01/09/2019 - 16:11

لا كيد نساء ولا لبوس جن...

في لحظة غضب، كتبت أننا وحوش "وتفو علينا" وأشرت إلى أمّتي، أمة العرب، وذلك كردة فعل غاضبة على مقتل المرحومة إسراء غريب. الفيسبوك حظر المنشور لما فيه من تحريض عنصري، ثم أعاد نشره بعد أن عدّلته.

لا كيد نساء ولا لبوس جن...

في لحظة غضب، كتبت أننا وحوش "وتفو علينا" وأشرت إلى أمّتي، أمة العرب، وذلك كردة فعل غاضبة على مقتل المرحومة إسراء غريب. الفيسبوك حظر المنشور لما فيه من تحريض عنصري، ثم أعاد نشره بعد أن عدّلته، وقد راح البعض يسألني مستنكرا لماذا هذا التعميم... إلخ؟

كان هذا في لحظة طغت فيها المرارة، فأنا أول من يرفض تعميم الصفات على الشعوب والمجموعات العرقية، سواءً كان هذا على العرب أو غيرهم.

ما نكاد أن ننسى واقعنا الاجتماعي المرّ حتى نفاجأ بجريمة صادمة، تذكّرنا بما نحن فيه وتفضح واقعنا.

بعض ردود الفعل على جريمة القتل يثير الغضب مثله مثل القتل، فالكثير من هذه الردود حاول ويحاول إيجاد تبريرات تميل إلى تصديق قصّة الجن الذي لبس الفتاة الضحية، هذا يعني أنّهم يريدوننا أن نكون معتوهين نؤمن بخرافات، وإما أن ننافق للقتلة لاعتبارات عديدة لتبرئتهم من دمها، علما أن التسجيلات تؤكد بأن عددًا من الجناة لاحقوها إلى غرفة في المستشفى وضربوها ضربًا قاتلا وهي تصرخ طالبة النجدة دونما مغيث، على مسمع ومرأى طاقم المستشفى الذي يبدو أنه خاف من مواجهة المجرمين وآثر الوقوف جانبًا، الأمر الذي أدى إلى وفاتها، سواء على الفور أو بعد نقلها إلى البيت، وسواء بسبب الضرب المباشر أو السكتة الدماغية أو القلبية نتيجة الخوف والألم، وكل هذا يجري بعد كسر عمودها الفقري في الجولة الأولى من الضرب.

هناك من احتجّ بأن الضجة التي أثيرت لمقتل إسراء لم نرها عند مقتل الرجال، ويقصد بهذا القول إنّ الذين أظهروا غضبهم لجريمة قتل إسراء لأنها أنثى لم يظهروا هذه الحميّة عند مقتل الرجال.

كل جريمة قتل مستنكرة بدون أي استثناء، ولكن ردة الفعل الصاخبة على مقتل إسراء، والتي يجب أن تستمر، سببها حيثيات هذه الجريمة، ففي حين يكون قتل الرجال على خلفيات مالية وخاوة وصراعات بعضها بين رجال عالم سفلي وبعضها على ميراث وصراعات شخصية وأخرى على الإيغو وشوفة النفس، وثارات عشائرية قديمة وأخرى على حدود أرض مع الجيران وأخرى على سوق بيع وشراء وأرباح وحتى على موقع حاوية قمامة وموقف سيارة، أو قتل بالخطأ لمن لا ذنب له أو تحرّش جنسي وإلى ما لا يحصى من أسباب، كلها مستنكرة، إلا أن جريمة قتل إسراء، تختلف من حيث تنفيذها بالضرب المباشر بالأيدي والرفس، ولا نعرف أيّة أدوات أخرى بصورة مباشرة من قبل أقرب الناس إليها الذين يفترض أن يكون في قلوبهم شيء من الرحمة تجاهها، ثم أن هذا بعد أن أصيبت بجراح ونقلت إلى المستشفى جرت ملاحقتها مرة أخرى وضربها بإصرار حتى لفظت روحها، تبع ذلك تواطؤ ما تُسمى هيئة الرقية الشرعية بأن المرحومة كان يلبسها الجن (كيف يلبسها الجن بينما هي تعمل في مجال التجميل ولديها الكثير من الزبائن؟)، والأسوأ هي عشرات بل مئات ردود الأفعال التي "تتفهّم" قريبا لها نشر فيديو يبرر فيه ما حدث للفتاة من خلال قصّة الجن، إلا أن هناك فيديو آخر يوضح بالضبط ومع الصوت تفاصيل الجريمة المقززة وسببها التافه وصراخ الفتاة في غرفة المستشفى، وهي تستغيث طالبة النجاة والمساعدة دون جدوى.

من ناحية أخرى هناك من راح يحمّل المسؤولية لابنة عمّها التي وشت بها وحرّضت عليها، من خلال قولها لأبناء عمها إنّها "حطّت رؤوسهم بالوحل"، بسبب تصرّفها، ألا وهو جلوسها في مكان عام مع شاب كان قد تقدم إلى خطبتها، ولم يعقد قرانه عليها رسميًا بعد.

تحويل الأمر وكأنه قضية كيد نساء هي جريمة أخرى تضاف إلى هذه الجريمة، تحاول تحميل مسؤولية ما حدث لامرأة أخرى، صحيح أنها تتحمل مسؤولية ولكن كيف لامرأة مُكيدة أن تتلاعب بأعصاب كل هؤلاء الرجال إلى درجة ارتكاب جريمة، ما لم يكونوا جاهزين أصلا لتلقي وقبول مثل هذا التحريض؟!

بعد هذا، لم يظهر موقف فوري وحازم من قبل الشرطة الفلسطينية من هكذا جريمة، فالموقف فيه غموض وتردّد، كذلك لم يظهر موقف واضح وسريع من قبل أقطاب القائمة المشتركة، الذين لزموا الصمت حتى ظهر الأحد حيال هذه الجريمة.

لا يمكن ترك القضايا الاجتماعية الحارقة جانبا بحجة أننا مشغولون في مواجهة قضية أكبر، فمواجهة الاحتلال بدأت منذ قرن وقد تستمر قرنا آخر، الاحتلال يستغل ثغراتنا الاجتماعية وعلى رأسها قضية تحرّر المرأة فينافق لها ويحاول الظهور كنصير للمرأة العربية أمام وحشية الرجال العرب.

علينا أن نعمل في القضايا السياسية إلى جانب القضايا الاجتماعية، مثل العنف والموقف من تحرّر المرأة وحرية الفن والتعبير واحترام الاختلاف والخصوصية، فالحرية والإنسانية والكرامة الوطنية لا تتجزأ.

كذلك من المؤسف أن معظم المثقفين من كتاب وشعراء وسياسيين ومربين وأساتذة، يتهربون من مواجهة مثل هذه القضايا، ويواصلون الحفر الضبابي في ذواتهم بعيدًا عن هموم مجتمعهم الحقيقية، هؤلاء يحاولون إرضاء الجميع، وفي الواقع يصطفون بصمتهم إلى جانب التخلف والظلام سبب بلائنا الأول.

التعليقات