04/01/2019 - 16:32

لماذا يسكت المثقفون عن السيسي؟

لم يكن اعتراف السيسي الصريح، يوم الخميس، في مقابلة مع شبكة الـCBS، بممارسة العمالة لصالح إسرائيل، مفاجأةً أو خبرًا جديدًا، وقد لا تروق كلمة عمالة للكثيرين، خاصة وأن أنظمةً ممانعةً ورجعيّةً تتّهم كل من يعارضها معارضة جذرية وحقيقية.

لماذا يسكت المثقفون عن السيسي؟

لست من الذين يلقون تهم الخيانة والعمالة بسهولة وبطريقة نزقة على الآخرين، كما كنّا نفعل عندما كنّا شبابًا متحمسين أو كما كان يفعل بعض التنظيمات السياسية. فقد علمتني التجربة، وبعد أن تعرض مناضلون أو مثقفون أو معلمون لتهم الخيانة جزافًا، أن إلقاء التهمة يتطلب مسؤوليّةً في فحص الأدلة وسلوكا رزينا وأخلاقيًا، وأيضا، إلى قياس المواقف بصورة موضوعية.

كما أنّ الاختلاف في الرأي أو التوجهات السياسية الوطنية، لا يجوز أن يتحول إلى تهم بالخيانة، كما حصل في الأنظمة الشمولية سابقًا، ويحصل اليوم. هذا لايعني أنه لم يكن عملاء، بل إن الكثير من العملاء، لاقوا جزاءهم العادل. وبالتأكيد، ما زال هناك عملاء، أفرادًا وأنظمةً، والعمالة لم تختف، ولن تختفي. والأخطر هو وجود أنظمة عربية عميلة، بعضها سقط قديما، وبعض آخر سقط في الثورات العربية، وبعضها الآخر، ما زال قائما، بالحديد والنار، وبفضل الحماية الخارجية. 

لم يكن اعتراف السيسي الصريح، يوم الخميس، في مقابلة مع شبكة الـCBS، بممارسة العمالة لصالح إسرائيل، مفاجأةً أو خبرًا جديدًا، وقد لا تروق كلمة عمالة للكثيرين، خاصة وأن أنظمةً ممانعةً ورجعيّةً تتّهم كل من يعارضها معارضة جذرية وحقيقية، حتى لو كان من داخلها، بالعمالة للأجنبي. نعم، لا فرق من هذه الناحية، بين الجمهوريات الوراثية الاستبدادية، أو الملكيات الوراثيّة. ولكن، في حالات معينة، وفِي حالة السيسي وعصابته تحديدًا، لا يكفي تلطيف المصطلح، كالقول بالتنسيق الأمني، كافيًا لوصف خطورة هذا الفعل الشائن، وطنيًا وأخلاقيا.

السؤال المطروح هو لماذا الكثير من المثقفين والصحافيين، العرب والفلسطينيين، الذين يعرفون أنفسهم كقوميين وكيساريين، أو حتى كديمقراطيين، ويهاجمون غالبية أنظمة الخليج، يغضون الطرف عن نظام فاق تعاونه مع إسرائيل، ربما أكثر من أي نظام عربي آخر. هل فقط لأنه ذبح الإخوان المسلمين؟ أو لأنهم يراهنون إلى العودة إلى أحضانهم؟ هل هذا هو المعيار الذي يحكم مواقف هؤلاء، حتى لو كان متعاونًا مع عدو الأمة العربية المباشر، والذي لا يزال يحتل الأرض العربية والفلسطينية؟

قد يكون من الصعب عليهم اليوم مهاجمة نظام السيسي، على خلفية توسيع خطته القمعية الإجرامية لتشمل قوميين ويساريين وديمقراطيين، ليست لهم صلة بالإخوان المسلمين، بل كثير منهم ساند انقلابه الوحشي، نعم من الصعب، لأنهم يؤيدون أنظمة قومية مستبدة متوحشة، فتكت بالبلاد والعباد، ولا يسمعون كلمة نقد واحدة. إذا كانت القوى الإمبريالية والصهيونية، حسب تصورات هؤلاء، هي التي تقف وراء ثورات الشعوب، ترى كيف يمكن السكوت على هذه المؤامرات الإمبريالية والصهيونية، المتمثّلة في نظام السيسي، الذي لم يعد يخجل بالتصريح عن ذلك؟

إن من يقرأ ويتابع ويستمع إلى كل ما يصدر عن حكام نظام الاستعمار الصهيوني، من إعجاب ورضًا واحتضان لنظام السيسي منذ ارتكاب جريمة الانقلاب، تدرك مدى الانحطاط الذي وصل إليه هذا الرجل القاتل، الذي نجح في تصفية الثورة المصرية العظيمة، ومعظم صانعيها، من كل الأطياف، هذه الثورة التي كانت ستعيد مصر إلى أفضل أمجادها، وإلى دوريها العربي والعالمي، وإلى التخلص من اتفاقية كامب ديفيد المشينة والكارثية. 

إنّه، مثل معظم الأنظمة العربية، يلجأ إلى إسرائيل مباشرة، لكسب الحماية الأميركيّة، لهدف واحد ووحيد، هو البقاء على كرسي العرش، والنجاة من غضبة الشعوب القادمة. أنظمة تبحث عن شرعية خارجية، بعد أن فقدت كليًا ما تبقى لها من شرعية جزئية داخلية.

لم يبق نظام عربي واحد تقريبا، لا يعتمد بقاؤه على الخارج، من الغرب ومن الشرق وإن كانت بعض الأنظمة أقل قمعًا، وأكثر انفتاحًا وأكثر تطورا، من أنظمة أخرى. 

وتزداد الكارثة حين يصطف مثقفون من كل الاتجاهات الديمقراطية واليسارية والقومية والدينية، إلى جانب أنظمة الاستبداد، ويذوبون في منظومته التبريرية، الاستلابية.

في السودان، وحدهم تقريبًا، المثقفون، القوميون واليساريون، ومن ذوي التوجهات الدينية، بغالبيتهم، لا يفرقون بين استبداد وبين استبداد آخر، وبين عمالة وبين عمالة أخرى، ففي انتفاضتهم البطولية المستمرة منذ أكثر من أسبوعين، يمارسون الاتساق الأخلاقي والسياسي والمصالحة مع الذات، فقد سجلوا معارضتهم بصورة لا لبس فيها للتطبيع بوجهيه، التطبيع مع إسرائيل، والتطبيع مع الطغاة، حتى لو بدوا منتصرين.

هذا الشعب السوداني العريق ومثقفوه، يلتقون مع نظرائهم العرب، في مختلف الأقطار العربية، الذين يواصلون التمسك ببوصلة أخلاقية، وقومية ووطنية على طريق النهضة الحقيقية والتحرر الحقيقيّان.

التعليقات