17/07/2019 - 18:54

في هجاء الواقعيّة والعقلانيّة: مسائل وتساؤلات في حالتنا الأرثوذكسية

كيف تُباع الأوقاف الأرثوذكسيّة بأبخس الأثمان؟! كيف تُباع أوقاف الأرثوذكس وأصحابها أبناء المكان كأنّهم لا شأن لهم في هذا؟!الوثائق المتاحة المؤكَّدة تؤكِّد ذلك وتكشفه؛ ولذا لا منطق في التساؤلات الجاهلة أو المتجاهلة غير البريئة: "هل لديكم إثباتات مؤكّدة؟".

في هجاء الواقعيّة والعقلانيّة: مسائل وتساؤلات في حالتنا الأرثوذكسية

قد يضيع الكلام في زحمة الانتخابات، وصراع الشركاء "الأعدقاء" (على حدّ توصيف غادة السمّان ذات مرّة) وإنشاء حزب جديد، وصفقة الصفيق "ترامب"... لكن احتمال ضياع الكلام ليس مبرّرًا للسكوت، كما أنّ مشاقّ النضال ليست مبرِّرًا مقنعًا لاعتماد مواقف خنوعة. ولو كان هذا المبرِّر المتهيّب ذو المنطق المعطوب على صواب، لَما كان هناك أيّ منطق في التضحيات التي قدّمتها الشعوب في سبيل التحرّر، وبناء الأوطان، وتحقيق العدل والحرّيّات والديمقراطيّة والعدالة الاجتماعيّة. لذا، على الرغم من كل شيء، نقول ونكتب...

بعضنا يقاومون مؤامرة مؤتمر البحرين، وفي الوقت نفسه يسكتون عن سُرّاق ومسرِّبي الأوقاف العربيّة الأرثوذكسيّة. وإن عبّروا عن موقف في موضوع أوقافنا (أوقافهم)، فإنّهم يعترضون بـخجل وخفر وتردّد، ويَدْعون إلى الواقعيّة، ويروّجون للعقلانيّة؛ ولا يخفى عن العارف المدرك أنّ الواقعيّة في هذه الحالة واقعيّة مدّعية بغيضة متقاعسة، وأنّ العقلانيّة حالة من التواطؤ بين العقل والرضوخ.

تلك المواقف التي فيها يعلن أصحابها أنّهم ضدّ تسريب الأوقاف الأرثوذكسيّة، وفي الوقت نفسه لا يقاطعون مَن يسرّب وينهب (والمسرِّبون في هذه الحالة هم البطرك غير المستحقّ ثيوفيلوس الثالث ورجاله المقرَّبون - وهذا ليس مجرّد اتّهام عشوائيّ انفعاليّ، بل هو توصيفٌ لواقع مخيف بشع مسنودٌ بوثائق يستطيع الاطّلاع عليها بجهد بسيط عبر الإنترنت كلُّ مَن يرغب ويريد)، تلك المواقف هي في أقلّ تقدير ضريبةٌ كلاميّة، أو ربّما ازدواجيّة في النضال تلغي صفة النضال عن حاملها، أو هي مجرّد تسجيل موقف يعفي صاحبه من أن يترجم موقفه إلى عمل حقيقيّ يخدم شعبه ووطنه خدمة حقيقيّة لا ادّعاء فيها؛ إذ ما معنى أن تكون ضدّ التسريب والنهب، وفي الوقت نفسه لستَ ضدّ المسرِّب الناهب؟! هذا ما نحتاج أن تجيب عنه بعض الجهات دونما تأتأة (والأدقّ: أن تعتذر عن تقاعسها وتلعثمها، والأهمّ: أن تراجع نفسها وتُقوّم نهجها). من هذه الجهات أحزاب وأجسام وطنيّة ولجان وجمعيّات ومجالس ملّيّة أرثوذكسيّة نتوقّع منها أن تقف ضدّ الناهب المسرّب بالحدّ الأدنى من الشجاعة والجرأة، وليكن ما يكون! المطلوب شَجاعة لا بطولة، وجرأة لا خوارق!

إن كان في ما نقوله شيء من التجنّي والمبالغة، فليفسّر لنا مَن يتحلَّوْن بالمعرفة والوعي:

لماذا يكون الصوت عاليًا مجلجِلًا جَسورًا ضدّ الإمبرياليّة الأميركيّة، وضدّ حكومات إسرائيل العنصريّة، وضدّ المحاكم الإسرائيليّة، وفي الوقت نفسه خافتًا خجولًا يأتي الصوت نفسه في موضوع البطرك غير المستحقّ (ثيوفيلوس الثالث مسرِّب وناهب أوقافنا العربيّة الفلسطينيّة) والبطركيّة المفسودة المنهوبة، يقارب صمت القبور؟! كيف نتجرّأ على القوى الاستعماريّة ونقاومها بصوتنا، ونَجبن إزاء خُدّام هذه القوى ونخدمها بصمتنا؟!

كيف تُباع الأوقاف الأرثوذكسيّة بأبخس الأثمان؟! كيف تُباع أوقاف الأرثوذكس وأصحابها أبناء المكان كأنّهم لا شأن لهم في هذا؟!الوثائق المتاحة المؤكَّدة تؤكِّد ذلك وتكشفه؛ ولذا لا منطق في التساؤلات الجاهلة أو المتجاهلة غير البريئة: "هل لديكم إثباتات مؤكّدة؟".

اتّـهـامـات

قبل نحو شهر (12/6/2019)، في أعقاب رفض المحكمة العليا الإسرائيليّة للاستئناف الذي قدّمته البطركيّة الأرثوذكسيّة التي يرأسها غير المستحقّ ثيوفيلوس الثالث، طالعتنا كلمة "الاتّحاد" الحيفاويّة، الصحيفة الناطقة باسم الحزب الشيوعيّ في إسرائيل، بكلام من الاتّهام يسيء لمَن كَتَبَهُ ولِما يمثّله أكثر بكثير ممّا يسيء لمن كُتِب عنه. كلمة الصحيفة (التي حملت العنوان التالي: "المحكمة العليا، المستوطنون، والأوقاف") تضمّنت اتّهامًا للقضاء الإسرائيليّ، وكلامًا يتطرّق إلى وجود حاجة "لحراك شعبيّ صادق، لردع البطريركيّة الأرثوذكسيّة الحاليّة من الاستمرار بهذه الممارسات الخطيرة، التي منها ما ينعكس بشكل خطير جدًّا على القدس ومناطق واسعة في الضفّة المحتلّة"... وهنا أتساءل: أهي مجرّد ممارَسات فعلًا؟! أليست نهجًا؟! وتتابع الصحيفة مختتمةً كلمتها:

" وحينما نقول معركة شعبية صادقة، نقصد أن لا يقفز إلى صفّها الأوّل، من هم متورّطون في الدفاع المستميت عن البطريرك المخلوع، وعارضوا خلعه على خلفيّة صفقة باب الخليل. ومنهم من رأيناهم، هذا الأسبوع، يصدرون بيانات تتّهم البطريرك الحالي ثيوفيلوس "بالتآمر" بأنّه لم يكن أداؤه في الدعوى التي قدّمها لإلغاء الصفقة كافيًا - دون أيّ ذكر لدور البطريرك المخلوع إيرينيوس".

"إنّ حماية الأوقاف، كلّ الأوقاف المسيحيّة والإسلاميّة، في فلسطين التاريخيّة، هي معركة وطنيّة من الدرجة الأولى، فهي معركة على حقّ، وعلى الأرض، وعلى هويّة المكان ومسمّياته، لذا فإنّ المعركة ضدّ كلّ من تسوّل له نفسه بالتفريط بالأوقاف، تحتاج لأيدي [الصواب: أيدٍ] نظيفة، لا تحرّكها مصالح مشبوهة".

أجل... هكذا يكون "تسميع الحكي" الذي يسيء ويسيء. يسيء لمن يعمل ويجتهد ويحاول، ولا يوجّه كلمة لوم للمتقاعسين. هكذا بكلام غير مسؤول يُتّهَم الحراك الناشط القائم ضدّ فساد البطركيّة وفي سبيل استعادة الحقوق (وضمن هذا الحراك مجموعة "الحقيقة الأرثوذكسيّة" التي أنتمي أنا إليها، وأشعر بكثير من التقصير تجاهها) بأنّه زمرة من أنصار إيرينيوس البطرك السابق، وبأنّه حراك متورّط كاذب ملوَّث مشبوه!

في ما سبق، قبل عام وبضعة أشهر، تنطّح أحد السفهاء المهرّجين من أتباع ومناصري البطرك الحاليّ غير المستحقّ (وكان من قبل قد حاول بفشل ذريع أن يوهمنا بأنّه مناهض للبطرك)، فاتَّهَمَ مجموعة الحقيقة بأنّها متعاونة مع المجموعة الاستيطانيّة "عطيرت كوهانيم" (المجموعة اليهوديّة المتطرّفة التي تعقد صفقاتها مع البطرك غير المستحقّ ثيوفيلوس الثالث). آنذاك، عبْرَ الفيسبوك، ببَلهٍ وصبيانيّة يثيران الشفقة والسخرية، بالصوت والصورة والخزي، وعَدَ ذاك المسكين وأوعد بفضح مجموعتنا بالوثائق، ولا زلنا ننتظر الفضيحة! "الإثبات الجامد" الذي أتى به المسكين كان تساؤله: من أين يأتون بالمال لاستئجار باصات للمظاهرات ضدّ البطرك؟! المسكين يخلط بين أجرة السيّارات والطيّارات!

وها نحن مجدَّدًا نتعرّض ثانيةً لاتّهامات بالمشبوهيّة وقذارة اليد! إذا كنّا نحن كَذبةً ملوَّثين مشبوهين، فليتفضّل الصادقون الأنقياء المخلصون الوطنيّون المجرّبون، وليقيموا حراكًا بديلًا يقاوم ويناضل ويفضح ويتحمّل المسؤوليّات، أو بعضها...

تـذكـيـرات...

الموافَقة الكلاميّة على قرارات مؤتمر بيت لحم (تشرين الأوّل/ أكتوبر 2017)، الداعية إلى مقاطعة البطرك غير المستحقّ ثيوفيلوس الثالث، هي في حدّ ذاتها مسألة مهمّة، لكن الأهمّ الأهمّ حقًّا هو الممارَسة والالتزام بهذه القرارات التزامًا حقيقيًّا.

الالتزام يعني، في ما يعني، عدمَ القيام بزيارات للبطرك (علنيّة كانت أم في الخفاء)، وعدمَ دعوته إلى أيّ مناسبة (أعياد؛ أعراس؛ أتراح؛ حفلات تخرُّج...)؛ وعدمَ التعاطي مع رجاله المتنفّذين، بل مقاطَعتَهم.

الالتزام يعني عدم عرقلة الحراك في دعوته إلى اعتماد المسار القضائيّ ضدّ فساد البطركيّة وفي سبيل استعادة الحقوق، بل يعني الانضمام إلى هذا المسار وتعزيز كلّ نجاح محتمَل، بالدعم الماليّ وغيره. ولنا في النجاحات القضائيّة التي حقّقتها في ما سبق بعضُ اللجان الأرثوذكسيّة المحلّيّة (في يافا وكفر سميع وعبلّين) متغلّبة بصبرها ومثابرتها وصلابة إيمانها على جَوْرِ البطركيّة وأطماعها النَّهِمة، محافِظةً على أملاكها، لنا في تلك النجاحات في المحاكم عِبرة عظيمة تُعزّز الروحَ وتشحذ الإرادة.

 الالتزام يعني كذلك ألّا يفكّر أيّ منّا (مجرّد تفكير) في أن يحصل على "عطايا" من بطركيّة ينخر فيها الفساد تبحث رئاستها عن مَنافذ تبيِّضُ بها صفحتها وتسوّد عيشتنا! مَن رضِيَ أن يقبض، فَرَضَ على نفسه أن يدفع. والدفع في هذه الحالة مؤلم ومجرم. المُدافع والمتخاذل والخادم لرئاسة بطركيّة تُسرِّب أوقافَنا، وتبيعها بأثمان "مغرية"، هو بدفاعه وتخاذله وخدمته لها يبرّئ ساحتها غير الطاهرة، ويوفّر لها طوق نجاة، ويدير ظهره لكنيسته ورعيّته، ويتنكّر لمصلحة شعبه ووطنه، ويخون إنسانيّته من حيث يدري... ويدري!

مـزيـد مـن الـخـيـبـات...

كلّ ما ورد أعلاه أتممتُ كتابته فجر الحادي عشر من الشهر الجاري (11/7/2019)، ولم أرسله إلّا إلى صحيفة "الاتّحاد" يحدوني أملٌ ما. مرّت ستّة أيّام ولم تُنشَر المادّة ولا تلقّيت ردًّا بشأنها. وبعد استفسارين اثنين، تلقّيت من هيئة تحرير الصحيفة ردًّا بالبريد الإلكترونيّ يتضمّن اعتذارًا عن عدم النشر، ويتذرّع بعدم الرغبة في الدخول في سجال حول الموضوع، ويوضّح لي أنّه ثمّة مقالات أخرى تتعلّق بهذا الموضوع قد امتنعت عن نشرها الصحيفةُ (التي أعرفها وأقرأها ولا زلت أحرص على دفع اشتراكها السنويّ منذ سنين وسنين). حرتُ قليلًا، ثمّ ما لبثت أن وجدتُني أكتب ردًّا إلكترونيًّا أردت له أن يكون موجَزًا فخذلتني الخيبة:

"أدركُ أنّي لن أفلح في الإقناع، لكن أجد من واجبي أن أقول...

هذا موضوعٌ مصيريّ حارق، وعدم الخوض فيه هو ترسيخٌ لوضع خطِر، ومراعاةٌ لأنصار غير المستحقّ ثيوفيلوس وأتباعه والمنتفعين من فساده والمتواطئين معه، وهديّةٌ ثمينة لهم. حسبت أنّ لديكم الاستعداد والرغبة في أن ترفدوا مقاوَمتَنا للفساد والسرقة والنهب والتفريط؛ أن ترفدوها لا أن ترفضوها. خطير هو الوضع، وخطير كذلك السكوتُ عنه وإهماله والامتناع عن الخوض فيه بذريعة عدم الرغبة في أن يُفضي إلى سجالات لا تريدها صحيفة يراها البعض صحيفة شعب، ويصرّ البعض أن تكون وتبقى صحيفة حزب.

لشديد الأسف، تبريركم لرفض النشر لا يقنع. كلمة "الاتّحاد" في 12.6.2019، التي تتّهمنا بعدم الصدق وبالتبعيّة للفاسد السابق البطرك إيرينيوس، هي في حدّ ذاتها خوضٌ مهين في هذا الموضوع الذي تتحسّسون منه.

يا لَلخسارة! توقّعت أن تنشروا المادّة وتتقبّلوا النقد، وكذلك تمنّيت وتوقّعت أن تبلغوني عبر رسالة بشأن عدم نشر المادّة على صفحات "الاتّحاد"، كي أنشرها في منبر آخر لا يتحرّج من التعاطي مع هذا الموضوع المهمّ والمصيريّ الوطنيّ. ترى لو كان موضوع المقالة هو الدعوة إلى فتح قنوات مع البطركيّة للتفاهم والتوصّل إلى تسوية أو حلول وسطيّة (ومناشدة البطركيّة أن تتفهّم أوضاعنا ومواقفنا)، والدعوة إلى عدم التسرّع أو التهوّر والمجازفة في خوض مسار قضائيّ ضدّ صفقات البطركيّة، ترى هل كانت المقالة سيُرفض نشرها على صفحات "الاتّحاد"؟

على ما يبدو، كان عليّ أن أتوقّع رفضكم النشر.

إلى لقاءات مع موادّ غير حسّاسة ولا تثير تحفّظًا ولا حفيظة".

تـذكـيـر أخـيـر

وبعد... التاريخ والأجيال القادمة لن ترحم مَن تقاعَسَ ولا مَن خوّنَ ولا مَن خان ولا مَن هان! قضيّة أوقافنا الأرثوذكسيّة قضيّة وطنيّة، وكلّ مَن لا يراها وطنيّة ها هو لا يحرّك ساكنًا، وإنّ حَرّك ففي محاولة غير كاملة الخفاء لإجهاض الحراك المقاوم. 

 

التعليقات