06/02/2019 - 13:27

لماذا نقاوم؟

لماذا نقاوم؟ إذا أردنا أن نبحث في الدور الوظيفيّ لهذا السؤال، فهو سؤال يمنع السكون في عقل المقاوم ويحافظ على حركة دائمة للمقاومة. والسؤال هذا ينقسم إلى قسمين، أو لنقل، يمكن لنا أن نستخدمه كي نبحث في مجالين.

لماذا نقاوم؟

لماذا نقاوم؟ إذا أردنا أن نبحث في الدور الوظيفيّ لهذا السؤال، فهو سؤال يمنع السكون في عقل المقاوم ويحافظ على حركة دائمة للمقاومة. والسؤال هذا ينقسم إلى قسمين، أو لنقل، يمكن لنا أن نستخدمه كي نبحث في مجالين.

المجال الأوّل يذهب نحو البحث في معنى المقاومة كفعل يرتبط بثقافة المقاوِم، أي بالمفاهيم والحقول والأفعال التي يجد المضطهَد نفسه فيها عندما يتخذ المقاومة كوسيلة من أجل إلغاء الاضطهاد، أي أنه سؤال ثقافي بامتياز، وجوابه يعبر عن ماهية المقاومة، بكونها فعلًا أخلاقيًّا يترجم موقف المُضطهَد الرّافض من الاضطهاد، ويجسد رفضه هذا "بفعل ما". ولا يمكن أن ننظر إلى هذا الفعل بمعزل عمّا هو سائد ومتعارف عليه، أي ما تنتجه الظروف المحيطة وتستمر في إعادة إنتاجه, فالشعرُ عند الفلسطينيين ما زال رمزًا للمقاومة، والتطريز الفلسطيني كذلك، كما الدبكة، كما التمسك بالعقيدة الدينية، واللغة العربية، وشجر الزيتون. كلها أشكال تعبر عن شكل تتمظهر فيه المقاومة في وعي الفلسطيني، إذ جميعها ترتبط بالواقع السياسي الذي يعيشه.

أما المجال الثاني فهو يعبر عن المقاومة بكونها تجسّد مرحلة من أطوار التاريخ، يقوم فيها المضطهَد برد الفعل لا الفعل ذاته، لا يقدر فيها على أن يؤمن للمقاومة ديمومتها، فلو قام بذلك، فهو يدخل إلى الثورة. وبكلمات أخرى: إن أحد تعاريف الثورة هو استمرار الفعل المقاوم، ومأسسته، ومواكبته الدائمة للظروف المحيطة به، الدائمة التجدد، فالظروف هذه هي النتاج المباشر للحركة الدائمة للطرف النقيض في الصراع.

إن هذا كلّه يستوجب وبشكل ضروري تطويرًا مستمرًّا لأدوات المقاومة في جانبها التقنيّ، والمُمارساتيّ، والنظريّ، لكن علينا أن نتناول عمية التطوير هذه بحذر شديد، فالمجتمعات عندما تواجه عنفًا غالبًا ما تجنح نحو العنف المضاد، لا النقيض، أو الخضوع والمهادنة، وأقول غالبًا لأن استيعاب العنف الاستعماري عبر وعي ثوريّ، والذهاب نحول الفعل العنيف النقيض لذلك الاستعماري، له شروط تاريخية محددة لا مكان لخوض نقاش فيها هنا؛ إن أخطر ما يهدد المقاومة هو أن تتحول إلى بروتوكول، تقوم به الفئة المعنيّة كأمر اعتياديّ، أي أن يعتاد المضطهَد على معاداة المضطهِد دون معرفة السبب، فيصبح التمثال في الموقف بين أطراف الصراع تجاه الاضطهاد. أعني، إذا كانت الثقافة هي إحدى مكونات الفعل المقاوم، فكيف يمكن للمضطهَد أن يستند إلى منطق المضطهِد في مقاومته له؟

ولعلنا كفلسطينيين بشكل خاص، نجد أنفسنا نطرح السؤال بطريقة أخرى: لماذا نحن ضد إسرائيل؟ هل نحن ضدها لمجرّد كونها إسرائيل نقطة وانتهى الأمر؟ أم بسبب الاضطهاد والظلم والقمع والقتل والتهجير الذي تمارسه إسرائيل يوميًّا تجاهنا كفلسطينيين، وهي، أي الممارسات، تتّسق وطبيعة تكوّنها المتوحشة واللاأخلاقية، أي أنها ليست بإسرائيل دون تلك الممارسات. والمعضلة الكبيرة تكمن في ذوبان الفهم لكل هذا، فيصبح الرفض لمكاننا كفلسطينيين في عملية الاضطهاد، لا رفضًا للاضطهاد ذاته. وبتعبير مكثف، إذا كان الشعب الفلسطيني قد اتخذ على عاتقه دورًا تاريخيًّا محددًّا، وهو القضاء على الاستعمار والاستعباد، فإن الذي حدد هذا الدور هو مكانه في الصراع، النقيض المادي والأيديولوجي للاستعمار.

ويمكن أيضًا أن يُطرح السؤال هذا في سياق مختلف، يعبر أيضًا عن مرحلة من أطوار التاريخ, نكون فيه كفلسطينيين في مكان المشاهد للأحداث التي تدور بين إسرائيل ومن يعاديها، فيطرح السؤال بصيغة: هل نتعامل مع إسرائيل كطرف من ثنائية صلبة لا ثالث لها، ولا يهم ضد من هي؟ أي أننا كمشاهدين لا نملك إلا أن نتّخذ موقفًا، وهنا فإن العملية هذه تحمل اعترافًا ضمنيًّا بأن الموقف يعبر عن مقاومة ما. ولنفترض جدلًا، كي يتضح السؤال، أن جماعة معينة مستبدّة مافياويّة ناهبة مُضطهدة للإنسان، قد دخلت في عداء مع إسرائيل، هل علينا أن نصطف بجانب الجماعة هذه؟ وهل يُسمح أساسًا بأن نتخذها كحليف مثلًا؟ وإن كان على مستوى "التكتيك"؟ قد تبدو هذه الأسئلة جميعها استنكارية إذا ما اعتبرنا الفعل المقاوم للاضطهاد جزءًا من الثقافة.

إن من يحمل منطق الادعاء الذي يتخذ المقاومة كجوهر ثابت، يحولها إلى لغة خشبية، صلبة، لا تقبل المراجعة والنّقد والتّطوير، هو من يطرح ذاته كبديلٍ في طور التكوين لمنظومة النهب والسيطرة الاستعمارية، إنّه كالفرس التي أُلبِست غمامة –والفاعل المستتر هنا هو الاستعمار- لا تقوى على رؤية إلا ما أمامها، لا تدرك ما يحيطها؛ إن جوهر هذا "العقل" يقوم على تبسيط نابع من هيمنة منطق التضاد لا منطق النقيض.

التعليقات