاعرة دارين طاطور، التي أدينت في يوم الخميس 3 أيّار بتهمة التحريض على العُنف وتأييد تنظيم إرهابي، في أعقاب نشر قصيدة وستاتوسين على "فيسبوك". لقد تحوّلت هذه المحاكمة في البلاد والعالم إلى رمزٍ لسلب حقّ الفلسطينيين في حرّية التعبير السياسي والاحتجاج الفنّي.

لقد سبق أن هاتفت عددًا من الصحافيّين في "هآرتس" حول هذا الموضوع، ولكن دون فائدة. أتمنّى أن تعترف "هآرتس" بالأخطاء التي حدثت وأن تعمل على تصحيحها. خلاف ذلك، أودّ نشر رسالتي هذه في صحيفتكم، كما هي أو كما ترى هيئة التحرير لديكم. وعلى كلّ حال، أتمنّى أن تحيلوها إلى كلّ من يمكنه معالجة الموضوع، وأن تبلغوني بما ينبغي فعله في هذه الحالة.

أشكركم سلفًا - مع فائق الاحترام وتحيّات الصداقة.

أكاذيب وأخطاء نشرتها "هآرتس" في قضيّة الشاعرة دارين

في أعقاب صدور قرار المحكمة الذي أدان الشاعرة الفلسطينية ابنة بلدة الرّينة، دارين طاطور، بتهمة التحريض على العُنف وتأييد تنظيم إرهابيّ، نشرت صحيفة "هآرتس" في يوم الأحد 5.6.2018 افتتاحيّة تحت عنوان "إرهاب الشِّعر"، تناشد المحكمة "التراجع عن قرارها المُخجل هذا، وأن تفرج عن طاطور وتدع الشّعر والشّعراء في حال سبيلهم". كانت هذه المرّة الثانية التي تخصّص فيها صحيفتكم افتتاحيّة لقضيّة الشاعرة دارين طاطور، حيث نشرت "هآرتس" منذ 27.6.2018 افتتاحيّة حازمة بعنوان "أطلقوا سراح الشاعرة"، وكانت قد مضت ثمانية أشهر طوال على اعتقالها، وشهران على بدء اهتمام الصّحافة بأخبار محاكمتها.

للوهلة الأولى، وبصفتي من داعمي الشاعرة طاطور، كان عليّ أن أشعر بالامتنان لصحيفة "هآرتس" على موقفها الديمقراطي الثابت. ولكنّني، لسوء الحظّ، أقرأ ما يُنشر كلّه ولا أكتفي بقراءة العناوين؛ كما أنّني أعتقد بأنّ الدور الأساسيّ للصحيفة ليس إطلاق العبارات العامّة حول الديمقراطيّة وإنّما فحص الحقائق وكشف أكاذيب السّلطة، وفي هذا الامتحان تحديدًا أخفقت صحيفتكم إخفاقًا ذريعًا في كلّ تغطيتها لمحاكمة الشاعرة.

سأعرض فيما يلي عددًا من الأمثلة المثيرة للاستياء في نظري:

1. ترجمة القصيدة

نشرت صحيفتكم تقريرين في 3 أيّار، في أعقاب صدور قرار المحكمة؛ أحدهما بقلم مراسلتكم لشؤون الشرطة، نوعة شبيغل، والثاني بقلم مراسلتكم لقضايا الثقافة، جيلي إيزيكوفيتش. وقد اختارت "هآرتس" أن توفّر لقرّائها ترجمة للقصيدة التي تجري محاكمة الشاعرة طاطور بسببها، بالضّبط كما وردت في لائحة الاتّهام. يعلم جيّدًا كلّ من تابع المحاكمة أنّ هذه الترجمة قام بها شرطيّ من محطّة شرطة الناصرة، لا يملك أيّة مؤهّلات في الترجمة ولا في الأدب، سوى ما تعلّمه في المرحلة الثانوية، وهذا وفقًا لشهادته نفسه أمام المحكمة. ومع ذلك، نشرت صحيفتكم الترجمة دون أيّ تحفّظ رغم ادّعاءات الدفاع، التي نوقشت بتوسّع خلال جلسات المحاكمة، بأنّ فيها تشويها وتزييفا متعمّدا للقصيدة.

كذلك، لم تكلّف "هآرتس" نفسها عناء توجيه قرّائها، على الأقلّ لأجل المقارنة وتوسيع آفاقهم، إلى ترجمة أخرى نُشرت في موقع "سيحا مكوميت"؛ وأيضًا لم تنشر الترجمة التي قدّمها الدفاع للمحكمة مستعينًا بمترجم مهنيّ هو د. يوني مندل. يبدو، إذن، أنّ صحيفة "هآرتس"، حين يتعلق الموضوع بتقديم الشعر العربيّ لقرّاء العبريّة، تفضّل السّير على خطى النيابة، وتقديمه مترجمًا على يد الشرطة الإسرائيليّة.

حتّى أنّ تقرير جيلي إيزيكوفيتش يقتبس على وجه الخصوص عدّة شطرات من القصيدة بترجمة الشرطة، من بينها "أرفض أيّ حلّ سلميّ". هذا الشطر تحديدًا نوقش في المحكمة مطوّلًا؛ وترجمته الأصحّ، والتي قدّمها الدفاع، هي: "لنْ أرضى بالحلّ السّلمي". ترجمة الشرطة التي نشرتموها أسقطت أل التعريف، وهذه ليست مسألة بسيطة، فالهدف من ذلك إظهار الشاعرة على أنّها ترفض أيّ سلام كان، ومن هنا يبدو أنّها تؤيّد العنف؛ بينما "لنْ أرضى بالحلّ السّلمي" (مع أل التعريف) تقصد عمليّة السّلام المعروفة لنا جميعًا، ولاحقًا تبيّن الشاعرة سبب رفضها للحلّ السّلمي: "قد حمل الذلّ القهّار، أردعَنا من ردّ الحقِّ". لا شكّ أنّ نشر الشطر الأوّل وحده دون التتمّة وبترجمة مشوّهة، يخلق الانطباع الذي أرادت النيابة أن تثبّته في الأذهان.

2. قضيّة إسراء عابد

في التقرير نفسه (شبيغل، 3.5)، تذكر مراسلتكم بندًا إضافيًّا في لائحة الاتهام كما يلي: "لقد نشرتْ صورة إسراء عابد، من سكّان الناصرة، التي أطلقت عليها النيران وأصيبت، بعد أن أشهرت سكّينًا في المحطّة المركزيّة في العفولة، وكتبت تحتها: أنا الشهيد اللي جاي".

يُفترض أنّ شبيغل، بوصفها مراسلة لشؤون الشرطة، تعرف جيّدًا ملابسات قضيّة إسراء عابد؛ أو لنقُلْ ليس صعبًا عليها التحرّي عن تفاصيل القضيّة. المعروف أنّ إسراء عابد، عندما كانت في المحطة المركزية في العفولة، يوم 9.10.2015، اشتُبهت خطأ في أنّها تهمّ بتنفيذ عمليّة، فأطلق جنود وحرّاس النيران عليها عدّة مرّات. كان ذلك قبل اعتقال دارين طاطور بيومين. لحسن الحظّ أنّ إسراء عابد بقيت على قيد الحياة رغم جراحها، وبعد تقصّي الحادثة اعترفت الشرطة بنفسها أنّ إسراء لم تعتزم تنفيذ أيّ اعتداء ولم تشكّل خطرًا على أحد. قبل تقديم لائحة الاتّهام ضدّ الشاعرة طاطور، في 2.11.2015، جرى تقديم لائحة اتّهام ضدّ إسراء عابد، بحيازة سكّين، وليس بالشروع في تنفيذ عمليّة طعن، لدى المحكمة نفسها في الناصرة. ولكنّ شبيغل، بدلًا من إطلاع قرّائها على هذه الوقائع، كتبت في تقريرها عن "إشهار سكّين" محاولة نشر انطباع كاذب أنّ عابد شكّلت خطرًا.

اختارت دارين صورة إسراء عابد لتكون "صورة الغلاف" لصفحتها على الفيسبوك، مع صورة البروفايل "أنا الشهيد اللي جاي" احتجاجًا على قتل الأبرياء؛ وقبل ذلك نشرت هذه العبارة عندما أحرق مستوطنون الفتى محمد أبو خضير في القدس، ولاحقًا نشرتها عندما قتلت الشرطة خير حمدان من كفر كنّا بإطلاق النار عليه من مسافة صِفْر، بطريقة أشبه بالإعدام.

تقتضي الأمانة الصّحافيّة تقصّي الوقائع وإفساح مساحة لرواية الطرفين، وليس ترويج رواية الشرطة وحدها. وكان ينبغي، من منطلق الأمانة في العمل الصّحافي، كشف الوقاحة البالغة التي أبداها عناصر الشرطة لدى الإدلاء بشهاداتهم أمام المحكمة وهُم يتحدّثون عن إسراء عابد مرارًا وتكرارًا بصفتها "المخرّبة من العفولة"، وهُم يعلمون جيّدًا أنّها لا اعتدت ولا حتّى شرعت في الاعتداء على أحد.

إذن، فالنظرة إلى أيّ عربيّ مصاب بنيران الأمن الإسرائيلي هي أنّه مخرّب، بغضّ النظر عن ملابسات إطلاق النار عليه. ويا للعجب! ها هي صحيفة "هآرتس" الورقيّة تخرج بعنوان يبشّر القرّاء بإدانة طاطور قائلًا "نشرت في الفيسبوك قصيدة دعت إلى المقاومة، وصورة مخرّبة"، أليس مخجلًا لصحيفة "هآرتس" أن تصف إسراء عابد بأنّها مخرّبة؟

وأيضًا، كان ينبغي، من منطلق الأمانة في العمل الصحافي، التنديد بالنيابة لأنّها حين قدّمت ملخّصاتها ادّعت مرارًا وتكرارًا أنّ طاطور حين نشرت صورة إسراء عابد "كانت تعرف" أنّها جاءت إلى المحطّة المركزية في العفولة لكي تطعن يهود. وقد سوّغت النيابة ادّعاءها بأنّ طاطور "كانت تعرف" ذلك، بقولها إنّها حين نشرت، كانت هذه هي الرواية الرسميّة التي قدّمتها الشرطة للإعلام. هذا يعني، من منظور النيابة، أنّ العربيّ لا يحقّ له حتّى أن يختار عدم تصديق التحريض الرّسمي، قبل أن تغيّر الشرطة روايتها.

3. تشويه وتزييف مضمون الفيديو

جاء في تقرير إيزيكوفيتش ما يلي: "في الشريط الذي نشرته طاطور، يظهر ملثّمون يرشقون الحجارة ويلقون الزجاجات الحارقة نحو قوّات الأمن، على خلفيّة قراءة القصيدة".

حسنًا، ما زال الشريط متاحًا للمشاهدة، وهناك روابط إلى صيغه المختلفة تظهر في تقرير شبيغل مرّتين حتّى. لقد شاهدتُ هذا الشريط عشرات المرّات، مستعينًا أحيانًا بأصدقاء لي: لا يوجد فيه أيّ مشهد يُظهر إلقاء زجاجات حارقة، بتاتًا. ادّعاء مشاهد إلقاء الزجاجات الحارقة يظهر في لائحة الاتّهام، وقد كرّرته النيابة مرارًا خلال المحاكمة، وهدفها من ذلك واضح: تضخيم العُنف المزعوم في نشر الشريط.

هنا، أيضًا، تروّج "هآرتس" رواية الشرطة على أنّها وقائع حدثت، وليس بصورة اقتباس على لسان من ادّعاها. كم هو ممتع أن تكون صحافيًّا إسرائيليًّا: ليس فقط أنّ الشرطة تترجم لأجلنا القصائد؛ هي أيضًا تشاهد بدلًا عنّا أشرطة الفيديو. وفقًا لاتّباع الحقيقة في العمل الصحافيّ، كان ينبغي التوضيح أنّ هذه ادّعاءات النيابة؛ وأكثر من ذلك، كان ينغي للصحافيّة تقصّي صدق الادّعاءات، وعندما يتبيّن أنّ ادّعاءات النيابة تكذب في لائحة الاتّهام وخلال جلسات المحاكمة، كما في هذه الحالة، كان من الواجب كشف هذا الكذب لجمهور القرّاء.

4. اقتباسات مشوّهة من لائحة الاتّهام

جلبت مراسلتكم شبيغل اقتباسات كثيرة من لائحة الاتّهام، دون أن تنظر بعين ناقدة؛ لكنّها تمادت أكثر حين عرضت اقتباسًا مهمًّا بصورة مغالِطة تغيّر من معناه.

تنسب لائحة الاتّهام إلى طاطور كتابة ستاتوس كما يلي "حركة الجهاد الإسلامي تعلن امتداد الانتفاضة إلى كلّ أنحاء الضفّة… امتداد يعني توسيع… معنى ذلك كلّ فلسطين… وعلينا أن نبدأ داخل الخطّ الأخضر…". تتمّة الستاتوس تتحدّث عن الحاجة إلى النضال داخل الخط الأخضر لأجل الأقصى. بناءً على هذا الاقتباس، وعليه وحده، ثبّتت المحكمة على طاطور تهمة "تأييد تنظيم إرهابي" وأدانتها. غير أنّ هذه الإدانة استندت إلى تأويل بعيد المدى واستخلاص معنًى لا يتضمّنه النصّ نفسه. المقطع الخاصّ بالجهاد الإسلامي هو خبر صحافي، وكان يمكن أن يظهر في كلّ موقع إخباريّ. ونصّ الستاتوس يميّز بوضوح بين الجهاد الإسلامي الذي يناضل في الضفة الغربية وبين "نحن" الذين نناضل داخل الخطّ الأخضر. أمّا بخصوص "الدّعوة إلى النضال داخل الخطّ الأخضر" فقد أوضحت طاطور أثناء تحقيق الشرطة معها وكذلك في المحكمة، أنّ المقصود نضال شعبيّ وشرعيّ لأجل حقّ الصلاة في مسجد الأقصى.

الاقتباس الذي شوّهته شبيغل، ونُشر ضمن تقريرها في "هآرتس"، يقول "الجهاد الإسلامي يعلن استمرار الانتفاضة إلى كلّ أنحاء الضفة، وامتدادها إلى كلّ فلسطين. علينا أن نبدأ داخل الخطّ الأخضر". أي أنّ شبيغل، لكي تسهّل على القارئ التقاط المعنى الذي تريده، والذي لا يظهر في النصّ الأصلي، شوّهت الاقتباس، ونسبتْ الدّعوة إلى النضال داخل الخطّ الأخضر إلى الجهاد الإسلامي مباشرة؛ لكي يبدو أنّ طاطور في هذا الستاتوس تستجيب لـ"تعليمات" الجهاد الإسلامي، وليس أنّها بمبادرة منها تتحدّث عن الحاجة إلى النضال في موقع آخر وفق الظروف المغايرة التي تعيشها.

هنا يُطرح فقط سؤال، ينبغي على المسؤولين في "هآرتس" أن يبحثوا عن إجابته: من الذي يقف من وراء هذا التشويه؟ مصادر الصحافيّة شبيغل لدى النيابة، أم الصحافيّة نفسها؟

5. نشر المغالطات - مرّتان في فقرة واحدة

في لهيب حماستها لبيعنا رواية النيابة تكتب مراسلتكم شبيغل:"في البداية، أنكرت طاطور علاقتها بالمنشورات، لكنّها بعد أن غيّرت من يمثّلها قضائيًّا في تشرين الثاني 2016، اعترفت بنشر القصيدة وادّعت أنّها تُرجمت بشكل خاطئ. الشرطي الذي ترجم القصيدة، هكذا قيل ’يفهم باللغة والأدب العربي’، ويتحدّث العربيّة كلغة أمّ".

نبدأ من الآخر: تقتبس شبيغل ادّعاء طاطور، ثمّ تضيف مباشرة بعد قول طاطور جملة منها تدافع فيها عن صحّة ترجمة الشرطة مُحْتَمية بعبارة "هكذا قيل". ولكن من الذي قال؟ النيابة طبعًا. غير أنّ شبيغل، لأنّها تريد ترويج رواية النيابة، لا تكلّف نفسها تقصّي حقيقة الادّعاءات، وفوق ذلك تحاول أن تبيعنا تلك الادّعاءات بصورة مغالطة بحيث أنّ القارئ المستعجل يمكن أنّ يفهم حتّى أنّ طاطور هي من قال بصحّة ترجمة الشرطة.

أمّا بخصوص إنكار العلاقة مع المنشورات فالمغالطة أخطر بكثير. في الواقع، خضعت طاطور للتحقيق لدى الشرطة مرّات عديدة. في التحقيق الأوّل، نسبت الشرطة إليها تهمة الشروع في تنفيذ عمليّة، وبدورها أنكرت طاطور ذلك قطعيًّا. فقط في التحقيقات اللّاحقة ركّزت الشرطة على مضامين نُشرت في الفيسبوك، بعد أن تم التنقيب في حاسوبها وهاتفها؛ وقد اعترفت طاطور أنّها نشرت هذه المضامين، لكنّها أنكرت تأويل الشرطة القائل بانّ مضمونها عُنفيّ.

في بداية المحاكمة، أنكر الدّفاع لائحة الاتّهام جملة وتفصيلًا، وهذا تكتيك دفاعيّ مقبول قضائيًّا. لكنّ النيابة حاولت في المراحل اللّاحقة من المحاكمة عرض هذا الإنكار الجارف وكأنّه دليل على أنّ "المتّهمة كذبت" وأنكرت علاقتها بالمنشورات. مرّة أخرى لم تكلّف شبيغل نفسها تقصّي الحقائق، وروّجت لنا رواية النيابة مغلّفة بورق السيلوفان على أنّها "تقرير صحفيّ".

صحيفة "هآرتس" بحاجة إلى إجراء فحص داخليّ إذا كانت صحيفة "هآرتس" تريد حقًّا خدمة الديمقراطية، عليها، أوّلًا، أن تجري فحصًا داخليًّا في جهازها نفسه.

التزييف والتشويهات في تغطية محاكمة طاطور ظهرت من قبل؛ فمثلًا، مع نشر مقالة يهودا شنهاب الرّائعة، التي نُشرت يوم 2.8.2017 تحت عنوان "مسرح العبث: دولة اليهود ضدّ الشاعرة دارين طاطور"، أُلصِقَ به نص "توضيحي" من مصدر مجهول يسوّق أكاذيب النيابة مثل ذكر مشاهد إلقاء الزجاجات الحارقة في شريط الفيديو، مع أنّه لا توجد مشاهد كهذه؛ وذُكر أنّ إسراء عابد "أشهرت سكّينًا نحو عناصر الشرطة"، وهذا حتّى يتجاوز حدود المغالطة بذكر أنصاف الحقائق.

من المفيد التذكير بأنّ اليمينيّ المتطرّف، شارون غال، كان مراسل صحيفة "هآرتس" في الشمال خلال أحداث أكتوبر 2000، وفي حينه استخدم غال "هآرتس" منبرًا للتحريض ضدّ الجمهور العربيّ من خلال تقاريره الزّائفة. لقد آن الأوان أن تنظر صحيفتكم إلى الجمهور العربي من خارج مرصاد البندقيّة والناطقين بلسان الشرطة، أيضًا، في التقارير الإخباريّة وليس فقط في مقالات الرأي والافتتاحيّات.

* * *

إضافة متأخرة - 1 آب 2018

بعد أن قرّرت المحكمة عقوبة دارين طاطور بسجنها خمسة أشهر، نشرت "هآرتس" مجدّدًا افتتاحية تدعو إلى إطلاق سراح الشاعرة. لكنّ التقرير الإخباريّ (من مراسلتهم نوعة شبيغل، مرّة أخرى) الذي نقل إلى القرّاء بشرى العقوبة، يشكّل في غالبيّته بوقًا لتزييف وتشويه الوقائع وتلفيق التّهم ضدّ دارين طاطور، بما في ذلك ترديد الاقتباس المشوّه في موضوع الجهاد الإسلامي، الذي ورد في لائحة الاتّهام، بقصد تجريم طاطور.

ولكن نوعة شبيغل ليست وحدها من يعمل بوقًا للشرطة وتبييض أكاذيبها. البروفسور المحترم وناشط حقوق الإنسان، مردخاي كْرِمْنيتْسِر، نشر في 13.7.2018 مقالة تأويليّة، في صفحة "القضاء والجنائيّات"، معقّبًا على قرار الحكم بالسّجن على دارين طاطور. يتوقّع المرء من أمثال كْرِمْنيتْسر تحليلًا نقديًّا على الأقلّ للمحاكمة الصوريّة التي جرت ضدّ طاطور وكشف تلفيق التّهم. لكن لم نرَ شيئًا من هذا ولا بعضًا منه. لقد انطلق البروفسور المحترم من مسلّمة مفادها أنّ طاطور "محرّضة"، مساويًا بينها وبين الحاخامات الذين دعوا إلى قتل العرب صراحة وعلى رؤوس الأشهاد، ومطالبًا بمحاكمة "المحرّضين من الطرفين" على قدم المساواة!

تكشف مقالة كْرِمْنيتْسِر بأوضح الأشكال جذور عجز الليبراليّة الإسرائيلية. إنّه عاجز عن تصوّر "العربيّة" قادرة على تشكيل رأي مستقلّ خاصّ بها ويستحقّ الاستماع إليه. ومن حيث هو يرزح تحت هيمنة وسلطة جهاز القمع، فقد تلقّى الكاتب تعريف تعريف طاطور كمحرّضة دون تشكيك أو مراجعة. والمعالجة النقديّة أجراها من داخل الجهاز نفسه، كما لو كان مستشار جهاز القمع والاضطهاد لشؤون العدالة والنجاعة؛ ومن موقعه هذا أشار كْرمْنيتْسِر إلى أنّ قمع طاطور قد يحوّلها من "شخصيّة هامشيّة" إلى "بطلة قوميّة"، ممّا سيؤدّي إلى انتشار أقوالها أكثر وأكثر. كم هو مثيرٌ للشفقة منظر بطل حقوق الإنسان وهو يعلن بأنّه يعرف طريقة أكثر نجاعة لإسكات صوت الشاعرة دارين طاطور!

انتهى.

(ترجمتها من الأصل العبري: رجاء زعبي عمري)

التعليقات