23/11/2018 - 14:40

على ماذا سيقتتلون.. وعلى ماذا نتنافس؟

وإذا ما قررت هذه الأصوات التحرك بصورة منظمة، فإنها ستربك المسار التقليدي، المعتمد أساسا على التمثيل في الكنيست.

على ماذا سيقتتلون.. وعلى ماذا نتنافس؟

بعد التطورات الدراماتيكية التي أفرزها الصمود الغزاوي، الأسبوع الماضي داخل، مؤسسة نظام الأبرتهايد الإسرائيلي، والمتمثلة في نشوب صراع داخل جناحه اليميني الحاكم الأكثر تطرفا، والتي كادت تسقط حكومتهم والإعلان عن انتخابات مبكرة؛ سادت حالة استنفار لدى بعض مركبات القائمة المشتركة، إذ بدأ البعض يجري حسابات المواقع والمقاعد. تلك الحسابات، كادت أن تشكل مفجرا لولادة القائمة المشتركة عام ٢٠١٥، ولولا قبول قيادة التجمع الوطني الديمقراطي التنازل عن بعض ما يستحقه، لما ولدت القائمة ولتم خوض الانتخابات بقائمتين.

وإذ بات واضحًا الآن أنّ العنوان الرئيسي لحملة الانتخابات الإسرائيلية القادمة، هي المنافسة بين من يكون أكثر عنفاً ووحشية في مواجهة المقاومة والفلسطينيين في غزة، والفلسطينيين عموما والمقاومة العربية أيضا، وإظهار من هو أكثر حرصا على أمن كيان الأبرتهايد، فإن دلائل كثيرة تشير إلى أن التنافس الشخصي والفئوي سيكون الطاغي على سلوك القائمة المشتركة، وليس مواجهة الخطر المتعاظم علينا، كفلسطينيي 48، وكفلسطينيين بشكل عام. 

ومن المهم الانتباه إلى أن هذا التنافس لن يكون محصوراً في الائتلاف اليميني الاستيطاني الحاكم، بل أيضاً في اليسار الصهيوني الذي تتوعد رموزه بتحقيق ما عجز عنه الائتلاف، في ما يتعلق بالمواجهة مع قطاع غزة. وهو بالفعل لأثبت في الماضي والحاضر، أنه أكثر وحشية ودموية، في محاربة شعب فلسطين والأمة العربية.

وفي ما يتعلق بوضعنا، كأحزاب سياسية وهيئات قطرية تمثيلية، يمكن تسجيل بعض الملاحظات على سلوكيات ونهج التفكير العام لدى القائمة المشتركة، حول مقاربتها للوضع السياسي الإسرائيلي، وموقعها إزاء هذه السياسة، ونظرتها لدور وموقع فلسطيني 48، ومتطلبات النهوض بوضعهم.

الأولى: لم تحترم القائمة المشتركة جمهورها، إذ لم تجر تقييما جديا، ولم تعقد مؤتمرا واحدا لهذا الغرض، تظهر فيه ما حققته وما لم تحققه، وماذا تفكر للمستقبل. أي أنها لم تشرك الجمهور في صياغة وتطوير أدائها وبرامجها. وهي بذلك أهدرت الثقة التي منحها الجمهور العربي إياها عندما صوت لها، وفوتت فرصة تثقيفية وتنويرية متبادلة.

الثانية: لم تعتذر قيادة القائمة عن فشلها المريع في التصدي لـ"قانون القومية"، الذي كان متداولا لسنوات طويلة. كما لم توضح للجمهور، بالطبع هي ولجنة المتابعة، كيف تم تبديد حالة الاستنفار الشعبي، الذي تجلى في مظاهرة تل أبيب، فاختزلت كفزعة أو غضبة عابرة، وليس كرد سياسي له ما بعده.

ثالثا: عودة الأمور الى الحالة الروتينية، الرتيبة، بعد أيام فقط من فزعة تل أبيب، واستمرار حصر العمل السياسي أو اللاسياسي في ممثلي القائمة المشتركة في الكنيست، الذين يواصلون التهرب من واجب تنظيم الناس للدفاع عن بيوتهم وعن أمنهم الشخصي. لقد بات السياسي يستأنس بالخطابات من على منبر الكنيست، أو التجوال في العالم على حساب التواجد بين الناس وتنظيمهم في لجان شعبية أو نقابية أو مهنية، أو التواصل مع الأجيال الشابة وتزويدهم بالمعرفة السياسية والفكرية، التي تحصنهم أخلاقيا ووطنيا.

رابعا: لقد سارع البعض بالحديث عن التحضير لخوض انتخابات الكنيست فور استقالة ليبرمان، دون طرح الجدوى من انتخابات الكنيست بعد "قانون القومية"، وبعد كل هذا الكم المتراكم من القوانين العنصرية والاستعمارية، التي تحول الأحزاب السياسية الفلسطينية داخل الخط الأخضر إلى مجرد غطاء لنظام الجرائم. هكذا على الأقل ما يتصوره العقل المجرد. كان يمكن أن تكتسب الأحزاب بعض المصداقية أمام شعبها أولا، وأمام العالم ثانيا، لو جرى هذا النقاش، حتى لو لم يتم اتخاذ اجراء لمقاطعة انتخابات الكنيست. لأن إجراء هذا النقاش، يعني إيقاظ البعد الأخلاقي لجزء من شعب اضطر أن يعيش تحت نظام فصل عنصري واستعماري، وأن السماح له بالمشاركة في اللعبة الانتخابية ليس فضلا من هذا النظام، بل هي توجه منه لتكريس الصورة المزعومة عنه بأنه نسخة من الديمقراطية الأوروبية، التي لا تؤسس المواطنة فيها على العرق والقومية، بل على أساس الانتماء للبلد وللدولة.

وأخيراً، لا بد من القول إنه إذا كان الحديث عن أن القائمة المشتركة تحافظ على قوتها التمثيلية صحيحاً في الاستطلاعات، فإن ذلك نابع من أربعة أمور: الأول هو أن الناس بصورة عامة تفضل الوحدة في كل الأحوال؛ الثاني أن الناس متأثرة من الواقع الفلسطيني والعربي المتشظي؛ الثالث هو شعبوية بعض قادة المشتركة واعتمادهم خطاب لاسياسي خدماتي وتهادني، مستغلين ضائقتهم الاقتصادية وهمومهم الحياتية؛ الأمر الرابع: غياب التأطير للأصوات الوطنية الناقدة ، وللشرائح التي تمثلها هذه الأصوات، والتي الكثير منها لم يعد يؤمن بجدوى انتخابات الكنيست، وينحو نحو التفكير ببدائل شعبية تؤسس لحركة وطنية شعبية متجددة.

وإذا ما قررت هذه الأصوات التحرك بصورة منظمة، فإنها ستربك المسار التقليدي، المعتمد أساسا على التمثيل في الكنيست.

التعليقات