09/11/2018 - 15:58

الخلفية الأيديولوجية وراء اصطفاف نتنياهو إلى جانب بن سلمان 

ليس دفاع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عن القاتل، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الدليل الأول أو الوحيد عن لا أخلاقية هذا الكيان، وافتقاره إلى الحس الأخلاقي التضامني مع الشعوب الأخرى.

الخلفية الأيديولوجية وراء اصطفاف نتنياهو إلى جانب بن سلمان 

ليس دفاع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عن القاتل، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الدليل الأول أو الوحيد عن لا أخلاقية هذا الكيان، وافتقاره إلى الحس الأخلاقي التضامني مع الشعوب الأخرى.

فالفكرة الصهيونية في الأصل، هي فكرة غير أخلاقية وغير إنسانية، بل متناقضة مع روح الدين اليهودي، وليس صدفة أن الفكرة - المشروع لاقت إدانة ومعارضة من التيار الديني الأرثوذكسي في أوروبا وكل مكان مطلع القرن الماضي وقبلها. كان التيار الصهيوني بين اليهود تيارا صغيرا، في حين بات اليوم تيار الأغلبية، وأضحت اليهودية تعيش في بيئة غريبة تُحمَّلُ ظلماً المسؤولية عن جرائم خاطفيها.

منذ الأيام الأولى وبعد الإعلان عن تورط النظام السعودي في تصفية الصحافي جمال خاشقجي، أُصيب نتنياهو بالفزع، ليس حزناً على الجريمة المروعة، إنما خوفاً على خسارة لنظامٍ عربي مارق، بات صديقاً وحليفا لنظام الأبارتهايد الإسرائيلي، في سياساته العدوانية والاستعمارية في فلسطين ودول عربية أخرى، وضد حركات المقاومة التحررية، وضد النظام الإيراني، وكذلك خوفاً من فقدان أحد الشركاء العرب الأساسيين في "صفقة القرن" التصفوية".

لقد سعت حكومات الأبارتهايد الاستعماري المتعاقبة، لنسج علاقات سرية مع أنظمة عربية، في إطار مخططها لتفكيك العالم العربي ومحاصرة تيارات وحركات الرفض للاستعمار. كانت أولويات هذه الحكومات، التي تتغذى من معين أيديولوجي واحد، يتمثل في الصهيونية، ترسيخ طمسها لحق الشعب الفلسطيني واستعمارها لأرضه، وتكريس الهيمنة الصهيونية والإمبريالية الغربية على المنطقة العربية. لم يكن همّها في يومٍ من الأيام حقوق الإنسان العربيـ بل تخوّفت دائما من الشعوب العربية، والقوى السياسية المعبرة عن طموحاتها في التحرر.

حين انفجر البركان العربي في أواخر عام 2010 في تونس وامتد إلى مصر، وقبل أن يمتد إلى بقية الأقطار العربية، كانت حكومة إسرائيل ترتجف خوفا من انتصار الجماهير وخسارة النظام المصري. ولم تُخْفِ حكومة إسرائيل والنظام السعودي غضبهما من تخلي الإدارة الأميركية بزعامة باراك أوباما عن النظام المصري، المرتبط بإسرائيل من خلال اتفاقية صلح مهينة.  وتحققت مخاوف إسرائيل والنظام السعودي عندما انتصر الشعب المصري، وزحف إلى السفارة الإسرائيلية وهاجمها، تعبيرا عن الرغبة في إزالة هذا العار.

غير أن معجزة سقطت على إسرائيل من السماء، وهي جملة كررها قادة إسرائيل تعبيرا عن فرحتهم فور إقدام ضابط مصري غير معروف، هو عبد الفتاح السيسي، على الإطاحة بأول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا، وارتكاب مجزرة مروِّعة، حيث ذبح المئات من المعتصمين في ميدان رابعة العدوية. ويصف حكام إسرائيل، سواء من الساسة أو في الجيش، بأن مستوى التعاون الأمني مع نظام السيسي غير مسبوق، ويفوق بطبيعته ومستواه ما كان قائما مع نظام مبارك.
 
في الغرب داعمون لنظام السيسي القاتل، غير أنه لم يبق صديقا ولو في الظاهر لولي العهد السعودي القاتل، سوى بنيامين نتنياهو وزمرته، الذين يسعون، بلا خجل أو ذرة إحساس بالإنسانية، إلى تنظيفه من المسؤولية عن الجريمة على مذبح مصالح إسرائيل الاستعمارية المعادية للعرب وللإنسانية.

تاريخ مشين من دعم أنظمة القتل في العالم 

يقول المحامي الإسرائيلي والناشط من اجل الشفافية في مراقبة الصادرات الإسرائيلية في قطاع الأسلحة، إتاي ماك، إن "سكوت نتنياهو إزاء لاسامية البيت الأبيض لا يجب أن تفاجئ أي أحد، من الأرجنتين إلى رواندا. إن لإسرائيل تاريخا فاضحا من تزويد الأسلحة والدعم للأنظمة المجرمة" (موقع 972+ بالإنجليزية، نشر بتاريخ 7.2017 .27).

ويذكرنا ماك في مقاله، بتاريخ هذه العلاقة غير الأخلاقية والدموية، خصوصا بين إسرائيل ودول أميركا اللاتينية الجنوبية منذ أواخر الستينيات.  من هذه الأنظمة الأرجنتين، غواتيملا وبوليفيا؛ وفي القارة الأفريقية: جنوب أفريقيا ورواندا وغيرها. وفي جنوب أفريقيا ظلت حكومات إسرائيل من عهد بن غوريون وغولدا مئير ومناحيم بيغين، تساند نظام الأبارتهايد المتوحش هناك، حتى عندما كانت لحظة انتصار السود على هذا النظام تقترب وتطيح به معلنة فجرا جديدا في هذه البلاد، التي استمر فيها الاستعمار والفصل العنصري لأكثر من 300 عام. شكّل هذا النصر عارا لإسرائيل، وهزيمة لتحالفها مع نظام من نفس طينتها. هذه الأنظمة قمعت شعوبها بوحشية من خلال الأسلحة التي زودتها لها إسرائيل، ومن خلال فرق الموت سيئة الصيت التي درّبتها.
 
هي سياسة ثابتة وبنيوية في التركيبة الأيديولوجية للكيان الإسرائيلي، هدفها حماية جريمة غزو فلسطين، واستمرار استعمارها ومواصلة التنكيل بأهلها على مدار الساعة.

 وليس ترحيبها بفوز الفاشي جايير بولسانورو برئاسة البرازيل، أواخر الشهر الماضي، سوى امتداد عضوي ومزمن لهذه السياسة الدموية.

 الفكرة الصهيونية هي فكرة إجرامية من الأصل 

إنّ الفكرة الصهيونية هي أساسا فكرة غير أخلاقية وعدوانية، وهي منذ البدء أُسست على العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها. هي غير أخلاقية لأنها تنطوي على إحلال مجموعة سكانية غريبة، محل جماعة من الناس عاشت على أرضها آلاف السنين. وليس اختراعها أكذوبة "أرض بلا شعب لشعبٍ بلا أرض" سوى تجسيد للتوجه الاستئصالي لهذه الحركة السياسية العنصرية الاستعمارية.

كان هدفها المعلن بناء دولة يهودية، وليس دولة ديمقراطية عربية- يهودية مساواتية. هي رفضت كليا أطروحات حركة ״بريت شالوم" اليهودية، التي طرحت في أواخر العشرينيات والثلاثينيات، دولة ثنائية القومية واحدة في فلسطين.  بل رفضت الحركة الصهيونية أي طرح يمنح العرب حقوقا متساوية، وكان هدفها منذ البداية إخلاء فلسطين من العرب. وهي لا أخلاقية لأنها منذ البدء سعت إلى التحالف مع القوى الاستعمارية الغربية التي كانت تفتك بالشعوب الفقيرة، لتحقيق مشروعها الاستئصالي. وفي إطار هذه التحالفات غير الأخلاقية وغير الإنسانية، رأت بالحركات العمالية والتقدمية المحلية، والتي شملت قوى يهودية ديمقراطية ويسارية، قوى معيقة لمشروعها العدواني العرقي.

إن واقع الحكم الإسرائيلي الراهن، وممارساته الدستورية والسياسية والميدانية، تتجه بوتيرة عالية نحو التكريس النهائي للهدف الصهيوني الأول. غير أن العامل الديمغرافي الفلسطيني وصمود الشعب على أرضه، ورفضه الاستسلام يشكل تحديا حقيقيا أمام المشروع الصهيوني الاستعماري.

إنّ نتنياهو وشلته في الحكم يسكتون على مظاهر اللاسامية، في دول يحكمها رؤساء لا ساميون وعنصريون بل يتعاونون معهم، مثل ترامب في أميركا وفيكتور أوربان في هنغاريا، والرئيس البولندي والرئيس البرازيلي الجديد وغيرهم. ويعود هذا التعاون غير الأخلاقي إلى رغبة اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل بالحفاظ على حكمه، فتلك الأنظمة تدعم جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين في المنابر الدولية. وسبب آخر هو أن إسرائيل لا تستطيع إدانة العنصرية في العالم، في الوقت الذي تسقط ما تبقى من أقنعة عن وجهها الحقيقي، من خلال تمرير سلسلة من القوانين العنصرية، والتي تُوّجت مؤخرا بـ"قانون القومية".

هذه هي إسرائيل، فاقدة الشرعية الأخلاقية، ولا غرابة بأن من اختطف اليهودية وفرّغَها من مضمونها الروحي والأخلاقي، وحوّلها إلى حركة استعمارية عنصرية عدوانية، ويقيم أكبر غيتو يهودي في التاريخ اليهودي والأقل أمنا لليهود أنفسهم، على أنقاض شعب آخر يواجه حملة متصاعدة من المجتمع المدني العالمي، لنزع الشرعية الأخلاقية عنه.

إن تحالف حكام الغيتو الصهيوني مع طغاة عرب، مثل بن سلمان والسيسي وغيرهما، ومع حكام فاشيين في البرازيل وأوروبا الشرقية، سيساهم في عملية نزع الشرعية الأخلاقية عن نظام الأبرتهايد الإسرائيلي.

التعليقات