12/11/2018 - 17:06

"تهدئة" على مقاس إسرائيل

تؤكد عملية خانيونس الأخيرة رسالة إسرائيلية مفادها بأن المفاوضات من أجل التهدئة في غزة لا تعني توقف العمليات العسكرية التي تعتبرها إسرائيل "دفاعية"، وأن التهدئة لن تشمل عمليات توغل لقوات الاحتلال في قطاع غزة كونها "وقائية"، وأنها لا تخل

تؤكد عملية خانيونس الأخيرة رسالة إسرائيلية مفادها بأن المفاوضات من أجل التهدئة في غزة لا تعني توقف العمليات العسكرية التي تعتبرها إسرائيل "دفاعية"، وبأن التهدئة لن تشمل عمليات توغل لقوات الاحتلال في قطاع غزة كونها "وقائية"، وبأنها لا تخل باتفاق وقف إطلاق النار المقبل.

وبغض النظر عن الرواية الرسمية الإسرائيلية التي تُفيد بأن العملية لم تكن تصعيدية وإنما استخبارية تقع في دائرة العمليات "الدفاعية"، إلا أن جيش الاحتلال والقيادة السياسية بدوا في حرج، انعكس بصمت وتكتم، لأن العملية على ما يبدو قد تتسبب بحرج أمام المخابرات المصرية التي تسعى لتثبيت تهدئة ووقف إطلاق نار طويل الأمد في القطاع.

وفي هذا السياق يمكن فهم الإصرار الإسرائيلي على نفي أن العملية لم تكن بهدف الاغتيال أو اختطاف قادة في كتائب القسام، وأصرت على أنها عمليات استخبارية أي لم تهدف إلى التصعيد.

لكن الشيء المؤكد أن الحديث عن تهدئة بعد العملية يجب أن يكون مغايرا وأكثر حذرا عما قبلها بنظر الفصائل في غزة، لأنها تثبت أن إسرائيل تعمل وتتجهز لمواجهة واسعة مقبلة في المدى المنظور وتحديدا بعد الانتهاء من إنشاء الجدار ضد الأنفاق، أي أنها ستستمر في عمليات "محدودة" لكن نوعية في ظل التهدئة. وهذا ما أكدته تقارير إسرائيلية في الشهور الأخيرة، بأن الجيش غير معني في مواجهة في الفترة القريبة والانتظار حتى إتمام الجدار العائق للأنفاق. وينضاف إلى ذلك، التصريحات الإعلامية بأن ليبرمان يعمل على بلوة خطة لتدمير حماس بعملية جوية في مواجهة قريبة حتى لا تنتهي إلى لا شيء كما حصل في الحروب الأخيرة في غزة

وجاءت تقارير محللين عسكريين إسرائيليين اليوم الإثنين لتؤكد ذلك، إذ ذكر تقرير للمحلل العسكري في موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن العملية كانت بالغة الأهمية والحيوية لإحباط قدرات عسكرية نوعية لحماس ستستخدمها في مواجهة مقبلة. أي أن إسرائيل تعمل حتى في ظل مفاوضات التهدئة، ضد القدرات العسكرية لحماس وغيرها من الفصائل في غزة استعدادا لمواجهة محتملة.

وما يعزز هذا الاعتقاد، أن العملية لم تكن لتنفذ دون مصادقة مسبقة من المستوى السياسي، أي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن أفيغدور ليبرمان. وهنا يتبادر إلى الأذهان التساؤل هل قرر نتنياهو المجازفة والمصادقة على عملية عسكرية من هذا النوع رغم أنها ستضرب الجهود المصرية من أجل التهدئة؟ أم أنه والجيش رجحوا أن تنتهي العملية دون اشتباك وشهداء فلسطينيين وقتلى إسرائيليين، مثل عمليات خاصة مشابهة، قال الجيش إنه ينفذها في غزة دون الكشف عنها؟

لا ندري ما حقيقة اعتبارات وحسابات نتنياهو لأننا غير مطلعين على ما يطرح أمامه وما يجري بالمفاوضات عبر المصريين، لكن الأمر المؤكد مرة أخرى، أن إسرائيل لم تأبه، ولن تأبه في المستقبل، بالقيام بعمليات خاصة في عمق القطاع حتى في ظل التهدئة، على اعتبار أن ما تقوم به هو "عمليات دفاعية ووقائية" غير تصعيدية، وأنها جزء من حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وهذا يعني، أن التهدئة بنظر إسرائيل هي مرحلة انتقالية مؤقتة نحو حرب واسعة على القطاع في العام المقبل أو قبله، ولكن بعد إتمام جدار الأنفاق، وأن التهدئة هي حرب ولكن بأساليب وبأدوات مغايرة عن أساليب وأدوات الحرب المباشرة، وأن "التسهيلات" للغزيين التي يجري الحديث عنها، ليست سوى مسكنات أوجاع لمنع انهيار القطاع بالكامل إنسانيا، وانفجاره في وجه الجميع وأولهم إسرائيل.

ويجب ألا يغيب عن أذهاننا أن آخر حربين إسرائيليتين ضد القطاع كانتا مباغتتين، لكن أيضا يجب ألا يغيب أن عمليات خاصة من نوع عملية خانونس كانت سببا باندلاع مواجهة عسكرية شاملة سواء على الجبهة الشمالية أو قبل ذلك في حرب حزيران/ يونيو 1967.

إذًا، إسرائيل تريدها تهدئة على مقاسها، توقف مسيرات العودة والمسير البحري والبالونات الحارقة، وتخفيف المعاناة الإنسانية في غزة حتى لا تنفجر في وجهها، لكن دون وقف عملياتها في عمق القطاع أو الاغتيالات من الجو، وسوف تخرق هذه التهدئة كلما استدعى الأمر بنظرها، أي تريد العودة للتفاهمات التي توصلت إليها بعد الحرب الأخيرة في 2014 واستمرت حتى شهر آذار/ مارس الأخير، رغم عدم التزامها بها.

لذا المطلوب فلسطينيا هو الحذر من التهدئة التي ترى فيها إسرائيل أو كما تسميها "معارك بين الحروب". تهدئة من طرف واحد وعلى مقاسها، تحمي سياجها الحدودي مع القطاع وتخفف من ظمأ الغزيين لكن لا توقف خنقهم وقتلهم كلما سنحت لها الفرصة.

أخيرًا، تؤكد العملية في خانيونس أن إسرائيل لا تتردد في التنصل من تفاهماتها أمام المصريين طالما أن الأمر يتعلق بأمنها.

التعليقات