25/12/2018 - 15:49

امتحان القائمة المشتركة

امتحان المشتركة الحالي، ونجاحها أو سقوطها فيه يتعلق بمدى مبدئية الجبهة والتجمع والإسلامية في التعامل مع الابتزاز. لأن الخضوع للابتزاز سيشرع الباب لابتزازات أخرى لا تنتهي.

امتحان القائمة المشتركة

قرر بنيامين نتنياهو حل الكنيست والإعلان عن انتخابات برلمانية مبكرة في التاسع من نيسان/ أبريل 2019. وجاء هذا القرار بعد أسابيع معدودة من تصريحه، بعد استقالة أفيغدور ليبرمان من وزارة الأمن، الذي قال فيه إن إسرائيل تمر بفترة أمنية حساسة تستدعي تجنب الانتخابات. لكنه انقلب على تصريحاته تلك، وقرر التوجه لانتخابات مبكرة، بهدف استباق أي إجراء قضائي ضده بما يتعلق بتحقيقات الفساد.

بنى نتنياهو مجده السياسي على الأزمات المصطنعة غالبا، لكن هذه المرة يبدو أنه بأزمة حقيقية بما يخص التحقيقات ضده، ورأى، على ما يبدو، أن من الأنسب الدخول للمعركة الانتخابية في مرحلة بلغت شعبيته فيها ذروتها، إذ تنبئ استطلاعات الرأي أن عودته للحكم شبه مؤكدة ومع ائتلاف يميني كما هو حاليا.

لكن أزمة نتنياهو القضائية ودوافعه لتبكير موعد الانتخابات البرلمانية ليست صلب الموضوع ههنا، بل امتحان القائمة المشتركة، وقدرتها على الصمود في وجه محاولات الابتزاز الرخيصة من قبل شريك في القائمة، الذي يهدد صباح مساء بالانشقاق وتشكيل قائمة موازية، وضرب المشتركة، ليس بدافع مبدئي أو عقائدي، بل بسبب الكراسي أو حساب المقاعد.

وهنا يتوقع الناس من قادة المشتركة عدم الانجرار خلف محاولات الابتزاز الرخيصة، بل رفض التعامل مع أي محاولة للإملاء والتهديد؛ ويتوقع الناس من قادة المشتركة، الجبهة والتجمع والإسلامية، أن يعلنوا موقفا موحدا وواحدا: من يهدد بضرب القائمة المشتركة فمكانه ليس فيها، ومن يرى أن لديه القدرة على حصد 140 ألف صوت في الانتخابات المقبلة ومنافسة الأحزاب المركزية الثلاثة في المشتركة، فليخض الانتخابات لوحده، ويخاطر بحرق عشرات آلاف الأصوات العربية، وإنهاء مسيرته السياسية (إن كانت له مسيرة أصلا..) بطريقة مهينة خارجة عن الإجماع الوطني.

هذا ما نتوقعه من قادة المشتركة، موقف واضح بأنها قيادة شعب، وأنهم ليسوا تجار سيارات أو سماسرة أرض تساوم على الأسعار وتخضع للابتزاز، وأن توصل رسالة بأن من لديه الثقة الكافية بالنفس فليخض المعركة الانتخابية بقائمة مستقلة استنادا إلى "استطلاعات الرأي" التي يروج لها.

هذا الموقف الموحد غير القابل للابتزاز سيضع حدا لكل محاولات الابتزاز الصبيانية والمصلحجية، التي لا ترى بالناس شعبا بل خزان أصوات لا أكثر. وهذا الموقف هو الذي سيمنع الانشقاق عن المشتركة لأنه سيضع المبتز أمام الامتحان الحقيقي: إذا كنت جديا بنواياك ولديك الشجاعة الحقيقية الكافية، فلتخض الانتخابات بقائمة مستقلة. هذي الساحة وهذا الميدان. وستقدر الناس مبدئية المشتركة، وأنها غير خاضعة للابتزاز، وأنها ليست ترتيب كراسي، بل قيادة وطنية حقيقية لا تُبتز من إسرائيل أو من غيرها. هذا سيحسب لقادة المشتركة وسيعزز الثقة فيها.

هذه المحاولات ليس ابتزازية فقط، بل تخريبية أيضًا، هدفها ضرب العمل السياسي الوطني في الداخل، والتشكيك بشرعية الأحزاب، والترويج لسياسة النجومية الفردية والوساطات، بدلا من تعزيز روح النضال الجماعي ورفع سقف الخطاب السياسي، وبناء المؤسسات القومية الحديثة للعرب في إسرائيل، مثل لجنة المتابعة واللجنة القطرية والصندوق القومي والمجلس التربوي وغيرها من المؤسسات القومية.

إذا كانت القائمة المشتركة حقا "إرادة شعب"، كما قالت في حملتها الانتخابية السابقة، فإن الامتحان هو هل هي "قيادة شعب"، تتوحد في القضايا الجوهرية وتتبنى موقفا موحدا، يرفض الابتزاز والتهديد

ويتوقع من قادة المشتركة أيضًا، مراجعة أدائها خلال الدورة السابقة، فهي تجربة جديدة نسبيا، ومركبة من عدة تيارات سياسية لديها توجهات مختلفة، فلا بد من المراجعة والتقييم والتصويب، والابتعاد عن المنافسة الشخصية والمحاصصة الحزبية، بل مكاشفة الناس بإنجازاتها ونقاط ضعفها، وتحديدا عدم وضوح خطابها السياسي وسقفه.

أما بما يخص المناورات السياسية في الدورة البرلمانية السابقة، فقد تبيّن بشكل واضح أن الصفقات مع أحزاب الحريديين فشلت، ولم تمنع تمرير "قانون القومية"، بل إن هذا السلوك أنقذ حكومة اليمين من السقوط عدة مرات بسبب امتناع نواب المشتركة عن التصويت ضد قوانين إشكالية داخل الائتلاف الحكومي نفسه. لذا فليس المطلوب الإقرار بالفشل أو الاعتذار، وإنما استبدال هذا النهج، بنهج شعبي يعيد الثقة للعمل السياسي والوطني، ويوفر سندا لعمل المشتركة البرلماني. فنهج الصفقات لم يُعد مترًا واحدًا من الأراضي المصادرة أو الاعتراف بقرية عربية واحدة بالنقب، بل بالعكس هو إدارة للأزمات لمنافع سياسية شخصية عنوانها معروف.

ستكون مفاجأة طيبة جدا أن تعلن مكونات المشتركة الثلاثة المركزية بأنها لا تحمل شروطا مسبقة في المفاوضات، أو حتى على استعداد للحفاظ على تركيبتها الحالية أو بتركيبة شبيهة، دون الخضوع للابتزاز والتهديد، فهذا سيوفر عليها الكثير، ويحمي الناس من معارك جانبية على ترتيب المقاعد، وسيوفر لها وقتا حتى الانتخابات تتواصل خلاله مع الناس وتتحاور معهم بدلا من خوض معركة انتخابية سلبية.

إذا كانت القائمة المشتركة حقا "إرادة شعب"، كما قالت في حملتها الانتخابية السابقة، فإن الامتحان هو هل هي "قيادة شعب"، تتوحد في القضايا الجوهرية وتتبنى موقفا موحدا، يرفض الابتزاز والتهديد؟ سيقدر الناس ذلك كثيرًا، بأنها قائمة وقيادة مبدئية ووطنية، وليست قائمة أعضاء كنيست همهم تقاسم "الغنائم". هذا هو امتحان المشتركة الحالي، ونجاحها أو سقوطها فيه يتعلق بمدى مبدئية الجبهة والتجمع والإسلامية في التعامل مع الابتزاز. لأن الخضوع للابتزاز سيشرع الباب لابتزازات أخرى لا تنتهي.

اقرأ/ي أيضًا | مقاعد وعقائد

التعليقات