18/11/2018 - 17:36

الانتخابات المحلية والعنف والأدوات المفقودة

يعتبر ملف العنف والجريمة الذي بات كابوسا يجثم ويهيمن على حياتنا اليومية من أخطر التحديات التي تواجه المجتمع العربي في الداخل وقياداته العاجزة، دون أن تلوح بالأفق أي بادرة تبشر بالسيطرة عليها ومعالجتها قانونيا ومجتمعيا،

الانتخابات المحلية والعنف والأدوات المفقودة

يعتبر ملف العنف والجريمة، الذي بات كابوسا يجثم ويهيمن على حياتنا اليومية، من أخطر التحديات التي تواجه المجتمع العربي في الداخل وقياداته، دون أن تلوح بالأفق أي بادرة تُبشِّر بالسيطرة عليها ومعالجتها قانونيا ومجتمعيا، مع تآكل منظوماتنا القيمية إلى حضيض القاع، مما يدلل لحد كبير على مدى خطورته وإلى أي مدى يبدو أنه ملف مستعصٍ على الحل في المدى المنظور على أقل تعديل. وهذا ليس بسبب اتساع رقعته، كمًّا ونوعًا، وتورط شخصيات مجتمعية به فحسب، بل بسبب تجذُّر عوامل إنتاجه وتفاقمه لحد مذهل.

وربما أكثر تجليات هذه العوامل الذاتية التي تتعلق بنا كمجتمع، هو انخراط عدد لا بأس به من أفراد يدعون تمثيل المجتمع وقيادته بالعنف والجريمة، إلى جانب غياب أي مرجعية ضابطة ورادعة وناظمة للعلاقات وتعزيز روح الانتماء المفقود. وباعتقادنا استنادا إلى المعطيات المتوفرة لدينا، فإن ما حدث في الانتخابات المحلية من عنف وجريمة، في كثير من الأحيان هو عنف موجه ومتورط به متنافسون على الرئاسة وليس مجرد فعل شبابي طائش، بل في كثير من البلدات والأماكن يكون العنف موجه مع السعي لتأجيجه وتوفير أدوات فعله من "ذخيرة" وأسلحة ومفرقعات لترهيب المنافسين وترويع المواطنين، ويتم تمويلها وسط أبناء الشبيبة الذين يُعانون من الفراغ القاتل.

ليس هذا فقط، بل هناك ظاهرة لافتة وهي أن البعض ممن طرحوا ويطرحون أنفسهم كمرشحي رئاسة وممثلي جمهور تربطهم علاقة وطيدة مع العالم السفلي، ليلتقي رأس المال مع عالم الجريمة، واتباع أساليب العربدة التي تترافق مع التهديد والوعيد للمنافسين، بل أيضا للمصوتين، الأمر الذي يرسخ العصبيات القبلية لدى أوساط الشبيبة الذين يرون بمرشحهم قدوتهم ومثلهم الأعلى وينصاعون لرغبته وأوامره. والسؤال هو؛ هل سيعمل أهل العنف من أجل مصلحة المواطن؟ وهل سيحاربون العنف حقًّا؟

واضح لكل متابع أن معظم الخطاب الانتخابي والبرامج الانتخابية في العديد من البلدات العربية هي واحدة ومتشابهة/ منسوخة، ولا شك أن غالبية عناوينها المضللة تحت عنوان مصلحة المواطن والمصلحة العامة الكاذبة خلطت الحابل بالنابل، ولم يعد المواطن يميز بين مرشح فاقد للقدرات والرصيد بالعمل الجماهيري ولا يجيد حتى القراءة والكتابة، وبين مرشح يحمل أعلى الألقاب الأكاديمية ولديه القدرات الإدارية والرصيد الجماهيري، أو بين مرشح صاحب أخلاقيات ومهارات وبين مرشح مرتبط وساقط أخلاقيا؛ لذلك فإن فاقد الشيء لا يعطيه، لأن المؤتمن على المصلحة العامة يجب أن يكون بعيدا كل البعد، عن كل أشكال ومظاهر العنف الرمزي، الكلامي والجسدي، لكن كيف هذا يستوي مع ما يحدث في بلداتنا في تحويل التنافس إلى معركة وحرب بين أبناء البلد والمجتمع الواحد. هذا ليس فقط يتنافى مع الأمانة والرسالة، بل هو تعد فاضح على المصلحة العامة وتعد سافر على أخلاقيات وتربية ومستقبل أبنائنا.

والأخطر أن العنف هذه المرة لم يكن عملا عابرا وطارئا في يوم الانتخابات وانتهى، بل ما زال مستمرا وكل يوم تترسخ وتتجذر بذوره في أذهان الشبيبة ليتحول إلى حالة مستديمة، إلى جانب العنف العام المتفشي، وينذر بأضرار وخيمة على مجتمعنا وخصوصا في أوساط الشباب وعلى المناخ العام في البلد وعلى مستوى المجتمع، وبالتالي فإن ما أفرزته هذه الانتخابات المحلية وما حصل من جرائم في بعض الأماكن والتي عكست حالة التشظي المجتمعي المريع، يجب أن يضيء ألف ضوء أحمر أمامنا كمجتمع وكقيادات وأحزاب وسلطات محلية وأكاديمية ودينية، لم ترق لغاية الآن إلى أدنى حد من المسؤولية والعمل الجاد في إيجاد الأدوات والصيغة لآليات فاعلة وناجعة تحد من انتشار وحش العنف، ومن دون إيجاد وتفعيل هذه الأدوات المفقودة فإن القادم أعظم.

التعليقات