14/08/2019 - 12:22

العنف: ذلك السوط المسلّط على رقاب العرب

من نافلة القول إنّه ليست هناك حلولٌ سحريّة للعنف الذي يجتاحُ البلدات العربيّة ويتفاقمُ من حين لآخَر. لقد لجأت السلطات المحلّيّة العربيّة والقوى الفاعلة وجرّبت الكثيرَ من السبل لمحاربته والتقليل من أضراره، لكنّ ذلك لم يثمر عن النتيجة المتوخّاة.

العنف: ذلك السوط المسلّط على رقاب العرب

من تظاهرة مناهضة للعنف (عرب ٤٨)

لعلّ العنف من أبرز الآفات التي اُبتلي بها المجتمعُ العربيّ على مدى السنوات الأخيرة، يُعتبرُ القتل وإراقة الدماء وإزهاق الأرواح من المعاصي الكبيرة التي حرّمتها الديانات السماويّة وحذّرت مُرتكبيها من العقوبات الماحقة والمآل السيّئ الذي سينالُهم حيثُ قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}، (93) سورة النساء، كما أنّ النبيّ قال للناس في خطبة الوداع: (إنّ دماءَكُم وأموالَكُم حرامٌ عليكم، كحُرمةِ يومِكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا).

ما من شكّ أنّ المجتمع العربي يواجهُ الكثيرَ من التحدّيات والأزمات التي تؤرّقه على مدار الأعوام المنصرمة، وقد طرأ ارتفاع ملحوظ في عددِ جرائم القتل في المجتمع العربي في البلاد الذي يشكّل ما نسبته نحو 20% من إجماليّ عدد السكّان في إسرائيل، لكن في الوقت الراهن لو سألت أيّ مواطن عربيّ في هذه البلاد من أقصى الشمال وحتّى منطقة النقب في الجنوب عن القضيّة الأهمّ التي تُلقي بظلالِها على العرب في هذه البلاد، والتي تتطلّبُ تضافُر جميع الجُهود لإيجاد مخرجٍ منها، لكانت مشكلةُ العنف تحتلّ المقام الأوّل، لما لها من آثار فظيعةٍ لن يتعافى منها المواطنون العرب على المدى المنظور.

للعنف أسبابٌ وعواملُ كثيرة تعملُ على انتشاره على نطاقٍ واسع وتؤجّجه وتزيد من وتيرته. هنالك العوامل الاقتصاديّة والاجتماعيّة والعوامل التي تتعلّق ببعض العادات والتقاليد، والتغيّرات التي طرأت على أنماط الحياة في العقود الأخيرة. لكنّ السؤال الذي ينبغي التركيز عليه في هذه الآونة هو كيفيّة الحدّ من هذه الظاهرة التي خلّفت ندوبًا ونتائجَ خطيرة على المجتمع العربي، وكانت ولا تزالُ لها تداعيات سلبيّة في كافّة مناحي الحياة. طُرحت الكثير من الآراء، الاجتهادات والخطط لمواجهة ظاهرة العنف الخطيرة. لكن على الرغم من ذلك لم يلمس الناس أيَّ تغيير ملحوظ يشي بانحسار هذه الموجة. بل إنّ هذه الآفة تتّسعُ رقعتُها وتنتقلُ من بلدةٍ إلى أخرى ولم تسلمْ منها أيّة بقعةٍ يتواجدُ فيها العرب.

العنف، بطبيعة الحال، ليس حكرًا على المجتمع العربيّ بل في يمكن ملاحظته في كافّة أنحاء الدولة. لكنّ بلداتنا العربيّة تنال قسطًا كبيرًا منه وهو فيها أكثر انتشارًا وضررًا. هناك مَن يعتقد أنّ الشرطة لا تقومُ بواجبِها حيال ظاهرة العنف المستشرية في البلدات العربية. وكدليل على ذلك، فإنّهم يستشهدونَ بالعدد الكبير من جرائم القتل والعنف التي تحدثُ بشكلٍ شبه يوميّ ولا يتمّ الكشف عن هُويّة الجناة إلّا في حالات نادرة. يرى الكثير من العرب أنّ الشرطة بإمكانها عمل الكثير بغية القبض على مُرتكبي حوادث القتل وإطلاق النار ومظاهر العنف الأخرى؛ لأنّها هي الجهة المخوّلة بفرض القانون والمحافظة على النظام العامّ وردع مُخالفي القانون ومهدّدي السِّلم العامّ. تدّعي الشرطة من جانبها أنّها تبذلُ الكثير من الجهود والموارد لغرض استتْباب الأمن والحدّ من أشكال العنف، لكنّها تشكو من عدم تعاون المواطنين معها للحدّ من هذه الآفة التي أصبحَت الشغل الشاغل للكثير من السكّان في البلدات العربيّة.

من نافلة القول إنّه ليست هناك حلولٌ سحريّة للعنف الذي يجتاحُ البلدات العربيّة ويتفاقمُ من حين لآخَر. لقد لجأت السلطات المحلّيّة العربيّة والقوى الفاعلة وجرّبت الكثيرَ من السبل لمحاربته والتقليل من أضراره، لكنّ ذلك لم يثمر عن النتيجة المتوخّاة.

إذا بقينا ننتظر الحلولَ من الخارج فيبدو أنّ انتظارنا سيطول ولن تتوقّف دوامة العنف. يتعيّن على القيادات الفاعلة في المجتمع البحث عن الطرق الكفيلة لمعالجة العنف بتجلّياته العديدة. هذا يعني أنّ على جهاز التربية الانخراط بشكل جدّي وفعّال من خلال وضع البرامج التي تركّز على قيَم التسامح وتقبّل الآخر وتنشئة الأجيال التي تنبذُ العنف وتسعى من أجل أن تسود في المجتمع روحُ المحبّة والوئام. كما يتعيّن على رجال الإصلاح القيام بدورهم من خلال حلّ الخلافات بين الناس وهي في مراحلها الأولى قبل تفاقمها، وإيجاد آليّات أخرى يتوجّه إليها الناس عند نشوب الخلافات بينهم. الكثير من الخلافات تبدأ بأمور بسيطة يمكن حلّها عبر الوسطاء والوجهاء، ويجب عدم السماح لها بأن تتحوّل إلى نزاعات تؤدّي إلى هذه النتائج الكارثيّة، التي غالبًا ما تكون هي الحلّ الذي يلجأ إليه الكثيرُ من الأشخاص الضالعين في هذه الخلافات.

إقامة محطّات الشرطة في البلدات العربيّة يعدّ أمرًا غير كافٍ بحدّ ذاته؛ لأنّها لم تُثبت حتّى اللحظة جدواها في الحدّ من جرائم القتل واتّساع دائرة العنف. الكثير من المواطنين العرب يرى أنّ الشرطة تكيل بمكيالين عند تعاملها مع العنف في المجتمع العربيّ والمجتمع اليهوديّ، حيث يدّعون أنّ نسبة الكشف عن الجرائم في المجتمع اليهوديّ وإلقاء القبض على المجرمين أكبر منها في المجتمع العربيّ. يدعو رؤساء السلطات المحلّيّة وأعضاء الكنيست العرب الشرطة إلى جمع السلاح وإلقاء القبض على مَن يرتكبون هذه الجرائم وتقديمهم للعدالة، حتّى يكونوا عبرة لمن تسوّل له نفسه بالتفكير في ارتكاب مثل هذه الأفعال.  

ينبغي على القيادات السياسيّة والمجتمعيّة أن تضعَ في سلّم أولويّاتها محاربة ظاهرة العنف واللجوء إلى كافّة الوزارات، الجهات والمسؤولين في المؤسّسات المختلفة، بغية رصد الموارد والبرامج التي تعمل من أجل أنْ يتعافى المجتمع من العنف بكافّة أنواعه. قيلَ الكثير في هذه القضيّة المؤلمة وسمعنا عن الكثير من البرامج لمحاربة هذه الظاهرة، ولكن ربّما حان الأوان للتفكير "خارج الصندوق" والبحث عن حلولٍ أخرى لم تُجرّب لمكافحة العنف.    

يتّهمنا البعض أنّ العنف ليس طارئًا علينا، بل إنّه متجذّرٌ في ثقافتنا وهو اتّهام باطل. ولعلّنا من خلال التصرّفات الطائشة وغير المسؤولة التي نراها في شوارعنا وأحيائِنا نمنحُ هؤلاء الفرصة لكي يواصلوا ترديد هذا الإفك. مُلقى على عاتقنا دحض هذه الاتّهامات والتخلّص من ظاهرة العنف أو الحدّ منها على الأقلّ.


* محاضر في الجامعة المفتوحة ومترجم

التعليقات