21/08/2019 - 14:24

معن البياري والشرطة الفلسطينية.. انتصارٌ لأي قيم؟

لا نفهم في نهاية المطاف ماذا يريد أن يدعي الكاتب في مقاله؟ فهو لا يبحث عن أجوبة لأسئلته في البداية، بل يُصرّح أنه لا يجد حرجًا في قمع الشرطة الفلسطينية للمثليين...

معن البياري والشرطة الفلسطينية.. انتصارٌ لأي قيم؟

كتب رئيس قسم الرأي في صحيفة "العربي الجديد"، معن البياري، مقالا تحت عنوان "انتصارًا للشرطة الفلسطينية" في أعقاب الضجة التي أثارتها الشرطة الفلسطينيّة في بيانها ضد مؤسسة القوس الفلسطينية، إذ أثنى البياري في مقاله على بيان الشرطة التي هددت في بيانها، بملاحقة المثليين الفلسطينيين وناشطي مؤسسة القوس.

ما يثير الاستغراب أن البياري الذي يبدأ مقاله بطرح أسئلة أساسية مثل "ما الذي يعنيه بالضبط مفهوم ’التعدّدية الجنسيّة’؟ ما هو التوصيف الأنسب لحالات الذين يعيشون ’توجهاتٍ جنسيّةً وجندريّةً مختلفة’؟ هل يزاول المثليون والمثليّات، ثنائيو الميول الجنسية، والمتحوّلون والمتحوّلات، حرّياتٍ فرديةً، أم هم مرضى يحتاجون علاجا طبيا ونفسيا؟"، لم يقم بجهد من المفترض والمتوقع من أي كاتب مقال (خصوصًا إذا اعتبر نفسه رصينًا) أن يقوم به، وهو البحث قبل الكتابة في موضوع لا يلم فيه.

فهذه الأسئلة التي يطرحها البياري في البداية شرعية، إن كانت بهدف البحث عن إجابة لتساؤلات تؤرقه ويطرحها العديد من الناس حول قضايا التعددية الجنسية والجندرية، وكيفية التعامل معها. لكن البياري لم يقم بأي بحث ولو بسيط عن الموضوع؛ فهو لو قام بذلك، لعلم أن مؤسسات عالمية من ضمنها الأمم المتحدة وجامعات ومعاهد بحثية مرموقة في معظم الدول، أزالت تصنيف المثلية الجنسية على أنها مرض بحاجة لعلاج.

ومن يبدأ بطرح الأسئلة في مستهل مقاله، نتوقع منه أن يأخذنا معه بمسار بحثي وطرح لنقاش حول الأسئلة، إلّا أن الكاتب اختار إطلاق الأحكام بطريقة مبنية على أفكار نمطية مسبقة، معتبرًا "المثليّة الجنسيّة مرفوضة، في أعراف الفلسطينيين (والعرب وشعوب عديدة في الأرض). وإذا كانت أوساطٌ في بلاد في الغرب والشرق لا ترى ذلك، فهذا شأنُها. ولا علاقة للقصة كلها بمحافظةٍ أو تحرّر، بتخلفٍ أو حداثة، وإنما بقيم وأخلاق وبنواميس البشر". 

وفي موقع آخر في المقال، وكأنه يُعاتب لغة المهنية الصحافية، التي باتت سائدة في وسائل الإعلام باستخدامها مصطلحات علمية وغير مهينة عن المثليين، يتساءل "لم لا نقول الشواذ جنسيا من دون حرج؟".

لا نفهم في نهاية المطاف ماذا يريد أن يدعي الكاتب في مقاله؟ فهو لا يبحث عن أجوبة لأسئلته في البداية، بل يُصرّح أنه لا يجد حرجًا في قمع الشرطة الفلسطينية للمثليين، كاتبًا: "لا يجد صاحبُ هذه الكلمات حرجا إذا ما شدّد على أن الشرطة الفلسطينية، في بيانها ووعيدها، إنما تقوم بمسؤولياتها".

ما المسؤولية تلك التي يتحدث عنها الكاتب؟ هل يريد لشرطة السلطة الفلسطينية المتورطة في ملاحقة الشباب الذين يقاومون الاحتلال والتنسيق الأمني، أن تتورط أيضًا في ملاحقة المثليين الفلسطينيين والنشطاء الاجتماعيين؟ هل يريد للشرطة الفلسطينية أن تتصرف كما تتصرف الأنظمة العربية القمعية تجاه شعوبها عندما تقوم الدولة الفلسطينية؟ كيف بالتحديد يريد البياري أن تتعامل الشرطة في حال -لا سمح الله – اختارت أن تقوم بحملة ضد المثليين وما أسماه بأنصارهم؟ هل باعتقالهم؟ ضربهم؟ سجنهم؟ تدفيعهم غرامات؟ ما هذا الشيك المفتوح بتأييد بيان الشرطة الفلسطينية وممارساتها؟

لم يكن متوقعًا من رئيس قسم الرأي في صحيفة "العربي الجديد"، المحسوبة على التيار الديمقراطي والمعروفة بوقوفها إلى جانب انتفاضات الشعوب العربية والحريات وضد القمع، أن يكتب هذه الادعاءات المسيئة، التي قد تصل إلى حد التحريض على القمع.

هل سنقرأ مستقبلًا مقالا للكاتب يدعو فيه بلده الأردن والشرطة الأردنية لتحذو الطريق نفسه الذي حذته الشرطة الفلسطينية؟ هل سيطالب مثلًا الحكومة الأردنية بتجريم المثلية الجنسية، بما أن الأردن من الدول العربية القليلة التي لا تجرّمها قانونيًا؟

ومن المستغرب كذلك، أن كاتب المقال لم يلحظ تناقضًا في مقاله، ففي حين يستنكر في المقال العنف ضد المثليين مثلما حصل مع الشاب من طمرة الذي تعرض للطعن من أخيه (يُذكر هنا أنه نظمت وقفة مؤخرًا في مدينة حيفا شارك فيها المئات ضد حادثة الطعن وضد العنف الموجه لأشخاص يعيشون تجارب جنسية وجندرية مختلفة في المجتمع الفلسطيني)، وبين تأييده لبيان الشرطة الذي يُشجّع على العنف في المجتمع الفلسطيني بحق المثليين كما نشهد هذه الأيام، من تهديدات في مواقع التواصل الاجتماعي بشكل علني ودعوات للعنف بسبب بيان الشرطة. 

والملفت للانتباه أيضًا، أن البياري لا يعلم أن مواقف كهذه تعتبر مادة دسمة في الدعاية والغسيل الوردي الإسرائيلي، بحيث تصور نفسها متنفسًا وملجأ للمثليين العرب والفلسطينيين الملاحقين في مجتمعاتهم.

وبما أن الكاتب يستنكر على القوس عدم عملها في الجانب العلاجي للمثليين، فإن ذلك يستدعي ربما أن يطلع أكثر على قضايا التعددية الجنسية والجندرية في العالم العربي تحديدًا، ليتبيّن له أنها ليست مرضًا يستدعي العلاج. وبما أنه بدأ مقاله بأسئلة حولها، فإن ذلك يستدعي بالضرورة طرح أجوبة من خلال فتح صفحات قسم الرأي في "العربي الجديد" لأشخاص من العالم العربي، ليتناولوا قضايا العنف التي يتعرض له المثليين/ات والمتحولين/ات، والممارسات التي تقوم بها الشرطة بحق هذه الشريحة من المجتمع، وكيف يُستغل التحريض ضدهم من أجل تثبيت سلطة النظام القائم، كما فعل حسني مبارك، وكما يفعل اليوم السيسي.

على البياري أن يراجع مواقفه ويسأل نفسه دون تشنج لأية قيم يريد أن ينتصر.

التعليقات