20/07/2019 - 18:56

مجتمعنا بحاجة إلى الحب...

لا بدّ من السياسة، ولكن يجب أن لا تخلو من الإنسانية والأخلاق ومن المحبة، إذ يجب أن تكون لخدمتنا كمجتمع، لا أن نكون مجتمعًا في خدمة السياسة والسياسيين محليًا وقطريًا وإقليميًا وحتى دوليا.

مجتمعنا بحاجة إلى الحب...

بتنا نشعر أن الكراهية تنتشر بلا ضوابط وبحدّة في مجتمعنا، الذي يبدو آيلا إلى السقوط ما لم نتوقف لنعرف ما الذي نحتاجه وإلى أين نحن ماضون؟ واضح أن هنالك كمّا هائلا من الكراهية، التي سوف تتفاقم أكثر وأكثر، لأن وضعنا يزداد سوءًا، فهناك من يغذي الفوضى من خلال غض الطرف عن تجارة السلاح والجرائم بكل أشكالها والتي تجري بشكل شبه يومي. مجتمعنا يحتاج إلى الحب أكثر من أي شيء آخر،
الحب الذي يمكّننا من استيعاب وتفهم بعضنا والتسامح في ما بيننا. 

لا بدّ من السياسة، ولكن يجب أن لا تخلو من الإنسانية والأخلاق ومن المحبة، إذ يجب أن تكون لخدمتنا كمجتمع، لا أن نكون مجتمعًا في خدمة السياسة والسياسيين محليًا وقطريًا وإقليميًا وحتى دوليا.

العصبيات الحزبية باتت مصدرًا لبث الكراهية بإزاء المختلف، مثلها مثل الطائفية البغيضة والعنصرية العرقية والعشائرية؛ أنت معي فأنت ذكي ومسؤول وجدي ومناضل وممتاز وتستحق التحيّة والمحبة، وإذا كنت ضدي فيجب سحقك وتخوينك، ولا بأس من شتمك، والمزايدة عليك واتهامك بأنك قابض ثمن خيانتك من مصدر ما.

ما يجري على خلفية انتخابات البلديات والمجالس ما زال له صدى في عدة أماكن، في بعضها سافر كما في كفر مندا وفي بعضها يرتدي أقنعة، في أكثر من مكان، كان آخرها كما يبدو في طرعان، لكنه العنف الذي سيوصل إلى كارثة ما لم نحسن التصرف ونضع له حدًّا.  

الظلام يحيط بنا من كل جانب، فنحن شعب يعيش تحت نظام عنصري ينتهز الفرص للإجهاز على كل بارقة أمل تجعلنا نتفاءل بمستقبل أفضل، نظام وضع نصب عينيه بثّ اليأس في نفوسنا، وتكريس عجزنا، وإقناعنا بما يرى هذا النظام أنه "دونية". كمّ الكراهية الذي يُبث من خلال شبكات التواصل وخصوصًا في "فيسبوك" في الأسابيع الأخيرة حول تشكيل قائمة انتخابات الكنيست، تخللها كلمات نابية تمس الناس وكراماتهم، وتجعل من الجمهور غير الحزبي بأكثره ينفر من السياسة والسياسيين، ولهذا علينا محاصرة أصوات التخوين والتسفيه غير المسؤولة، وهذا واجب الجميع، علينا الارتقاء عن إطلاق الاتهامات على عواهنها، فهي مستفزة ومنفّرة ولن تعود بخير على أحد. 

فلتذهب إلى الجحيم مقاعد الكنيست التي ستجعل منا أبواقًا لبث الكراهية وتخوين بعضنا البعض، نحن نعرف بعضنا البعض جيدًا، ونعرف أن الخلاف على ترتيب مقاعد الكنيست سُفّه وهبط كثيرًا، وابتعد كثيرًا عن كونه قضية شعب يطالب بحريته وكرامته ومساواته. 

هناك تشدد حزبي وكرامات حزبية وهمية على حساب أمل الجماهير، يؤدي هذا إلى اليأس والإحباط. هناك أصوات تنادي بعدم التنازل للآخرين قيد شعرة، وهذه الأصوات تصدر من رؤى حزبية ضيقة، ترى في مصلحة الحزب أعلى من أي مصلحة أخرى، تضاف إليها مصادر غير وطنية تريد لهذه الشقّة أن تتسع بين أبناء الشعب الواحد، لأننا بوحدتنا فقط، نستطيع أن نتحرك وأن نعيد الأمل للناس، فالأمل هو القوة الوحيدة التي نملكها، أو ما وصفه الشاعر محمود درويش بتربية الأمل، وذلك بإشعار الناس كل الناس الذين معنا والذين ضدنا، ومع المنخرط بالسياسة وغير المنخرط، بأن هناك من يرعى مصالحهم حقًا، وبأن هناك من يهتم بمصير أبنائهم وبناتهم عندما يكونون هم في أشغالهم وهمومهم اليومية.

نرحب بكل مبادرة لجمعيات وحراكات شبابية وغيرها تعمل لما فيه خير لمجتمعنا، إلى جانب هذا، لا بديل عن وجود الأحزاب التي تُجسد الأداة الأهم في تطوير الوعي والحس السياسي للناس من خلال تنظيمها وعملها اليومي وليس الموسمي، لأننا لسنا في منطقة عدم انحياز، ولسنا في فنلندا أو السويد. نحن في منطقة صراع، نحن جزء أساسي منها، ومن يظن أو يوهم الناس بالنأي عن السياسة يقول لهم اتركوا لغيركم بأن يقرر مصير أجيالكم القادمة.            

لا أريد الخوض فيمن يتحمل المسؤولية، لأن كل الكلام قد قيل، وكل حزب سوف يتمسك بروايته، ولكن الجميع يتحمل قسطًا من المسؤولية بشكل أو بآخر، وعلى الجميع تقع مسؤولية إحياء المشتركة وليس الإجهاز عليها، على الجميع فهم اللحظة بوعي ليس لإنقاذ المقاعد، ولكن بوعي لإنقاذ الحالة السياسية من اليأس والتدهور.                

نحن نمر في أسوأ ظروف منذ النكبة عام 1948 هنا وفي لبنان وفي الضفة وقطاع غزة، ليس لنا سوى أنفسنا، نحتاج إلى التسامي ونفض الكراهية وبناء الجسور، فهذه الأحزاب تحالفت في الماضي مع بعضها، واشتركت في قوائم انتخابية وفي أكثر من تركيبة، وبعد الانتخابات كان كل حزب يعود إلى كوادره وإلى الشعب، محتفظا بأفكاره وبرنامجه وخصوصيته ورؤيته وهذا طبيعي جدًا.

علينا الاعتراف بأن قسمًا كبيرًا ممن يمتنعون عن التصويت إنما يمتنعون بسبب الكراهية والتبخيس الذي تبثه الأحزاب ضد بعضها البعض، وإمعان كل حزب في البحث عن سقطات وأخطاء ومثالب الآخر، حتى الوصول إلى الشأن الشخصي، ما جعل من لا يفعلون شيئا يشعرون بأنهم أفضل. 

أولى لنا كلنا أن نبحث عن المشترك والجميل فينا، وهو موجود وكثير، وهذا لا يلغي حق النقد الموضوعي في إطار اللغة السياسية الراقية، وليس لغة الانحطاط والتخوين الفورية التي تأتي ردًا على أي ملاحظة نقدية.

تجارب الشعوب كثيرة، ويمكن الاستفادة منها، وتجربة شعبنا كبيرة وغنية على امتداد قرن، فحيث كانت الخلافات والتدقيق في المواقف الصغيرة والتشدد كانت العاقبة ندمًا.

إضافة إلى الأحزاب والحركات المتبلورة منذ عقود على الساحة السياسية، التي تشترك أو التي لا تشترك في الانتخابات، هناك مكان لأولئك الذين ينادون بالتجديد، على هؤلاء أيضًا تقع مسؤولية الجمع وليس التفريق، وأن يكون دورهم إيجابيًا، وأن لا يتحيّزوا إلى طرف على حساب طرف، فهناك مساحة للجميع ولكل من يريد ولكل من يقدر على العمل والعطاء، وإذا كان السيد المسيح عليه السلام قد قال: "أحبّوا أعداءكم"، فكيف ونحن لسنا أعداء ويجمعنا ألف جامع ومصير مشترك؟

اقرأ/ي أيضًا | الشعب فوق الحزب و"إيغو" هذا أو ذاك... 

التعليقات