16/11/2018 - 13:30

هل تكون نتائج جولة التصعيد الأخيرة كما سابقاتها؟

تبقى مسيرة العودة ومصيرها تحديا مهمًا أمام القوى الفلسطينية بعد اتفاق التهدئة. لقد بات تقييم هذه التجربة الرائدة والحضارية، بصورة جماعية لتطويرها وللتقليل من الخسائر البشرية، واجبا وطنيا أعلى. كل التجمعات الفلسطينية مطالبة بالمشاركة في هذا التقييم،

هل تكون نتائج جولة التصعيد الأخيرة كما سابقاتها؟

انتظر أهالي غزة بعد كل جولة مواجهة بين غزة وإسرائيل، منذ عام 2009، بأن تتمخض هذه المواجهات عن فك الحصار الوحشي؛ كما توقع وتمنى جميع أبناء الشعب الفلسطيني، في كل مكان، أن تتحول وحدة الميدان بين كل الفصائل إلى إنهاء كارثة الانقسام، واستعادة الوحدة الوطنية.

والمدهش، ومن الصعب هضمه، أنه وقبل أن تجف الدماء، ومعاينة الدمار الذي ألحقه نظام الاستعمار بالبنية التحتية، وفِي الوقت الذي كانت فصائل المقاومة تخوض المعركة، والكتاب والصحافيون يشيدون بأسطورة الصمود، وهي أسطورة بالفعل، تعود سلطة رام الله وأبواقها إلى استئناف حملات التشهير والاتهامات، وتحميل حركة حماس وحدها المسؤولية عن استمرار الانقسام. وقد كان محزناً أن تتبدد بهذه السرعة مشاعر الاعتزاز والفخار وتختفي من الصحف والمنابر الإعلامية، الكتابات التمجيدية والإشادة بصمود المقاومين وبصبر الشعب. فهل تكون هذه الجولة كما سابقاتها؟

وقد ينسى كثيرون أن العدوان الصهيوني عام 2014 (الذي جاء بعد عدوانين، نهاية عام 2008 وعام 2012)، تصدت له كافة القوى الوطنية الفاعلة في غزة، بما فيها فتح، وعمل الجميع ضمن غرفة مشتركة، وهي تجربة امتدت حتى اليوم، وتجسدت أثناء العدوان الغادر الأخير، أوائل هذا الأسبوع، واعتبر هذا تقدم هام في موقف حماس تجاه الفصائل الأخرى.

ويمكن فهم عظمة هذه الوقفة الميدانية الموحدة المتكررة واستثنائيتها، في مواجهة محتل توسعي ومتوحش، خصوصًا إذا ما تذكرنا أن غالبية الأنظمة العربية، ومنها من لا تزال أرضها محتلة ومستعمرة، إما منشغلة في ذبح شعبها وتدمير مدنه بحجة مواجهة مؤامرة كونية، ولا تجري على الرد على مسلسل الاعتداءات على سيادتها، أو أنظمة تتحالف علنا مع هذا المحتل، متجاوزة التطبيع بشكله الدبلوماسي أو التجاري إلى الأمني والعسكري. كل هذا الانهيار العربي والانحطاط الأخلاقي للنظام الدولي الراهن، لم يشكل مبررا لقوى المقاومة في قطاع غزة، وهي المحاصرة في شريطٍ جغرافي صغير، للتهرب من الدفاع عن النفس، ولا مبررا للاستسلام وتسليم قواعد المقاومة لسلطة التنسيق الأمني في رام الله، كما تريد إسرائيل. 

هذه نقطة لا يجوز الاستهانة بها، في ظل الهوان الطاغي، وهو ما يؤكد على استحالة إطفاء جذوة الرفض، والتنازل عن التحرر والحرية.

لم تكن فصائل المقاومة في قطاع غزة، ولا الشعب الفلسطيني كله، معنياً بأي جولة قتالية، في هذه الظروف الحالكة، وخصوصًا في ظل تشديد الحصار الصهيوني، وتفاقم المعاناة إلى حد الخيال، وكذلك في ظل انضمام أمير مقاطعة رام الله إلى الحصار، محمود عباس. كل ما أراده أهالي القطاع، هو تخفيف الحصار، نحو إزالته كاملا.

ومن المهم الإشارة إلى التحولات الجارية داخل كافة الفصائل، بما فيها حركتي حماس والجهاد الإسلامي، في مفاهيم وتكتيكات المواجهة مع المستعمر، في إطار العمل من أجل تحقيق حق تقرير المصير والعودة. والمقصود، تبلور القناعة بأهمية المقاومة الشعبية المدنية، التي يشترك فيها الشعب كله، وهي تُذكر بأسلوب الانتفاضة الأولى التي انطلقت عام 1987، واستمرت حوالي خمس سنوات.  كان من الممكن أن تؤدي هذه الانتفاضة إلى أهدافها، لولا التسرع في استثمارها، من قبل القيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية، والتوقيع على اتفاق أوسلو الكارثي.

لقد جاءت مسيرة العودة الكبرى في قطاع غزة، التي انطلقت في الثلاثين من آذار/ مارس هذا العام، ومستمرة حتى اليوم في كل يوم جمعة، تتويجا لهذا النضوج والمتغيرات الفكرية المذكورة. وكان لافتا أن فصائل المقاومة ضبطت نفسها، ولم تلجأ إلى الرد العسكري رغم مواصلة قناصة المستعمر إعدام المتظاهرين بوحشية بالغة. كان هناك توافق على أن المعركة، في هذه المرحلة، هي على الوعي.

لقد انتظرت قوى المقاومة الفلسطينية التي توحدت في هيئة شعبية عليا ضمت الشباب أيضاً، انتشار المسيرات في عموم الصفة الغربية وفِي الداخل والشتات. كل هذه الإبداعات النضالية، ذات التوجه السلمي، وكل هذه التضحيات والمعاناة والفقدان، والتي أسرت خيال أحرار العالم، لم تحرك شعرة في جسم ذلك القابع في المقاطعة أو حاشيته؛ وقد تركت هذه البلادة وتخشب المشاعر وانعدام المسؤولية الناس مدهوشين ويشعرون بانعدام القيادة.

رغم ذلك، ليست حركة حماس معفية من المسؤولية عن عدم تطور مسيرة العودة إلى ما هو أبعد من ذلك؛ فالحراك الشبابي وغيرهم يتهمون الحركة بتهميشهم والتصرف على أن الحركة هي المحرك وهي القائدة لهذا الحراك، في حين أن المطلوب هو الحفاظ على هذا الحراك كحراك شعبي حقيقي، يكون في مقدمة قيادته طلائع الجيل الشاب الأكثر وعيا، بالإضافة لممثلين مستقلين من كافة شرائح المجتمع.

ليس واضحًا ما سيتمخض من نتائج قريبة أو متوسطة المدى عن جولة التصعيد الأخيرة، التي أدارتها فصائل المقاومة بحكمة وذكاء سياسي ومسؤول، دون أن تدفع إلى حربٍ جديدة. من الواضح أن هذه الجولة لم تغير جذريا ميزان القوى، سوى الحفاظ على قوة الردع المتبادل، وبالتالي ليست إزالة الحصار واردة حاليا، ولا يزال أمام شعبنا مشوار طويل.

ولذلك، تتركز المفاوضات حول تخفيف المعاناة الإنسانية، وهي مسألة في غاية الأهمية لأهلنا في القطاع، الذين يحتاجون إلى التقاط الأنفاس. 

أما فلسطينيا، فالأنظار مشدودة مرة أخرى إلى ما إذا كان بعد هذه الجولة من أفقٍ لإنهاء الانقسام، وتصبح المسألة أكثر خطورة إذا استمر الانقسام.

تبقى مسيرة العودة ومصيرها تحديا مهمًا أمام القوى الفلسطينية بعد اتفاق التهدئة. لقد بات تقييم هذه التجربة الرائدة والحضارية، بصورة جماعية لتطويرها وللتقليل من الخسائر البشرية، واجبا وطنيا أعلى. كل التجمعات الفلسطينية مطالبة بالمشاركة في هذا التقييم، والنظر في دورها أو غياب دورها، في هذا الجهد الوطني.

التعليقات