07/06/2019 - 18:21

فلسطينيّو الـ48 في اللعبة الصهيونية الداخليّة

هم يلهثون خلفنا من أجل جعل مشروع القهر الاستعماري يمضي بسلاسة، وبنعومة، وهو أمر بات مستحيلًا. فهل نحن نقبل أن نكون جزءًا من لعبتهم، أم نحتفظ بكرامتنا، ونطور رؤيتنا الوطنية والإنسانية، التحررية، ونقرر نحن مع من نتعاون ومع من نبتعد

فلسطينيّو الـ48 في اللعبة الصهيونية الداخليّة

ليس جديدًا أن تستخدم أحزاب المؤسّسة الصهيونية العربَ، وأصواتهم تحديدًا، في الفوز على الأحزاب الصهيونية المعارضة. هذا كان قائمًا منذ اضطرت هذه المؤسسة إلى فرض المواطنة على الناجين الفلسطينيين من جريمة التطهير العرقي عام 1948، ومن بعدها السماح لهم بالمشاركة في التصويت في الانتخابات العامة. وقد كان من أهداف هذه المشاركة، أيضًا، تعميق التبعيّة ودقّ الأسافين، العائلية منها والطائفية، حتى لا تقوم قائمة لهذا الجزء من شعب فلسطين، كمجموعة قومية لها الحق بممارسة حقوقها الجماعية، في ثقافتها وأرضها وهويّتها واقتصادها.

غير أنّ مخاوف المؤسسة الصهيونية، الاستعمارية والمريضة، تحقّقت. فهؤلاء الفلسطينيون، الذي قُدّر عددهم، آنذاك، بـ 150 ألفًا، أصبحوا مليونًا ونصفَ المليون، وتحوّلوا إلى رقم صعب في معادلة الوجود لشعبنا، وشاهدٍ حيٍ على الجريمة الصهيونية.

المفارقة هي أنّ بقايا المعسكر الصهيوني، الذي تحكّم بمسار تطور الفلسطينيين داخل حدود الـ48، منذ تأسيس إسرائيل، وعملَ كل ما يستطيع لنزع فلسطينيتهم، بعد أن جردّهم من أرضهم، يلهث الآن لاستخدامهم من أجل استعادة صورة إسرائيل "الجميلة" المتخيّلة، التي يُزعم أنّها كانت قائمة حتى استيلاء حزب الليكود على الحكم عام 1977. بطبيعة الحال، لا تتفّق كل مكوّنات هذا المعسكر على الاستعانة بالعرب، إذ تعتقد الأغلبية أن ذلك يجعل هذا المعسكر، لقمة سائغة في دعاية حزب الليكود، والأحزاب الدينية الصهيونية والعلمانية المتطرفة المتحالفة معه.

وبعد فشل بنيامين نتانياهو في تشكيل حكومة جديدة، واضطراره إلى الإعلان عن انتخابات مبكرة، في 17 أيلول القادم، ارتفعت بعض الأصوات داخل المعسكر الصهيوني، الذي يُصنّف مركز- يسار، في القاموس الإسرائيلي، وبدأت تنادي بضرورة الاستعانة بالعرب (الأحزاب العربية) من أجل الانتصار على نتانياهو في الانتخابات القادمة. وأدى النقاش، الذي دار داخل قيادة هذا المعسكر على مدار خمسة أيّام، إلى الموافقة على دعوة عضو الكنيست العربي، عن الحزب الشيوعي – الجبهة، أيمن عودة، ليلقي كلمة في المظاهرة التي نظمها حزب "كاحول لافان"، في تل أبيب، أواخر الشهر الماضي. فقد اعتقدت شخصيات في هذا المعسكر، بضرورة تزيين المظاهرة بعربي، يتحمّلون توجهه، لإضفاء طابع ديمقراطي شكلي على هذا المعسكر، خاصة بعد أن بدأوا يدركون أنّه عبر مشاركة العرب بنسبة مرتفعة فقط يمكن إسقاط معسكر الليكود وأحزابه التي تدور في فلكه، وأن لا أمل للمعارضة بالفوز بدون ذلك.

أما صحيفة "هآرتس"، الممثلة للنخبة الأشكنازية ذات التوجه الصهيوني الليبرالي، فكرّست عدد من المقالات، وافتتاحيتين، في الأسابيع الأخيرة، للفكرة، بل عنونت إحدى افتتاحيتها، بتاريخ 6/6/2019: "تجب العودة إلى القائمة المشتركة"، وبعد أن تتحدث الافتتاحية عن ضرورة التخلي عن صراعات الإيغو داخلها، وتقديم رؤية لقضايا العنف والتخطيط والبناء (طبعا لا ذكر للهوية الفلسطينية أو حتى لموقف المشتركة المطلوب من القضية الفلسطينية)، تختتم بالفقرة التالية التي توضح البعد الاستخدامي في توجهها:

"بإمكان هذا التوجه أن يولّد اتحادات أخرى، ويقدم سندًا لكتلة المركز- يسار (أي ’كاحول لافان" وحزبي العمل وميرتس)، يؤدي بصورة طبيعية إلى ارتفاع نسبة التصويت لهذه الكتلة، وربما لتغيير الخارطة السياسية في إسرائيل".

إن هذا التوجه المحموم الذي يصدر عن أصوات داخل هذا المعسكر، ليس مرده الاعتراف بالحقوق الجماعية الكاملة لمليون ونصف مليون فلسطيني، ولا لتغيير النظرة، جذريا، تجاه الشعب الفلسطيني، إنما إنقاذ صورة إسرائيل، وإعادتها إلى صورتها العلمانية وحماية النخبة الأشكنازية الاستعمارية التي فقدت سيطرتها على الكيان. إنّها معركة داخلية، تتسم بهبوط غير مسبوق في الممارسة السياسية داخل نظام الأبرتهايد الكولونيالي. هم يتبادلون الاتهامات الشخصية العنيفة، التي تظهر نظامهم كنظام من دول العالم الثالث.

الانحطاط والهبوط لا يعنياننا نحن الفلسطينيوّن، إذ أنه من المفروض أن يفيد المقهورين في نضالهم العادل ضد نظام متوحش، ولصوصي، لو توفرت قيادة فلسطينية حكيمة ومؤهلة وشجاعة وذات حسٍ قوي بالكرامة. لكن الخطورة التي تنطوي عليها هذه الخصومة الشرسة الداخلية، تأتي، أيضًا، على حساب حقوقنا، وأمننا، ووجودنا. نحن، الفلسطينيّون داخل الخط الأخضر، والشعب الفلسطيني عمومًا، جزءٌ من حملاتهم المريضة، والتي لا تدور حول كيفية إنصافنا، بل على كيفية تحقيرنا أكثر، وإخفائنا من المشهد.

إن معركتنا ليست على ديمقراطية إسرائيل، اليهودية، ولا على علمانيتها، القائمة على الأساطير التوراتية، والفكرة الاستعمارية، إنّ معركتنا هي، أساسًا، على هويتنا الوطنية المستقلة، على وجه مجتمعنا، وعلى الطابع التحرري الوطني والإنساني، وعلى الديمقراطية الكونية التي ترفض استعباد الناس على أساس العرق أو الدين أو القومية.

هم يلهثون خلفنا من أجل جعل مشروع القهر الاستعماري يمضي بسلاسة، وبنعومة، وهو أمر بات مستحيلًا. فهل نحن نقبل أن نكون جزءًا من لعبتهم، أم نحتفظ بكرامتنا، ونطور رؤيتنا الوطنية والإنسانية، التحررية، ونقرر نحن مع من نتعاون ومع من نبتعد عنه؟

التعليقات