20/04/2019 - 12:28

الأسرى بين المعركتين!

استغلت إسرائيل الانقسام الفلسطيني، الذي فصل بين الأسرى على أساس فصائلي، ووظفته لشرذمة وحدة الحركة الأسيرة والاستفراد بأسرى كل فصيل حسب أهدافها، في ظل غياب مطالب فصائلية موحدة داخل الأسر أو خارجه

الأسرى بين المعركتين!

صادف يوم الأسير الفلسطيني هذا العام في زخم تسطير الحركة الوطنية الأسيرة انتصارًا في معركة الكرامة الثانية، ونجاحها في استعادة حقوقها الإنسانية وانتزاع مطالبها العادلة، والذي تحقق بفعل صمود ووحدة الأسرى والأسيرات في مواجهة سلطات السجون الإسرائيلية. 

ولاقى إضراب الكرامة الثاني اهتمامًا شعبيا وإعلاميا ورسميًا، وكتب الكثيرون، عقب الانتصار، حول منجزات معركة الكرامة وما قدمه أبطال الحركة الأسيرة لنضال التحرر الوطني الفلسطيني، من حيث وضع القضية مجددًا على جدول الرأي العام الدولي ومن حيث توفير مناسبة عظيمة للقيادة الفلسطينية، لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الداخلية، لمواجهة الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي.

لن أستعرض في مقالي تفاصيل وأسباب ومنجزات المعركة، وإنما سأحاول استبيان التحول الذي طرأ على سياسة السلطات الإسرائيلية الأمنية بخصوص قضية الأسرى، بين المعركتين، معركة الكرامة الأولى عام 2017 ومعركة الكرامة الثانية عام 2019.

لم تتورع سلطات السجون الإسرائيلية، في العامين الأخيرين، وخصوصا الأشهر التي سبقت إعلان الإضراب، عن توثيق ونشر الممارسات الوحشية والاعتداءات ضد الأسرى، إذ نشرت مقاطع فيديو وصور عمليات القمع وإدخال الكلاب البوليسية لغرف الأسرى وضربهم بالهراوات وجرح العشرات وتركهم ينزفون مكبلين على الأرض لساعات، ورش الغاز المسيل للدموع داخل الغرف الصماء، والتسبب بإصابة عشرات الأسرى بحالات اختناق، لجانب تخريب حاجيات الأسرى وزج قسم منهم في العزل بزنازين انفرادية.

بالمقابل، ومع انطلاق معركة الكرامة الثانية والتفاف الحراك الشعبي حولها واتساعه من يوم لآخر وتزايد اهتمام الإعلام المحلي والعالمي بالهبة داخل سجون الاحتلال، حرصت إسرائيل وأذرعها الأمنية على احتواء المعركة بأسرع وقت ممكن، وتفادي الأصداء والتداعيات وأنظار ورأي المجتمع الدولي، من خلال التوصل لاتفاق، حتى ولو كان مهينا لها وفيه رضوخ للحركة الأسيرة.

عمدت إسرائيل ومن خلال احتواء الإضراب المفتوح عن الطعام والخنوع لمطالب الأسرى بعد 8 أيام، على إعادة قضية الأسرى لحقبة الركود والتهميش، التي شهدتها بعد معركة الكرامة الأولى حتى انطلاق شرارة المعركة الثانية. كما هدفت من خلال الاعتداءات والانتهاكات السافرة، كسر عنفوان الحركة الأسيرة في قلوب الأسرى والمحررين والشعب الفلسطيني.

هذا التعامل المتباين، الوحشي من جهة، والاحتوائي من جهة ثانية، يشير للتحول الحاصل في سياسة إسرائيل تجاه قضية الأسرى، إذ لم تنشر سلطات السجون فيديوهات وصور الاعتداءات في الماضي، في محاولة للتكتم على جرائمها بحق الأسرى وحجبها عن المجتمع الدولي، الذي بالكاد يهتم بحال الأسرى الفلسطينيين أو يتابع ظروف الاعتقال والعزل، كما  أن سلطات السجون لم تسرع في معركة الكرامة الأولى، التي لم تختلف أسبابها ومطالبها كثيرًا عن المعركة الثانية، وجاءت عقب ممارسات واعتداءات وحشية ضد الأسرى وفي ظل تردي ظروف الاعتقال، لاحتواء الإضراب والتوصل لاتفاق والخضوع لقيادة الحركة الأسيرة، بل تعنتت وماطلت وضاعفت مظاهر التعذيب والعقاب والحطّ من كرامة الأسرى مدة طويلة.

تهدف إسرائيل من خلال نشر فيديوهات القمع والاعتداءات إلى ترهيب الفلسطيني وردعه عن الإقدام على فعل مقاوم قد يؤدي لاعتقاله وأسره في ظروف قاسية، تصادر الحرية، وتنضح بالتعذيب والإهمال الطبي لتصل لاحتمالية الموت بسبب القمع والتنكيل.

صعّدت إسرائيل وتمادت في العقوبات والتعذيب مع سن "قانون شاليط" عام 2006، الذي حرم الأسرى من التعليم ومنع الزيارات لأسرى حماس من غزة، وأدركت أن نشرها لقمع الأسرى، لن يثير موجة غضب واحتجاج، إلا من الأسرى وذويهم ومناصريهم، وحدهم يواجهون صفاقة وظلم السجان خلف الجدران، بينما دفعت إسرائيل بالماضي ثمنا سياسيًا وشعبيًا مس بصورتها ومكانتها بالعالم، نتيجة نشر توثيق لعمليات القمع ولظروف السجن والاعتقال، وذلك طبعًا في ظل عنفوان وهالة الثورة الفلسطينية.

كما استغلت إسرائيل الانقسام الفلسطيني، الذي فصل بين الأسرى على أساس فصائلي، ووظفته لشرذمة وحدة الحركة الأسيرة والاستفراد بأسرى كل فصيل حسب أهدافها، في ظل غياب مطالب فصائلية موحدة داخل الأسر أو خارجه. وما عزز نهج الاستفراد والفصل لدى سلطات السجون، كون الانقسام لم يضرب وحدة الصف داخل الأسر وأثره كان أقل من أضراره خارج الأسر.

كما أرادت إسرائيل من خلال توثيق القمع والتعذيب إيصال رسالة للمقاومة في غزة، مفادها أن الأسرى يعيشون ظروفًا مأساوية تحت رحمة ماكنة التعذيب الوحشية، كي لا تضع المقاومة شروطًا لصفقات التبادل، خصوصا وأن حماس ترفض البدء بمفاوضات تبادل إلا بشروط ما زالت ترفضها حكومة إسرائيل.

وليس صدفة أن تزامنت الاقتحامات لأقسام الأسرى والاعتداءات مع الإعلان عن الانتخابات للكنيست الحادية والعشرين، وتحولت قضية الأسرى وقودًا للحملات الانتخابية وخاصة لدعاية اليمين القومي المتطرف، الذي تنافس على من يرتكب أكبر جرائم بحق الأسرى ليكسب شعبية ودعمًا أكثر لدى الشارع اليهودي ويفوز بمقاعد أكثر. وكانت تصريحات وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، في أوج معركة الانتخابات، دليلا على ذلك، إذ هدد بفرض العقوبات على الأسرى وشدد على أن سلطات السجون على استعداد لأي طارئ.

إذن، يحقق التحول في سياسة إسرائيل تجاه قضية الأسرى، هدفين مركزيين، يرميان إلى نزع القضية من الوعي الجمعي الفلسطيني وإدخالنا لحالة من البلادة عبر تقويض كل هبة شعبية تقودها الحركة الأسيرة وتحرك فيها الفلسطيني داخل وخارج الأسر، وتحويلها لهبة موسمية مؤقتة، وبالتالي ترك الأسرى وحيدون في معركة هي بالأساس معركة حرية للفلسطينيين أجمعين.  

إن هذا التحول يضعنا أمام معركة لا تقل أهمية عن معارك الكرامة والحرية، بل تساندها وتحميها من التهميش والتغييب، هي معركة الوعي والإعلام، التي نخوضها مع إسرائيل وأذرعها الأمنية وماكنتها الإعلامية، وهي معركة لن تتوقف بفعل الانتصار بمعركة الكرامة الثانية، وإنما ستستمر حتى تنجح إسرائيل في تصفية الحس الوطني فينا وقتل الشعور تجاه قضايا وثوابت أساسية هي جوهر نضالنا العادل من أجل الحرية والاستقلال والانعتاق من الاحتلال، فحذار من فقدان وهج الانتصار ومنجزات المعركة الثانية وما رفدت به المستويات، والفوائد التي عززت المشاهد، السياسية والشعبية والإعلامية والدولية وغذّت كرامتنا الوطنية، وحذار من رقود قضية الأسرى في سبات بين معركة ومعركة.

التعليقات