08/03/2019 - 09:50

أن تكوني امرأة من غزة

حان الوقت لإزالة كافة القيود والحواجز المفروضة على حركتهن، كما حان الوقت لإزالة الحصار المفروض على جميع سكان غزة، لكي يتيح لهم/ن حياة آمنة تليق بهم/ن.

أن تكوني امرأة من غزة

كان لي الشرف خلال السنتين الماضيتين بأن أتعرف على نساء مؤثرات من غزة. نساء مبادرات ومبدعات، مثقفات وناشطات اجتماعيات، كل امرأة في عالمها ومجالها، نساء تحدين الصعاب في شق حياتهن المهنية على الرغم من الحصار، التحديات وصعاب الحياة التي واجهتهن. 

مريم أبو العطا، حاصلة على شهادة البكالوريوس في الهندسة المعمارية. بعد أعوام من المحاولات للحصول على وظيفة ثابتة في مجال الهندسة، فكرت مريم لوهلة في الهجرة إلى دولة أخرى، ولكن بعد الكثير من التخبط قررت أن تبقى في غزة وأن تخدم مجتمعها، وهي تعمل اليوم كمديرة مشاريع ومجندة أموال في جمعية "عايشة لحماية المرأة والطفل".

حنان خشان، خريجة علوم الحاسوب. عملت في المجال لمدة عامين قبل أن تتبع حلمها وتدخل إلى عالم التسويق الرقمي المفضل لديها، فقد طورت مشروعًا يعمل مع النساء بشكل خاص، بهدف تعزيز دورهن في قطاع تكنولوجيا المعلومات، وتتطلع إلى توسيع مشروعها ونشره في عدد من الدول العربية. 

فتحية تمراز، خريجة موضوع الفنون الجميلة. قبل ثلاث سنوات وبعد وفاة زوجها واعتنائها بولديها الصغيرين، أقامت مصلحة خاصة تتركز في مهنة النحت على الخشب وتعمل على توسيعها. 

بموجب معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني للعام 2018، بلغت نسبة نساء غزة المشاركات في سوق العمل (ممن هن فوق جيل 15 عامًا) 29.4%، ونسبة البطالة في أوساطهن وصلت إلى 74.6%. وفي أوساط الشابات في شريحة الأجيال 15-29 عامًا، فقد بلغت نسبة البطالة 88.1%. 

على الرغم من الارتفاع في نسبة النساء المشاركات في سوق العمل خلال السنة الأخيرة، إلا أنه لا تزال هناك العديد من المهن التي نسبة النساء العاملات بها منخفضة، وتحديدًا تلك التي تعتبر مجتمعيًا "مقولبة للرجال". في الطب مثلًا، نسبة النساء العاملات في هذا المجال بلغت 13.3% فقط، وبالمقابل، في الصيدلة 59.2%، وفي التمريض 47.8%. أما في المحاماة 23.4% وفي الزراعة بلغت نسبتهن 6.5%. ثلثي النساء يعملن في القطاع الخاص، 63.6% ونسبة الفقر في أوساط النساء في غزة قد بلغت 53.8%. 

المعطيات المذكورة أعلاه هي ليست محض صدفة، بل لها عدة أسباب ودلالات: الوضع الاجتماعي، الأزمة الاقتصادية الخانقة، المعاناة في معبر رفح البري، نتاج الصراعات السياسية وبالأساس الحصار الذي يفرضه الاحتلال على قطاع غزة. كل هذه العوامل تؤثر بشكل مباشر وعميق على حياة النساء واحتمالات إيجاد أماكن عمل، وعلى مدى نجاحهن المهني. فبسبب النقص في أماكن العمل، العديد من النساء يضطررن إلى العمل في مهن غير مجال تخصصهن كون أن إمكانية الحصول على عمل خارج غزة هي مهمة مستحيلة. 

حصل ارتفاع في نسبة النساء اللواتي يعتبرن المعيلات الرئيسيات لعائلاتهن، من نسبة 7% خلال عام 2007 إلى 9.4% اليوم. يعود سبب هذا الارتفاع إلى العدوان المتكرر والحروبات المستمرة على قطاع غزة، التي أدت إلى استشهاد الآلاف من الناس. ونسبة النساء الأرامل بلغت 4.5% (ما قبل مسيرات العودة). 

بحسب معطيات الشؤون المدنية الفلسطينية، خلال عام 2018 حصلت النساء على 30% فقط من مجمل تصاريح الخروج من قطاع غزة عبر معبر إيرز، أي أقل من ثلث عدد التصاريح الكلي. لكن الأهم ربما، أن حصة النساء كانت 3% فقط من مجمل تصاريح التجار، وهي تصاريح عبور متعددة الاستخدام تعطى للتجار وأصحاب المصالح الذين يسعون إلى تسويق بضائعهم داخل وخارج غزة، وهم يشكلون أغلبية العابرين في الحواجز.

المعايير التي يفرضها الاحتلال لا تسمح بتسويق البضائع بكميات صغيرة عبر البريد أو شركات نقل خاصة مثلا، الأمر الذي يمنع النساء اللواتي يملكن مصالح تجارية صغيرة نسبيًا من تسويق بضائعهن خارج القطاع والتوسع في عملهن. 

وكما أسلفت، فإن غالبية النساء في غزة يعملن في القطاعات الخدماتية، وهي لا تعتبر وفقًا للمعايير التي يفرضها الاحتلال من القطاعات المستحقة لتقديم طلبات للحصول على تصاريح خروج من غزة، الأمر الذي يزيد من انتهاك حرية النساء بالحركة والتنقل، ويضر بتطورهن المهني والعملي.

منذ العام 2000 لا يسمح الاحتلال للطلاب الجامعيين من قطاع غزة بالدراسة في جامعات الضفة الغربية. لو استطعن الدراسة في الجامعات التي تبعد بضع ساعات سفر عن بيوتهن، لتوفرت إمكانيات عديدة متاحة للدراسة الأكاديمية وتخصصات متوفرة أمام الشابات في غزة، ومكنتهن من تحقيق طموحاتهن والتحليق في أحلامهن وتحقيقها.

كذلك هو الحال في حالات الزواج ولم الشمل، إذ أن بهذه الحالات الأمور معقدة أكثر. لم شمل العائلات يكاد يكون مستحيلا، إذ يصعب، بل تعجز النساء اللواتي يرغبن بالارتباط ممن هم في الضفة الغربية أو الداخل الفلسطيني. سياسة الفصل الإسرائيلية التي تهدف إلى منع الحركة والتواصل داخل الأراضي الفلسطينية، تفرق بين الأزواج وعائلاتهم، الأهالي وأولادهم وبناتهم وتمس بالتماسك الأسري. إضافة إلى ذلك، فإن تغيير مكان الإقامة من غزة إلى الضفة الغربية تعتبر مهمة شبه مستحيلة وغير متاحة. 

في النهاية، يجب التطرق إلى الجانب الصحي الذي تعاني منه النساء في غزة، إذ بحسب منظمة الصحة العالمية، بلغ خلال العام 2018 عدد طلبات التصاريح للمريضات اللواتي يردن تلقي العلاج في الخارج لعدم توفره في غزة 11759 طلب تصريح. 7651 طلبات جرت الموافقة عليها ورفض 740 طلبًا، فيما لم يتم الرد على 3368 طلب تصريح بالخروج في الوقت المناسب. 

أما مرافقات المرضى والتي بأغلبيتهن نساء، فقد جرى تقديم 19396 طلب تصريح، وتمت الموافقة على 10546 طلبا، فيما تم رفض 1724 وبقي 7126 طلب تصريح بلا رد من قبل الاحتلال، في الوقت الذي كان بوسعهم علاج الطلبات بأقصى وقت ممكن. 

عدم الرد على الطلبات والاستهتار في حياة المريضات اللواتي يحتجن لتلقي العلاجات الضرورية والأساسية، واللواتي يضطررن إلى ترك عائلاتهن بهدف تلقي العلاج في الخارج، والذي يجب توفيره لهن في غزة. إلى كل هذه الصعوبات، تضاف الظروف المعيشية الصعبة في غزة، والتي تضر في سكان القطاع أجمع، البنى التحتية المنهارة، أزمة الكهرباء، وضع الصرف الصحي وجهاز الصحي المنهار. 

لذلك أشعر بالحاجة للإشارة إلى تجربتي في العمل مع هؤلاء النساء النوعيات، ومشاركتهن تجاربهن الخاصة في يوم المرأة العالمي، والذي أعتبره يوما نضاليا بحتا للمطالبة في المساواة الكاملة ونيل الحقوق. نساء ناجحات، مؤثرات يعملن ويطمحن لمجتمع أفضل يصلح العيش به. رأيت بهن طاقات غير متناهية وقدرة عظيمة على الرغم من الإمكانيات الضيقة المتاحة لهن، يبحثن بشكل مستمر عن فرص النجاح والتطور وإثبات الذات. 

حان الوقت لإزالة كافة القيود والحواجز المفروضة على حركتهن، كما حان الوقت لإزالة الحصار المفروض على جميع سكان غزة، لكي يتيح لهم/ن حياة آمنة تليق بهم/ن.

(قمر طه باحثة في جمعية "جيشاه - مسلك" للدفاع عن حرية الحركة والتنقل)

التعليقات