27/01/2019 - 12:42

أفكار "سوداوية" في ذكرى اندلاع الثورات العربية

اليوم وبعدما اتضح المشهد الذي بات يتبوأ فيه الاحتلال مكانة في أجزاء من الوطن العربي، ألم يحن الأوان للعض على نواجذنا ندما على ما فعلنا بأنفسنا وبشهدائنا.

أفكار

تمر هذه الأيام الذكرى السنوية لبداية الثورات العربية ضد الدكتاتورية والقمع والقهر الاجتماعي، والتبعية وسياسات الإفقار والإذلال والتطبيع مع دولة الاحتلال والأبرتهايد. بعد هذه السنوات يبدو الحلم الذي بدا تحقيقه وشيكًا، حلم الحرية والعيش والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، أبعد مما يكون.

حيدر عيد

حوربت الثورات العربية وقُمعت من جذورها لأنها بدأت بتدشين قواعد العدل الاجتماعي في مواجهة مصالح فئة قليلة استحوذت على النسبة الأعظم من ثروات البلاد، وتركت الفتات ليقتات منه أغلبية الشعب، ولأنها طالبت بالحفاظ على استقلال القرارات السيادية ضد قوى، منها إسرائيل، أرادت للعالم العربي أن يعفن في حظيرة التبعية والتطبيع.

وعلى صعيد المثال، أتى تصريح وزير الخارجية اللبناني المعروف بعنصريته، جبران باسيل، والذي يعبر بشكل واضح وصريح عن حالة نمو الثورات المضادة وقدرتها على المجاهرة بالعداء لحقوق الشعب الفلسطيني الأساسية، والمكفولة في إطار القانون الدولي، بقوله لإحدى وسائل الإعلام "نحن ليس لدينا قضية أيديولوجية ضد إسرائيل ونحن لا نرفض وجودها. إسرائيل يحق لها أن تنعم بالأمان"!

ومع الحملة المسعورة من التطبيع العربي مع دولة الاستعمار الاستيطاني والأبرتهايد، وترافق ذلك مع الترويج لما يسمى "صفقة القرن"، من دون الإعلان عن محتواها رسميا، وتبني معظم قوى الثورة المضادة لها رسمياً أو من وراء الستار، تتضح الخسارة الهائلة التي تكبدتها الشعوب العربية بشكل عام، والشعب الفلسطيني بشكل خاص. الشعب الفلسطيني الذي أصبح تلك "الكتلة الصماء" التي يتكلم باسمها الجميع ولا يعرفها أحد!

لقد أصبح من الواضح أن اتفاقا يجمع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والأنظمة الرجعية العربية، التي قادت الردة على الثورات العربية، والتي تمعن في التطبيع مع الاحتلال على تصفية القضية الفلسطينية مرة وإلى الأبد. ومن الملاحظ الخوف الشديد الذي أبدته إسرائيل من الانتفاضات العربية ومن ثم العداء الصريح لها، إذ أنه لا يمكن لإسرائيل أن تتعايش مع عالم عربي ديمقراطي تسوده حرية التعبير وانتخابات حرة ديمقراطية، يتم من خلالها تداول السلطة. فإسرائيل تدرك تماما بأن جود أنظمة ديكتاتورية دموية هو شرط أساسي لاستمرار المشروع الصهيوني. وفي السياق ذاته، يمكن بوضوح فهم رسائل الغزل والود التطبيعية.

ومع غياب المراجعات الفكرية النقدية، وخيانة وتآمر العديد من القوى السياسية التي كان البعض يعول عليها، وتماهي خطاب البعض منها مع خطاب قوى الثورة المضادة وتبني روايتها بالكامل، بل العمل معها يدا بيد لإجهاض أي مخاض ديمقراطي وهرولة قوى الإسلام السياسي لقطف ثمار واختطاف الثورات بعد رفضها في البداية، يبدو أن المأزق الذي خلقته قوى الثورة المضادة سيستمر لفترة غير محدودة.

من المحزن القول في هذا السياق، إن هذا المأزق قد يقضي على بواعث أمل لاستجابة الشعوب العربية المضطهدة من جديد لأي حراك الشعبي ينادي بالتغيير والإصلاح والديمقراطية والحرية والعدالة وغيرها من المطالب. وهذا بدوره، سيعزز التوافق على إجهاض الحقوق الفلسطينية بالتعاون مع أنظمة الثورة المضادة، التي تخترق العلاقات الإسرائيلية الآن قطاعات عديدة في تلك الأنظمة.

اليوم وبعدما اتضح المشهد الذي بات يتبوأ فيه الاحتلال مكانة في أجزاء من الوطن العربي، ألم يحن الأوان للعض على نواجذنا ندما على ما فعلنا بأنفسنا وبشهدائنا.


* محلل سياساتي في شبكة السياسات الفلسطينية «الشبكة»، وأستاذ جامعي في جامعة الأقصى ــ غزة.

التعليقات