28/03/2019 - 18:53

من كفر قاسم إلى "حولا" لماذا يطول عمر السفاحين؟

يورد المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس أن مذبحة قرية "حولا" هي واحدة من الفظائع التي جرت في عملية "حيرام" والتي قتل فيها أكثر من 200 من المدنيين والأسرى العرب، بينما تورد المصادر العربية أن اقتحام قرية "حولا" من قبل العصابات الصهيونية

من كفر قاسم إلى

سليمان أبو رشيد

 عن عمر ناهز الـ96 عاما مات مؤخرا شموئيل لهيس، قائد مجزرة "حولا" اللبنانية، التي جرى خلالها إطلاق النار على العشرات من الأهالي وهم أسرى، بعد أن قامت وحدة "كرميلي" باحتجازهم خلال احتلالها للقرية، ثم قامت بتفجير البيوت ودفن جثثهم تحت أنقاضها.

لهيس، الذي كان نائب قائد الكتيبة التي احتلت القرية، أعلم قائده، دوف يرمياه، أنه جرى احتلال القرية دون معركة وأن غالبية السكان قد هربوا، إلا أنه أشار إلى وجود 35 من الرجال ما زالوا محتجزين في أحد المباني، وسأل يرمياه إذا كان يريد طردهم، كما يورد دان ياهف في كتابه، "طهارة السلاح - أسطورة وواقع".

وعن المجزرة يقول يرمياه، الذي تحول لاحقا إلى داعية سلام، إنه عندما عاد في اليوم التالي من مشاورات في مقر القيادة، سأل عن الأسرى، أجابه الجنود بأن لهيس ومساعده قاما بإطلاق النار عليهم ومن ثم نسف البيوت لتوفير قبر جماعي لهم.

وفي السياق، يورد المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس أن مذبحة قرية "حولا" هي واحدة من الفظائع التي جرت في عملية "حيرام" والتي قتل فيها أكثر من 200 من المدنيين والأسرى العرب، بينما تورد المصادر العربية أن اقتحام قرية "حولا" من قبل العصابات الصهيونية عام 48، رغم وقوعها في الأراضي اللبنانية وتنفيذ المذبحة ضد أهلها، جاء انتقاما من القرية التي احتضنت عناصر جيش الإنقاذ العاملة على الحدود مع فلسطين.

 وتفيد تلك المصادر بأن العصابات الصهيونية دخلت القرية من الجهة الشمالية متنكرة بزي مقاتلي جيش الإنقاذ العربي، وأنها قامت باعتقال العشرات من الشبان والرجال والنساء والأطفال وجمعتهم داخل ثلاثة من بيوت القرية ثم أعدمت الرجال والمسنين بإطلاق النار عليهم وهم يواجهون الحائط وأيديهم مرفوعة فوق رؤوسهم، وبعدها نسفت المنازل فوق رؤوسهم.

ورغم أن عدد ضحايا المجزرة غير واضح، إلا أن التقديرات تتراوح بين 70 و90 شخصا. فيما يورد المؤرخ إيلان بابيه أن القوات الصهيونية أعدمت أكثر من 80 شخصا في قرية "حولا" وحدها.

وعلى منوال جرائم الحرب التي لا يمكن التستر عليها لشدة هولها، والتي تنصب المحكمة أصلا للتخفيف من وقعها وتبرئة المؤسسة عبر إيقاع حكم مخفف على الفاعل يتم إجهاضه لاحقا، كما حدث مع سفاح مجزرة كفر قاسم، يسخار شدمي، الذي توفي السنة الفائتة عن عمر 96 عاما، واعترف قبل وفاته بأن محاكمته كانت مفبركة حتى أنه منح الحق بالاعتراض على القضاة الذين لا يروقون له وأن خط الدفاع اعتمد عدم توريط مسؤولين أعلى رتبة في الجيش وفي المؤسسة السياسية.

على هذا المنوال قدم لهيس إلى المحاكمة وتم الحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات جرى تخفيضها بعد الاستئناف إلى سنة واحدة ثم أفرج عنه بعد أن حظي بالعفو من رئيس الدولة.

وعلى طريقة أترابه من الذين بنوا مجدهم السياسي على جماجم العرب، أكمل لهيس لاحقا دراسة المحاماة في الجامعة العبرية وأسس القسم القانوني التابع للوكالة اليهودية والهستدروت والصهيونية العالمية، ليتم انتخابه عام 1978 رئيسا للوكالة اليهودية، بعد أن فشلت جهود قائده، يرمياه، وأحد معتقلي سفينة "ألتالينا" (سفينة السلاح التابعة لـ"إيتسل" والتي جرى تفجيرها بأمر من بن غوريون، والتي اتهم بإطلاق النار على أحد معتقليها)، في منع تعيينه بدعوى ارتكاب جرائم حرب.

 وكما رفضت المحكمة التي برأت شيدمي من جريمة القتل تصديق شهادة مرؤوسه، شموئيل ملينكي، الذي اعترف بتلقيه أوامر من شدمي استعمل فيها تعبير "الله يرحمه" في إشارة واضحة لإطلاق النار على كل من يخالف أمر حظر التجول، لم تأخذ المحكمة العليا بشهادة يرمياه رئيس لهيس العسكري، الذي اعترف بأن الأخير قام بإطلاق النار على الأسرى.

 وفي هذا السياق اعترف القاضي دوبرين، لاحقا، أنه كان من الصعب عليه الجلوس وراء طاولة والحكم على تصرف إنسان خلال المعركة، فمن كان ليعرف وقتها من البريء ومن العدو؟ على حد تعبيره. ولكن يبقى السؤال لماذا يمد الله في أعمارهم.

التعليقات