19/08/2019 - 11:02

ماذا الذي تخفيه حادثة شنق الكلبة؟

يقول الفيلسوف الألماني، إيمانويل كانط، إننا نستطيع أن نحكم على أخلاق الإنسان من خلال النظر إلى تعامله مع الحيوانات.

ماذا الذي تخفيه حادثة شنق الكلبة؟

يقول الفيلسوف الألماني، إيمانويل كانط، إننا نستطيع أن نحكم على أخلاق الإنسان من خلال النظر إلى تعامله مع الحيوانات.

ويقول كثيرون إننا نستطيع الحكم على أخلاق مجتمع بأكمله، من خلال تعامل أبنائه مع الحيوانات، سواء كانت أليفة أو بريّة، فالمجتمع الذي يتعاطف مع الحيوانات ويربي أبناءه منذ الصغر على الرحمة بها وعدم إيذائها وحتى حمايتها هو مجتمع راق ومتقدم، والعكس صحيح، المجتمع الذي يستهتر بحياة الحيوان وآلامه، لا بد أن يستهتر بحياة الإنسان وآلامه.

الطفل الذي يرى والديه يضعان الماء في الحر الشديد حول البيت كي تشرب القطط، لا بد أن ينمو مع شعور بالرحمة وبنفسية سليمة.

قبل أيام نشرت مواقع التواصل الاجتماعي صورًا لكلبة   شُنقت على "درابزين" فوق جدار واقٍ في أحد شوارع قرانا العربية، ولهذه الكلبة خمسة جراء حديثة الولادة، وهذا يعني أن الجراء ربما قضت نحبها، ويبدو أن صِبيةً أو صبيّا قاما أو قام بهذا العمل البشع.

نستطيع أن نستشعر العنف الكامن في نفس الفاعل، فمن يشنق كلبة للتسلية اليوم، لن يجد مشكلة كبيرة في نقل عنفه هذا إلى عالم الإنسان، هذا الصبي أو هؤلاء الصبية غير أسوياء من الناحية النفسية، ويحتاجون إلى علاج سريع قبل استفحال الانحراف والسادية لديهم وارتكاب جريمة أكبر.

شنق الكلبة ليست حادثة فريدة من نوعها، فكثيرًا ما تُنشر فيديوهات يظهر فيها تعذيبٌ وقتلٌ لحيوانات بصورة وحشية. أحد الشبان نشر فيديو يظهر فيه وهو يكسر ظهر كلب بقضيب حديدي، ليحتضر الكلب على الفور، بينما القاتل معجب بنفسه وساديته، هذا التصرف يدل على نقص وخلل كبير في رجولة يحاول إثباتها من خلال قتل حيوان عاجز.        

نستطيع أن نتذكر بكل بساطة أترابنا من الحارة أو القرية الذين كانوا عنيفين في تعاملهم مع الكلاب والقطط وغيرها من مخلوقات، مثل الحرباءات والحراذين والماعز والحمير وغيرها، هم أنفسهم الذين أصبحوا عنيفين مستقبلا في وجه أهلهم وجيرانهم وأبناء مجتمعهم وحتى أسرهم.

لقد ناقش الفلاسفة والمفكرون ورجال الدين موقف البشر من الحيوانات منذ قدماء الإغريق، فرأى بعضهم أن الحيوانات غير مدركة ولا عقل لها فلا حقوق لها، وأنها وجدت لخدمة الإنسان فقط، بينما صنفها آخرون درجات فوق بعضها البعض من ناحية الإدراك، وعلى هذا الأساس يجب التعامل معها، أما فيثاغوروس فقد آمن بتناسخ الأرواح بين الحيوان والإنسان ودافع عنها.   

ورأت الديانات، اليهودية والمسيحية والإسلامية، أن الحيوانات خُلقت لخدمة الإنسان، ولكنها دعت لعدم إيذائها من دون سبب والرفق بها، ورأى الدين الإسلامي بأن الحيوانات أممٌ مثلنا نحن البشر، وأنها تحشر في الآخرة، فقد جاء في سورة الأنعام "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرّطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يُحشرون"- الآية 38. وهناك حديث نبوي شريف معروف يحكي قصة امرأة دخلت النار، لأنها حبست قطة في مكان مغلق، فلا أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض.

وتشدد الديانتان، البوذية والهندوسية، أكثر وأكثر ويذهب بعض مذاهبها إلى تقديس بعض الحيوانات من منطلق الإيمان بأنها أرواح بشرية تناسخت من جيد إلى أسوأ أو العكس من سيء إلى جيد.

سُئل المهاتما غاندي عن سر تقديس الهندوس للبقرة فقال: "إن والدتك ترضعك عامين، بينما تقدم لك البقرة حليبها طيلة عمرها".        

من الناحية القانونية لم تكن حماية للحيوانات حتى القرن التاسع عشر، حيث سُن أول قانون بريطاني عام 1822 يغرّم من يؤذي حيوانا من الحيوانات الأليفة، مثل الحصان أو الحمار والغنم وغيرها بخمسة جنيهات أو السجن لمدة شهرين، واستمر تطوير قوانين والنقاشات بين الفلاسفة حول حقوق الحيوان، وفي القرن العشرين ازدهرت الجمعيات في بعض الدول المتقدمة التي تدافع عن حقوق الحيوان في الأمن وعدم الإيذاء مثل صيدها لأجل جلودها وفرائها أو قرونها، وكذلك لتطالب بتعامل أٌقل ألمًا ومعاناة لها خلال حبسها في الزرائب وتربيتها لاستغلال منتجاتها من ألبان ولحوم وغيرها.

  لا نريد تقديس الحيوانات، ولكن التربية على عدم إيذائها ليست واجبًا دينيًا وأخلاقيا فقط، بل إن نوع التربية في التعامل مع الحيوان سوف يؤثر على الطفل عند بلوغه وسيرافقه مدى الحياة.

وبعيدا عن الفلسفة، علمتنا الحياة والتجارب أن الأطفال العنيفين تجاه الحيوانات ليسوا أسوياء ويعانون من مشاكل نفسية، وهم مرشحون أكثر من غيرهم ليكونوا عنيفين تجاه محيطهم.

نعم لثقافة التعايش السليم مع الحيوانات الأليفة طالما أنها غير مؤذية، ولنرفع أصواتنا بقوة ضد إيذائها في بيوتنا ومدارسنا ومؤسساتنا، فمن يمارس العنف تجاه الحيوان ينتظر فرصته لممارسة العنف ضد أبناء مجتمعه.

 

التعليقات